أفكار وآراء

«الترامبية» وبنية العنف السياسي

27 يناير 2021
27 يناير 2021

محمد جميل أحمد -

الأحداث التي شهدتها الولايات المتحدة يوم 6 يناير من اقتحام لمبنى الكابيتول من قبل أتباع ترامب، كانت ضرباً من العنف السياسي، كما وصفها بذلك أكثر من معلق، وهو عنف تعكس هويته السياسية تعبيراً عن مطالب فئوية أو شعبية تتعلق بطريقة معينة في تأويل الوعي السياسي والعنف المصاحب له.

ما يؤكد الهوية السياسية في ذلك العنف، هو أن تحول الظاهرة الترامبية كطريقة في الفهم والعمل السياسي بدت لكثيرين كما لو أنها ظاهرة ستبدو مستقرةً في تعبيراتها تلك امتداداً للعمل في مراحل قادمة.

لقد كان ذلك العنف الذي وصفه الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن بأنه من صنع إرهابيين محليين مؤشراً عميقاً لتغلغل وعي العنف في التعبيرات الشعبوية التي ظل يمارسها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على مدى 4 سنوات.

وإذا ما كانت الشعبوية، في إحدى تعريفاتها، أنها تمثيل يستهلك الحرية والديمقراطية دون الالتزام بقواعدها؛ فإن العنف السياسي الذي شهدناه في يوم 6 يناير كان شكلاً من أشكال عجز الشعبوية عن الالتزام بقواعد الديمقراطية، أي في الالتزام بذلك المبدأ الذي يقول: من قواعد الديمقراطية؛ الالتزام بنتائج الديمقراطية في حالتي الفوز والخسارة.

وفيما بدا البعض متوجساً من امتدادات العنف السياسي إلى ولايات عديدة في أمريكا في حفل يوم التنصيب، عبر تظاهرات محتملة لأنصار ترامب احتجاجاً على خسارته، كانت دلالات العنف السياسي أكثر تعبيراً على حقيقتها من خلال التأثر بمفاعيل ذلك العنف في ردود فعله التي جاءت من الطبقة السياسية الأمريكية والإعلام الأمريكي ومن أوساط الشعب الأمريكي كذلك.

ذلك أن أحداث العنف السياسي الذي انعكس في أفعال مناصري ترامب، ما إن واجهها المشرعون الأمريكيون بمواصلة إنفاذ عملهم الدستوري في ذات اليوم الذي تمت فيه أعمال ذلك العنف داخل مبنى الكابيتول، عبر مواصلة فرز نتائج مندوبي الكليات الانتخابية، وكذلك حين واجهها الإعلام بإجراءات مسؤولة: (منع ترامب من استخدام تويتر وفيسبوك ويوتيوب) وكذلك منع ترامب من وسائل الإعلام سواءً عبر قنوات التلفزة، أم الصحف؛ إلى جانب التجهيزات الأمنية الكبيرة، والملاحقات البوليسية، حتى أدرك ممارسو ذلك العنف، أن النظام الدستوري للولايات المتحدة يتحرك في اتجاه واحد وقوي ضدهم، ما أدى في النهاية إلى تأكيد في وعي كثير من مناصري ترامب، بأن ما مارسوه من عنف لم يكن سوى احتجاج تأثر بتأويل مضلل من طرف الترامبية!

هكذا لم نلمس امتداداً لذلك العنف في يوم 20 يناير عندما تم تنصيب الرئيس الجديد، لأن طبيعة الاحتجاج السياسي حتى ولو شابها عنف في بعض الأحيان فإن جذور هذا العنف تبقى كامنة في أسبابه السياسية التي قد تتغير قناعات أصحابه بالمتغيرات في الساحة السياسية والإعلامية.

فالبنية السياسية وإن كانت طبيعة الاحتجاج فيها قد ترتبط بالعنف؛ فإن حقيقتها من حيث كونها طبيعةً سياسية، تكون لها قابلية لأن تكف عن أن تتحول إلى أي طبيعة أخرى للعنف سواءً أكانت عنصرية، أو فوضوية، أو إرهابية.

وهذا ما يفسر لنا غياب أي تعبيرات تعكس استمرار العنف السياسي، في الأيام التي تلت تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن.

فبين الهوية السياسية لبنية العنف، وبين قدرة تلك البنية على أن تتفاعل مع متغيرات العمل السياسي والإعلامي الذي يمكن أن يزيل في ردود فعله على عنفها كثيراً من الإشكالات والأكاذيب والدعاوى، يتبين لنا أيضاً الفرق الذي سيكون قوياً بين العنف السياسي وبين العنف الذي يصاحب النزعات العنصرية والفوضوية.

وفيما لا تزال جهود الديمقراطيين ساعية إلى محاكمة ترامب، بعد أن تبين أنه أراد تقويض النظام الديمقراطي، عبر تحريضه على العنف السياسي، سنشهد المزيد من تلاشي ظاهرة الترامبية، لاسيما إذا أسفرت محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ في فبراير القادم عن حرمانه دستورياً من أي عمل سياسي في المستقبل كالترشح للانتخابات في العام 2024

بين العنف السياسي الذي بدا ظاهراً في أحداث مبنى الكابيتول يوم 6 يناير، وبين إسقاطات كثير من المحللين العرب الذين بشروا بنهاية ديمقراطية أمريكا يومذاك، سنجد أن ما هو مختلف حقاً؛ ينعكس في التراكم العميق الذي تحيل إليه ممارسات الديمقراطية الأمريكية؛ بحيث يبدو العنف فيها عنفاً ذا بنية سياسية أكثر من كونه عنفاً من طينة أخرى!.