am14
am14
أعمدة

نوافذ :المعروف

22 يناير 2021
22 يناير 2021

أحمد بن سالم الفلاحي -

"إعمل خيرا؛ وألقه في البحر" كما جاء في المثل، ويذهب المعنى هنا إلى الحث على صناعة المعروف، وعدم الانتظار لرد هذا المعروف، أو الجميل فـ "لن يضيع جميل أينما زرع"ومن هنا يتفاوت الناس في بذل المعروف، من عدمه، ومن هنا يتفاوت الناس في الاستمرار في إهداء المعروف إلى الآخر، من عدمه، ومن هنا يتعاظم هذا المعروف أو يتناقص، وقد روي؛ والله أعلم؛ عن أمنا عائشة – رضي الله عنها – أنها كانت تعطر الدينار قبل أن تقدمه لمن يستحق، وهذا يعكس مدى أهمية هذه المعروف المقدم للآخر، وتتوارد أقوال ومواقف كثيرة يصنع فيها المعروف، فترد على صاحبها بالخير العميم، فكيف هو الحال لمن يقدم المعروف دون أن ينتظر ردا يشكر من خلاله، أو مجازاة تعادل ما بذله، وإنما يقدمه خالصا لوجه الله الكريم (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) - الآية (9) من سورة الإنسان -. ومع هذا الترغيب، والحث، والتحفيز في صناعة المعروف، وفي تقديمه للآخر، إلا أن هنالك من يقابله مما يؤثر على هذه الصورة المخملية، أو هذه الصورة المثالية، ففي المقابل هناك من يتنكر هذا المعروف، ويواجه صاحب المعروف بوجه كالح قانط، أو قد يرد على جميله بكثير من الفضاضة وسوء الخلق، وهذا أمر وارد فالجميع محصلتهم نزعات من البشرية، فيها الحسد، وفيها الحقد، وفيها الغرور، وفيها التعالي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز هذه المظان الضيقة في بني البشر، ومن هنا يجيء الحث على أن ما يقدمه البشر لبعضهم بعضا، يفضل أن يكون نائيا عن حسابات الربح والخسارة، لأن اختزال العمل الخيري، وإسقاطه في هذه الزاوية الضيقة، يشوه من نجاعته، وطهره، فهو عمل رفيع المستوى، ولا تذهب إليه إلا النفوس الصادقة الراضية، الآمنة المستقرة. ما يحز في النفس؛ عندما تأتي ردة الفعل مقابل المعروف، فيها الصفاقة ما فيها، وفيها من نكران الجميل ما فيها، وفيها من الكفر ما فيها، ولذلك فكثيرا ما يتمثل؛ ببيت الشعر المشهور: "ومن يصنع المعروف في غير أهله؛ يلاقي الذي لا قى مجير أم عامر" وقصة هذا البيت معروفة، وتروى على نطاق واسع، وموجودة في كثير من المواقع الألكترونية، وملخصها؛ أن أحدهم حمى ضبعا من أناس كانوا في طلبها ليقتلوها، فأواها وأسكنها بيته، وأطعمها وأسقاها، فإذا بها تغدر به وتأكله، فجاء أخوه إلى المنزل، فعلم بالأمر، وتتبع الضبع، حتى وجدها فقتلها، وأنشد فيها قائلا: ومنْ يصنع المعروفَ في غير أهله ** يلاقي الذي لاقـَى مجيرُ امِّ عامر أدام لها حين استجارت بقـــــــربهِ ** طعاماً وألبان اللـــقاح الدرائـــــــر ِ وسمـَّـنها حتى إذا مـــــا تكاملــــتْ ** فـَـرَتـْهُ بأنيابٍ لها وأظافــــــــــر فقلْ لذوي المعروفِ هذا جزاء منْ ** بدا يصنعُ المعروفَ في غير شــاكر الإشكالية في أمر المعروف؛ هي حالة الصدمة التي قد يتعرض لها أحد ما، وذلك عندما يُغلّب ظنه على أن الجميع يستحق المعروف؛ بلا استثناء؛ ويذهب في ذلك بعدا أخلاقيا كبيرا، لأن نفسه لا ترى غير ذلك، فيصطدم بواقع أحد ما، من حيث نكران الجميل، في صور كثيرة: إما رد لفظي قاس، أو موقف "يقلب عليه الطاولة" أو ممارسة فيها من سوء الظن والخيانة، حيث تؤدي هذه الممارسات على الطرف الآخر، بأنه يصدر حكما سيئا عاما على الجميع، فيحجم عن عمل الخير، ويرى الجميع كحال من يضع البيض في سلة واحدة، دون استثناء، فيحرم فئة مستحقة، دون أن تتضرر الفئة التي ينتمي إليها مثل هؤلاء الناكرين للجميل، ومع ذلك ستبقى صنائع المعروف، فالحياة لا تزال بخير.