أفكار وآراء

فوضى أمريكا.. فرصةٌ للصين

23 يناير 2021
23 يناير 2021

جيديون راكمان - الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

في يوم 20 يناير 1961 ألقى جون كيندي، أصغر رئيس أمريكي ينتخب على الإطلاق، خطابَ تدشينِ فترته الرئاسية من على درج مبنى الكابيتول. وبعد 60 عاما بالضبط أدى جون بايدن، أكبر رئيس أمريكي على الإطلاق، القسَمَ في نفس المكان بعد أيام قليلة فقط من اقتحامه بواسطة غوغاء من مثيري الشغب.

وظّف كنيدي الخلفية الجليلة لمبنى الكونجرس لكي يعلن أن «الشعلة انتقلت إلى جيل جديد » أما بايدن فممثل لجيل أقدم. وهو جيل يخشى من أن شعلة الحرية معرَّضة لخطر إطفائها حتى في الولايات المتحدة نفسها.

ومن المثير عند مشاهدة تسجيل لكنيدي وهو يلقي ذلك الخطاب أن جزءا كبيرا منه لم يكن موجها للشعب الأمريكي ولكن لقادة الاتحاد السوفييتي. فهو كان يتحدث في ذروة الحر ب الباردة.

تعتقد النخبة الأمريكية في معظمها أن الولايات المتحدة تقف على حافة حرب باردة جديدة. مع الصين هذه المرة. لكن بايدن، بعكس كنيدي، لايمكن أن يَعِد بدفع «أي ثمن وتحمل أي عبء» لضمان «بقاء ونجاح الحرية» حول العالم.

يعلم الرئيس بايدن ومستشاروه أن أهم عمل ينتظرهم هو ضمان بقاء ونجاح الحرية في الولايات المتحدة نفسها. فهي تترنح من التأثير المزدوج للجائحة ورئاسة ترامب إلى جانب مشاكل اجتماعية واقتصادية ظلت تختمر على مدى عمر جيل.

الفوضى التي تضرب بأطنابها في أمريكا فرصة للصين. رتَّب بايدن، كجزء من خطة تستهدف صَدَّ الصين، الدعوة إلى قمة لديمقراطيات العالم. لكن بعد محاولة انقلابية من رئيس يحكم، ربما تفتقر أمريكا للصدقية التي تؤهلها للقيام بتنظيم اجتماعات للعالم الحر. ومن المرجح التخلي في هدوء عن قمة الديمقراطية التي يدعو بايدن لانعقادها وتفضيل اجتماع للديمقراطيات العشرة التي حشدتها المملكة المتحدة.

سيكون صراع الولايات المتحدة الجديد مع الصين، في جزء كبير منه، معركة من أجل النفوذ الاقتصادي حول العالم. فبانقضاء عام 2019، كان حجم التجارة بين 128 من 190 بلدا في العالم والصين أكبر من تجارتها مع الولايات المتحدة. وستتعزز مركزية الصين في النظام التجاري العالمي هذا العام مع توقع البنك الدولي نمو الاقتصاد الصيني بمعدل يتراوح عند 8% مقارنة بحوالي 3.5% للولايات المتحدة.

الأمريكيون أيضا في صراع مع الصين لتشكيل المعايير والإجراءات الفنية التي تحكم اقتصاد العالم. وتحتاج الولايات المتحدة لأدوات تتعدَّى القوة القهرية للعقوبات.

لكن فريق بايدن الذي انزعج من صعود الشعبوية والحمائية داخل الولايات المتحدة استبعد بوضوح توقيع أمريكا أية اتفاقيات تجارية جديدة لبعض الوقت. وهذا ما يزيد من صعوبة مَدِّ النفوذ الأمريكي.

أما الصين، بالمقارنة، فقد وقعت مؤخرا اتفاقيتي تجارة رئيسيتين وجديدتين. إحداهما اتفاقية استثمار بينها وبين الاتحاد الأوروبي في ديسمبر والأخرى اتفاقية تجارة حرة في نوفمبر تحت مسمَّى الشراكة الإقليمية الاقتصادية الشاملة بين 15 بلدا آسيويا من بينها اليابان وكوريا الجنوبية.

من المرجح أيضا أن تُعِيد المشاهدُ الأخيرة في واشنطن تشكيل المعركة من أجل النفوذ والمكانة (أو القوة الناعمة). ففي ليلة اقتحام مبنى الكابيتول كتب ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية (رمز المؤسسة الأمريكية) تغريدة يائسة جاء فيها «من المستبعد أن ينظر إلينا أو يحترمنا أو يخشانا أو يعتمد علينا أي أحد في العالم بنفس الطريقة (السابقة) مرة أخرى. وإذا كان هناك تاريخ بداية لحقبة ما بعد أمريكا من المؤكد تقريبا أنه اليوم».

أيضا ساءت سمعة وشعبية الصين كثيرا خلال العام الماضي كنتيجة لجائحة فيروس كورونا وعدوانيتها تجاه بلدان مثل الهند واستراليا. وفي هذا الشهر ذكرت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان «هيومان رايتس ووتش» أن العام الماضي كان «أسوأ فترة تشهدها حقوق الإنسان في الصين منذ مذبحة 1989 التي قضت على حركة الديمقراطية بميدان تيان ان مين » كما سلط تقرير المنظمة الضوء على القمع في هونج كونج ومعسكرات الاحتجاز في شينجيانج وتزايد قهر المنشقَّين في أعقاب الجائحة.

لكن في حين أن الصين قد لاتكون محبوبة كثيرا في الخارج إلا أنها نسبيا تبدو واثقة من نفسها ومستقرة مقارنة بالولايات المتحدة. وهذه صورة سيكون هنالك حرص على تلميعها باحتفالات العيد المئوي لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني هذا العام.

التباين بين الأوضاع الحالية للصين وأمريكا تذكر المرء بعبارة أسامة بن لادن الشهيرة والمثيرة للانقباض: «عندما يرى الناس حصانا قويا وآخر ضعيفا سيحبُّون، بالطبع، الحصان القوي » يرى العديدون من الساسة الليبراليين المرعوبين من صعود قوة عظمى استبدادية أن الحصان الصيني في الواقع أضعف كثيرا مما يبدو. قد يتضح أن ذلك صحيح. لكن أيضا ثمة شيء من «التفكير الرغائبي» في هذه النظرة. فالتقييم الموضوعي لشؤون العالم الراهنة لا مناص له من الاستنتاج بأن الولايات المتحدة غارقة في مشكلة كبيرة الآن والصين في وضع جيد يتيح لها الاستفادة من ذلك.

ليس في الصين فقط تتعرض للاعتداء مبادئ الحرية السياسية التي دافع عنها بطريقة مؤثرة جون كنيدي. فاعتقال الزعيم الروسي المعارض أليكسي نافالني لدى عودته إلى موسكو هذا الشهر، يصوِّر إحساس الحصانة الذي يشعر به الرئيس بوتين في روسيا.

كان دونالد ترامب غير راغب على نحو لافت في انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في روسيا وسواها. بايدن لن يكون متحفظا بهذا القدر. لكن من المستبعد أن يحمل صوتُه قوةَ وإيمانَ النداء الجهير الذي أطلقه جون كنيدي قبل 60 عاما.