أفكار وآراء

رؤية الشباب العماني لتحدياته: تقييم النظام التعليمي

25 يناير 2021
25 يناير 2021

د.صلاح أبونار -

يمثل الشباب العماني، وعي الأمة المرهف والكاشف، وقوتها الدافعة والمستقبلية. يمثل وعيها المرهف والكاشف من واقع طبيعة الشريحة العمرية، بما تحمله من يقظة وقدرة على التقاط تفاوتات الواقع وتناقضاته، وما تمثله من انتقالية في وضعها الاجتماعي تضفي نسبية على تأقلمها مع قوى ومعايير الضبط الاجتماعي. ويمثل قوتها الدافعة والمستقبلية من واقع طاقات العمل العالية التي يمتلكها، وقدرته على التجاوب الفوري مع احتياجات العصر، وتوليه الحتمي لمواقع القيادة الاجتماعية في المستقبل. الأمر الذي يعني أن رصد وتحليل وضع الشباب العماني، سواء من حيث مواضعاته الاجتماعية الخاصة والعامة، أو من حيث أبعاد وعيه الذاتي الخاص أو العام، يشكل مدخلا أساسيا لفهم سياقات اللحظة الراهنة وتحياتها المستقبلية.

وعلى مدى العقد الأخير وفر لنا «المركز الوطني للإحصاء والمعلومات» عدة استطلاعات لقياس الرأي العام في دوائر الشباب العماني، تمنحنا مادة ميدانية دقيقة ومتكاملة تمكننا من رصد أبعاد وعي الشباب العماني بوضعه الذاتي والتحديات التي يواجهها. وسنبدأ في هذا المقال برصد أبعاد وعيه بالنظام التعليمي العماني. وفقا لإحصائيات المركز وصل عدد الشباب العماني في منتصف عام 2016، إلى705,753 شابا وشابة في إطار الشريحة العمرية 15 -29 سنة، وهو ما يساوي 29% من إجمالي العمانيين. ولن نعثر داخل القطاع التعليمي على فجوات اجتماعية ذات دلالة.

في عام 2015 تراوح معدل الإلمام بالقراءة والكتابة 98,6% و99,3% داخل شرائح الشباب الفرعية الثلاثة، أي بفجوة لا تتعدى 1,4 % بين إجمالي عدد الشباب و إجمالي العارفين منهم بالقراءة والكتابة. كما تبدو الفجوة أوسع قليلا لكنها تظل محدودة، بين عدد الشباب ونسبة الملتحقين منهم بالصفوف النهائية الثلاثة من التعليم العام. في العام الدراسي 2014 - 2015 كانت نسبة الالتحاق الإجمالي بها 94,5% انخفضت إلى 93,9% في نسبة الالتحاق الصافي، أي بفجوة فعلية 6,1% ، وهي فجوة شديدة الانخفاض عند هذا المستوى التعليمي. وعندما نصل إلى التعليم العالي سنجد أن نسبة الملتحقين به إلى إجمالي الناجحين في الدبلوم العام 2009 -2010 كانت 59% بفجوة 41%، وهى مرتفعة لكنها طبيعية للغاية وتوجد بنسب أكبر في أغلب البلدان المتقدمة، من واقع شروط التأهل العلمي والتكلفة الاقتصادية وحجم الطلب على الخريجين. والأمر نفسه بالنسبة للفجوة النوعية بين الذكور والإناث. داخل مجال التعليم العام لن نجد للفجوة النوعية وجودا جديرا بالذكر. وفقا لبيانات 2011 وصلت نسبة الذكور حملة الدبلوم العام إلى 45,6% والإناث 46,8%. ولكن التعليم العالي سيشهد فجوة نوعية حميدة لصالح الإناث. وفقا لبيانات عام 2014 - 2015 وصلت نسبة الدارسات 60% مقابل 40% للدارسين.

والحاصل أن الأرقام بمنهجية بنائها العلمي وصرامة دلالاتها، تخبرنا أن النظام التعليمي العماني يتسم بسمتيْ تكافؤ الفرص والمساواة النوعية، ومن هنا لم تحاول الاستطلاعات التي أجراها «المركز الوطني» قياس وعي الطلاب والخريجين لما لا خلاف عليه، واتجهت للتركيز على قياس أبعاد وعيهم بكفاءة هذا النظام وبالتبعية التحديات التي يواجهها.

