أفكار وآراء

في دلالات خطاب الوداع الترامبي

20 يناير 2021
20 يناير 2021

محمد جميل أحمد -

خطاب الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، الذي تم بثه يوم الثلاثاء الماضي، حيث ظهر فيه مستكيناً ومسلماً بتسليم السلطة في البيت الأبيض لإدارة جديدة، وجاء فيه قوله: (لن نتسامح مع العنف السياسي أبداً) يبدو لكثيرين كما لو أن صاحب هذه الكلمات ليس هو دونالد ترامب الذي حرض الغوغاء في يوم 6 يناير الماضي على اقتحام البيت الأبيض، ويعكس لكثيرين إلى أي مدى يمكن لقوة الدستور وضبط الأمن ويقظة الدولة أن تكون فاعلةً في الولايات المتحدة الأمريكية.

فما بدا من ترامب في هذا الخطاب فسَّره بعض المحللين؛ على أنه كلمات قد يحتج بها ترامب أثناء محاكمته أو مقاضاته، بعد خروجه من السلطة، ليستدل بها على أنه قال أيضاً وهو على رأس السلطة (لن نتسامح مع العنف السياسي أبداً)!

ربما لم يدرك ترامب وهو في غمرة السكرة بالسلطة، أن مغبة ما قام بفعله لن يمر مرور الكرام في الولايات المتحدة، لكن ما غاب عنه بصورة أكبر هو أنه لم يدر بخلده مطلقاً كيف ستكون الحياة في العالم إذا انتصر له أولئك الغوغاء بحسب خياله الغريب - ؟

إن أهمية الولايات المتحدة للعالم المعاصر وسوية الأوضاع فيها على نحو ممتاز ليس أمراً من فضول ذلك العالم، ولا تفصيلاً عابراً يمكن التعامل معه بطريقة ساذجة.

لهذا فإن المشرعين في الولايات المتحدة، وهم بطبيعة الحال يدركون صورة أمريكا في العالم، ويعرفون ما الذي فعله ترامب بتشويهه لتلك الصورة في يوم 6 يناير أمام سمع العالم وبصره، وهذا ما صرح به رئيس الأغلبية الجمهورية في الكونجرس وأقرب المقربين لترامب؛ ميتش ماكونيل. لذلك فإن الأيام والأسابيع القادمة ستكون أياماً عصيبة لدونالد ترامب، ليس فقط لأن ما قام به عبر تحريض الغوغاء خطير، بل لأن ما تتكشف عنه الصور المتلفزة باستمرار وما تكشف عنه تحقيقات المكتب الفيدرالي يوماً وراء يوم سيعزز من المأزق والمصير الذي سيواجه ترامب.

إن ذاكرة الصورة ذاكرة لا تمحى، وما صورته كاميرات التلفزة في يوم 6 يناير سيجدد باستمرار من مشاعر الحنق ضد ترامب، ولقد ظهر ذلك في جملة الأخبار التي تتحدث عن المتاعب التي ستعاني منها عائلة ترامب، ومجموعته التجارية.

تفاصيل ما جرى يوم 6 يناير لا تزال قيد التحقيق، وما كشفت عنه التحقيقات الأولية لا يبشر بخير، لاسيما إذا أكدت الأدلة والتحقيقات النهائية على نية واضحة وتدبير موصول بترامب عبر شواهد ثابتة في ذلك الحدث.

وحتى كتابة هذه السطور، فمن غير المعلوم ماذا سيحدث في حفل التنصيب الذي سيتم بموجبه تسليم السلطة للرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، لكن من طبيعة الحشد الهائل لقوات عسكرية أمريكية بلغ عددها 25 ألفاً فإن ذلك بذاته مؤشراً لتبديل مثير في تقاليد تسلم السلطة التي مضى عليها أكثر من قرنين من الزمان.

واللافت للنظر في خطاب ترامب يوم الثلاثاء؛ أنه لم يصرح باسم الرئيس الديمقراطي الجديد، جو بايدن، ولم يذكر أنه سيسلم السلطة له، وكان هذا مبعث قلق كثير من المراقبين، ثم أن ترامب قال عبارة غامضة تشي بكثير من التأويلات التي قد تكون خطيرة وهي: (أريدكم أن تعلموا أن الحركة التي بدأناها لا تزال في بدايتها)

فغموض العبارة في الضمير « تعلموا» وهل هي للشعب الأمريكي، أم هي رسالة مشفرة لأتباعه تدعوهم إلى مواصلة الاحتجاج، أم أنها تحفيز للغوغاء بأنه لايزال معهم في بداية الطريق، فيما هو في الحقيقة في الساعات الأخيرة من فترته الانتقالية.

عبارة الخطاب وما قد تحويه من معان مضمرة، لاشك ستتوقف عندها عمليات تحليل الخطاب وفي ضوء ما ظل يردده ترامب، من عدم اعترافه بنتائج الانتخابات، ربما تكون هذه العبارة موضع نقاش طويل في محاكمته المقبلة.

ربما لم يدرك ترامب أن ما أقدم عليه سيكون مكلفاً جداً بالنسبة لتاريخه السياسي والشخصي كرئيس للولايات المتحدة. وإذا كان ما قاله في هذا الخطاب هو محتوى خطابه في يوم 6 يناير لاختلف الأمر كثيرا!.

لن ينجو ترامب من عواقب يوم 6 يناير الماضي، وسيكون ذلك اليوم؛ خلاصة أخيرة لذاكرة الأمريكيين عن ولايته التي لم تكن كأي ولاية رئاسية من قبل!