أفكار وآراء

جو بايدن وملفات ساخنة في البيت الأبيض

19 يناير 2021
19 يناير 2021

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

تطوى اليوم مرحلة مهمة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حيث يدخل جو بايدن إلى البيت الأبيض يقود الولايات المتحدة لمدة أربع سنوات وأمامه جملة من المشكلات والملفات الساخنة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولعل الأحداث الدراماتيكية التي شهدها الكونجرس يوم السادس من يناير الحالي وتحول واشنطن العاصمة إلى ثكنة عسكرية في يوم تنصيب الرئيس الجديد ظهر اليوم بتوقيت العاصمة الأمريكية يعطي دلالة على تعقيد المشهد الأمريكي الذي بدأت أحداثه بعد الثالث من نوفمبر الماضي أي بعد الانتخابات الأمريكية التي خسرها ترامب والأحداث المثيرة التي صاحبتها لأول مرة في تاريخ أمريكا.

اليوم وبعد تنصيب بايدن الرجل الجديد في البيت الأبيض تشهد الساحة السياسية الأمريكية انتهاء مرحلة اعتبرت من المراحل المعقدة والصعبة لرجل دخل البيت الأبيض من خارج المؤسسة السياسية والحماية.

ومن هنا فإن الجميع في حالة من الترقب لانتهاء مشهد تنصيب بايدن وأن يمر بسلام وبعد ذلك تنطلق الإدارة الجديدة في تطبيق رؤيتها في مجال السياسات الداخلية والخارجية خاصة أن بايدن يواجه أهم ملف داخلي وهو تفشي جائحة كورونا التي تعدى عدد الإصابات فيها 24 مليون إصابة ووفيات تعدت 400 ألف نسمة، كما يواجه الرئيس بايدن ملفات اقتصادية وملف الهجرة، أمأ على صعيد الملفات الخارجية فهناك العلاقات مع الصين وروسيا والحوار مع إيران والوضع المتوتر في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من الملفات الاستراتيجية والمناخية والعودة إلى الاتفاقيات التي انسحب منها سلفه ترامب.

ملفات على مكتب بايدن

لا بد من التنويه أولا أن جو بايدن ليس بغريب على أجواء البيت الأبيض فقد شغل منصب نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما لفترتين أي ثماني سنوات ويعلم كل خفايا العمل والتحركات والقرارات التي تتخذ مع فريق العمل ومن هنا فإنه بعد مرحلة التنصيب التي تقام في ظروف صعبة فإن بايدن سوف يوقع مباشرة على عدد من القرارات، لعل في مقدمتها العودة إلى اتفاق باريس للمناخ ورفع الحظر عن الهجرة لعدد من الدول الإسلامية ولمّ شمل الأسر على الحدود مع المكسيك علاوة على الملف الأهم وهو معالجة ملف كورونا ومسألة توزيع اللقاحات على الولايات الأمريكية بشكل اسرع.

ولعل أول 100 يوم في مرحلة بايدن سوف تكون حاسمة على صعيد مكافحة جائحة كورونا وموضوع التحفيز الاقتصادي الذي يقترب من تريليوني دولار كمرحلة أولى تخصص للمواطنين أصحاب الدخل المتدني والمؤسسات الصغيرة ودعم المزارعين وحتى تقديم قروض للشركات لاستعادة الزخم الاقتصادي لأكبر اقتصاد في العالم، كما أن مسألة تمرير فريقه في البيت الأبيض أمام الكونجرس وخاصة مجلس الشيوخ لن يكون مشكلة على اعتبار أن حزبه الديمقراطي أصبح يسيطر على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ وهو الأمر الذي يعطي انسيابية في اتخاذ القرارات في البيت الأبيض.

وعلى صعيد الداخل فإن تجاوز مرحلة ترامب تعد من الأمور الحيوية وهي استعادة الوحدة الأمريكية ونسيان الشحن السياسي والانقسام والعنف الذي تجسد بشكل مثير عند اقتحام أنصار ترامب لأهم مؤسسة تشريعية وهي الكونجرس الأمريكي بما يمثله من أهمية للشعب الأمريكي.

الملفات الخارجية

سوف تشهد السياسة الخارجية في عهد بايدن تحولات واضحة على أكثر من صعيد وهي تحولات أعلن عنها بايدن خلال حملته الانتخابية ولعل في مقدمتها الصراع العربي-الإسرائيلي وخاصة القضية الفلسطينية، حيث أشار بايدن إلى أن حل الدولتين يظل هو الخيار الأفضل لإقامة السلام الشامل والعادل في منطقة الشرق الأوسط من خلال المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ومن هنا فإن وجود فريق الأمني الجديد في مجلس الأمن القومي وفي وزارة الخارجية والاستخبارات المركزية سوف يعكف على تنفيذ هذا الملف المهم الذي يعيد الاستقرار والسلام للمنطقة.