وسنجد ضمن إنتاج المركز الثري ثلاث استطلاعات في هذا الصدد: الأول: «ملخص نتائج استطلاع قيم الشباب العماني» مارس 2015. والثاني: «استطلاع رأي الطلبة حول جودة التعليم في الجامعات والكليات الخاصة» فبراير 2016. والثالث: «مسح الخريجين» 2017. ما الذي تخبرنا به تلك الاستطلاعات الثلاثة؟

سوف نتعرض لنتائج كل استطلاع على حدة، ولن نحاول دمجها في سياق تحليلي عام وواحد، من واقع اختلافها في طبيعة الشريحة المبحوثة وفى منظور الاستطلاع.

يتسع مجال الاستطلاع الأول لطلاب المراحل الجامعية والثانوية وما قبل الثانوية. وهو لا يتعرض لقياس القدرة التعليمية المباشرة للنظام التعليمي، بل لقياس قدرته على توفير نوع من المهارات العقلية العامة يدعوها « مهارات الحياة للدارسين»، من خلال قياس رأي العينة في قدرته على توفير خمس مهارات محددة. ولو راجعنا أراء المبحوثين في نجاح النظام في توفير المهارات بدرجة «عالية جدا» أو»متوسطة» سوف نجدها على النحو التالي. احتلت مهارة « التواصل الفعال مع زملاء ورؤساء العمل» القمة بنسبة 71% ، تلتها مهارة « مواجهة التحديات في الحياة الشخصية والعملية»، بنسبة62%، وبعدها مهارة « تنظيم وقت الفراغ والعمل» بنسبة 57%، وتلتها مهارة « اتخاذ القرارات في الحياة العملية» بنسبة 53%، وفي النهاية جاءت مهارة « حل الخلافات داخل الأسرة والعمل» بنسبة 50%. وبتحليل النتائج سنلاحظ أن مهارة واحدة وصلت نسبة القول بتوافرها بدرجة عالية أو متوسطة إلى71%، بينما تراوحت نسبة بقية المهارات ما بين 62% و50%. كما يلاحظ أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي كلما انخفض مستوى الرضا عن قدرة النظام. وعلى سبيل المثال حظيت مهارة مواجهة التحديات على تأييد 52% من طلاب التعليم العالي مقابل 62% للمرحلة الثانوية، وحظيت مهارة حل الخلافات على تأييد 37%من التعليم العالي مقابل 53% للتعليم الثانوي.

يقتصر الاستطلاع الثاني على طلاب الجامعات والكليات الخاصة، ويركز على جودة التعليم والأنشطة عبر قياس رؤية الطلاب لستة معايير. عبر 15% عن رضاهم الشديد بشأن «نظام وانتظام التعليم»، و42% عن رضاهم، و17% عن عدم رضاهم. وعبر13% عن رضاهم الشديد عن «ترابط مقررات التعليم»، و43% عن رضاهم، و16% عن عدم رضاهم. وعبر10% عن رضاهم الشديد بجودة المقررات والبرامج، و45% عن رضاهم، و18% عن عدم رضاهم. وعبر 12% عن رضاهم الشديد عن «ارتباط المقررات بسوق العمل»، و40% عن رضاهم، و18% عن عدم رضاهم. وأظهر 13% رضاهم الشديد عن «أساليب وطرق التدريس»، و39% عن رضاهم، و21% عن عدم رضاهم. وأظهر 16% عن «تشجيع الطلاب على المشاركة في الأنشطة الجامعية»، و34% عن رضاهم، و26% عن عدم رضاهم. ويمكننا القول إن الطلاب يرون انخفاضا في الجودة التعليمية لهذه المؤسسات، حيث تراوحت نسبة الرضا الشديد والرضا بين 57% و50%، وهى نسبة منخفضة بالمعايير الجامعية. وهو ما أثبته حساب الاستطلاع للمؤشر العام للرضا، حيث حققت جودة الهيئة الدراسية والإدارية 56% فقط، وجودة المرافق والتجهيزات 55%، وجودة التعليم53%.

يشمل الاستطلاع الثالث خريجي ثلاث دفعات تخرجت فيما بين 2013 -2016 وصل عددهم إلى 25,550 موزعين على 12 مجالا علميا. انتقل هذا الاستطلاع للتركيز على رؤية الخريجين لمدى قدرة النظام التعليمي على تزويدهم بمهارات ومتطلبات فرص العمل. عمل الاستطلاع على قياس جودة ثمانية مكونات تعليمية، وفقا لمؤشر رقمي يتكون من أربعة مستويات متتالية: جودة قليلة( 1- 1,9)، وجودة متوسطة (2 -2,9)، وجودة كبيرة ( 3 -3,9)، وجودة كبيرة جدا ( من 4). حصل مكون توفير فرص للتدريب في مواقع العمل على قيمة 2,3، ومكون فرص المشاركة في فعاليات علمية مثل المؤتمرات على 2,3، ومكون التركيز على التطبيق العملي في التخصصات العملية على2,5، ومكون فرص اختيار مجال التخصص الدقيق على 2,7، ومكون الدعم الفني والتقني للطالب على 2,7، ومكون المحتوى العلمي للمقررات على 2,7 ، ومكون درجة التواصل مع الأساتذة على 2,9. والخلاصة إن سبعة مكونات من الثمانية حصلت على درجة جودة متوسطة، ولم يحصل على درجة جودة كبيرة سوى المكون الثامن بقيمة 3، ولم يحقق أي مكون درجة الجودة الكبيرة جدا. إلا أن تقييم الطلاب يصبح أكثر إيجابية ولكن دون أن يصل لمرتبة الإيجابية العالية، عندما طلب منهم تقييم مهارات عقلية معينة عبر مقارنة ما اكتسبوه في ظل النظام التعليمي بما يتطلبه العمل. فيما يتعلق بمهارات الحاسب الآلي وتقنية المعلومات، قال 21,2 % إنها أعلى من المطلوب، و53% أنها مماثلة للمطلوب، و25,8% أنها أقل من المطلوب. وفيما يتعلق بمهارات التفكير النقدي، قال 21,4% إنها أعلى، و48,5% إنها مماثلة، و30,1% إنها أقل. وفيما يتعلق بمهارات البحث العلمي، قال30,3% إنها أعلى، و41,2% إنها مماثلة، و28,5 % إنها أقل. وفيما يتعلق بمهارة المعرفة العملية بالتخصص، قال 20,4% إنها أعلى، وقال 45% إنها مماثلة، و34,6% إنها أقل. ومن الصعب اعتبار تلك النتائج إيجابية تماما. ففي ثلاث من المهارات الأربع تخطت نسبة من يعتقدون أنها أقل نسبة من يعتقدون أنها أعلى. وفيما يتعلق بمن قالو إنها مماثلة سنلاحظ، أنهم في ثلاث مهارات كانوا أقل من 50%، ولو افترضنا ارتفاع تلك النسبة فإن فكرة المماثلة ليست وردية تماما، لأنها تقتصر على تلبية المطلوب بينما الوضع الأكثر قدرة على تلبية احتياجات الواقع المتغيرة والمتباينة هو تخطي المطلوب.

فما الخلاصة الأساسية لنتائج الاست طلاعات الثلاثة؟ تخبرنا الصورة في خطوطها العامة، أن الشباب العماني لا يشعر بنسبة عالية من الرضا عن نظامه التعليمي، سواء كمكونات تعليمية أو كآليات ربط عملي مع سوق العمل ومتطلباته. بمراجعة أرقام الاستطلاعات سنجد أن معدلات الرضا المتكررة ، معدلات متوسطة أو أعلى من المتوسطة. فكيف رأى الشباب سبل تخطي هذا الوضع؟

تحمل المؤشرات السابقة خطوطاً ضمنية لوعي الشباب بتلك السبل. ولكن لدينا أيضا في الاستطلاع الثاني نوعا من الإجابة المباشرة، لكنها في النهاية تظل إجابة محدودة بخصوصية الاستطلاع والعينة. طرح الاستطلاع على المبحوثين عدة مقترحات للتطوير وطلب منهم الاختيار بينها. حظيت مقترحات رفع كفاءة مرتكزات النظام التعليمي على أكبر قدر من التأييد. فنال مقترح تحسين كفاءة هيئة التدريس على 71%، والاهتمام باللغات الأجنبية على 59%، وتحسين التجهيزات والمعامل على 53%. وتلته في الأهمية مقترحات تطوير مرتكزات النظام الإدارية. فنال مقترح تخفيض الرسوم وأسعار الكتب على 65%، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في التدريس 56%، وتقليل كثافة الطلاب 43%. ولكن الغريب أن مقترحات ربط التعليم بسوق العمل حظيت على أقل قدر من التأييد. فحظي مقترح زيادة التدريب العملي على 6% فقط، ومقترح تطوير البرامج وربطها بسوق العمل على 4% لا غير.