ومن هنا فإن أمام العرب مرحلة جديدة من خلال إحياء المبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت العربية عام 2002، كما أن الكيان الإسرائيلي سوف يكون أمام مرحلة الواقع السياسي الجديد وضروراته، وأيضا هناك شكوك حول بقاء نتانياهو في السلطة وهو يواجه الاتهامات من المحاكم الإسرائيلية وفي إطار الصراع على السلطة في إسرائيل.

الحوار مع إيران

يبدو لي أن الحوار مع طهران سوف يعود مجددًا وهناك تقارير تشير إلى اتصالات قد بدأت منذ فوز بايدن مع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، ومن هنا فإن فريق التفاوض حول الملف الإيراني والذي توج بالاتفاق عام 2015 أصبح متواجدا في لدارة بايدن خاصة وزير الخارجية ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الجديد وليم بيرنز وحتي مستشار الأمن القومي وأيضا كيري وزير الخارجية خلال إدارة أوباما، ومن هنا فإن فريق العمل يعرف تفاصيل التفاوض مع إيران التي عقدت في مسقط على الصعيدين السري والعلني وكان للدبلوماسية العمانية جهودا كبيرة توجت بذلك الاتفاق التاريخي المعقد الذي جنب منطقه الخليج حربا كارثية.

إن عودة سيناريو الحوار الأمريكي-الإيراني هو أمر مؤكد وسوف يفضي في النهاية إلى إعادة الاتفاق النووي الإيراني مع بعض التعديلات المحدودة مع رفع العقوبات عن إيران وقد نشهد حوارًا إيرانيًا خليجيًا لإنهاء أزمات المنطقة وإقامة التعاون الجماعي بين دول المنطقة على ضفتي الخليج.

إذن ملف الحوار مع إيران هو من الملفات الاستراتيجية ولن يكون الحوار سهلا بل سيكون صعبًا ومع ذلك فإن الخيار للطرفين إلى جانب القوى الدولية هو الوصول إلى مقاربة سياسية تبعد التوتر والصراع عن منطقة الخليج الحساسة.

العلاقات مع الصين وروسيا

من الملفات الحيوية أمام إدارة بايدن هي العلاقة مع روسيا في المقام الأول حول عدد من القضايا خاصة مسألة الاختراقات السيبرانية وفي مجال الصواريخ النووية وفي مجال التدخلات الروسية في الانتخابات الأمريكية علاوة على قضايا استراتيجية خارج الحدود خاصة العلاقة مع الحلفاء في أوروبا ومبيعات الصواريخ الدفاعية اس اس 400 إلى تركيا وعدد من الملفات في إطار العلاقة غير الجيدة مع موسكو.

إن معالجة بايدن وفريقه الجديد حول العلاقة مع روسيا سوف يكون مختلفا، كما أن هناك قضايا حقوق الإنسان وغيرها من الإشكالات مع روسيا كموضوع أوكرانيا، أما على الصعيد العلاقات مع الصين فهي تصب من خلال النوع التجاري والذي قد ينتهي باتفاق، ولكن موضوع الصين هو موضوع استراتيجي مهم من خلال الدراسات في مراكز البحوث في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتحدث بأن الصين هي أكبر تهديد للولايات المتحدة في العالم وهذا موضوع عادة لا يكون معلنًا ويدخل في إطار الحرب السرية.

إذن أمام بايدن اليوم وخلال المائة يوم الأولى من رئاسته في البيت الأبيض عمل كبير تطرق إلى بعض جوانبه علاوة على الوضع الداخلي خاصة مسألة التحقيقات حول اقتحام الكونجرس من قبل أنصار ترامب، كما أن هناك تساؤلا جوهريا حول مصير ترامب من تلك المحاكمة البرلمانية وعدد من المحاكمات التي تنتظر ترامب والتي كانت نهايته السياسية دراماتيكية خاصة في أيامه الأخيرة.

إذن تشهد الولايات المتحدة الأمريكية اليوم مرحلة جديدة ورجوع إلى التقاليد السياسية الموضوعية بعيدا عن مرحلة اتسمت بعدم اليقين وسياسة اللامعقول وخلط الأوراق وإدخال المجتمع الأمريكي في مشكلات اجتماعية ظهرت على السطح ونرى بعض مظاهرها في يوم التنصيب حيث تحولت واشنطن إلى ثكنة عسكرية لأول مرة منذ الاستقلال.