am17
am17
أعمدة

نوافذ :الشيخ المقرئ.. ذات مساء

18 يناير 2021
18 يناير 2021

سالم بن حمد الجهوري -

[email protected] -

رحل الشيخ حسن بن محمد بن أحمد الفارسي الذي أوقد فينا عشق المساءات الساهرة على تلفزيون السلطنة، والذي كان يدشن كل مساء افتتاحية بقراءاته القرآنية، عندما عرفنا هذه الوسيلة الإعلامية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، والذي كان يطل علينا فيه الشيخ المقرئ في أول فقراته بعد السلام السلطاني، فقد تعلقنا بصوته الروحاني العذب وقدرته على إسماعنا شيئا من التراتيل التي أجادها في التلاوات العطرة والتي عطرت حياته وعرفته عُمان في وقت تتفتح فيه البلاد على العالم كالزنبق الذي ينثر شذاه.

وفي بداية السبعينيات لازمنا الشيخ المقرئ خريج الأزهر المتخصص في الشريعة، وذو الإمكانيات المذهلة في تطويع صوته خلال سنوات الصبا التي تفتحت فيها عيوننا وعقولنا على أولئك الرواد الأوائل الذين حملوا مشاعل التنوير كل في مساره طوال سنوات النهضة، وبقي صوته الشجي يرن في أسماعنا أينما ولينا وجوهنا في هذا الوطن وأينما تسمرنا ننصت لتلاواته الرائعة التي شكلت علامة فارقة في مسيرة سنوات النهضة، وحينما نسمع من الآخرين.

تعرفت على الشيخ وأنا طالب في المعهد الديني بالوطية في عام 1977م في الصف الأول الثانوي وكان مدرسا لنا للتربية الإسلامية رغم أنه كفيف، لكنه مبصر بقدراته الذهنية الحاضرة بقوة في ثقافته المتنوعة المتوشحة بالعقيدة الدينية وتتلمذنا على يديه حتى افترقت بنا دروب الحياة، وغبنا عن بعضنا لسنوات قاربت الـ 28 عاما لألتقيه صدفة في العذيبة قريبا من بيته ورافقته إلى حي الوزارات، فسألني الشيخ عن اسمي، فقلت له: إني أحد تلامذتك في المعهد الديني فسر سرورا بالغا، فداعبني بأن تلامذته يقابلونه في كل طريق.

وبقي الشيخ المقرئ صداحا مواظبا على وجوده على الشاشة بأعمال متنوعة، حتى انزوى بسبب ما أصيب به من وعكة صحية منذ فترة ليغادر عالمنا أمس، رحمة الله عليك أيها الشيخ المقرئ رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته. وكان للشيخ حسن الفارسي حس أدبي شعري واستطاع مع رفيق دربه الشيخ عبدالمجيد بن يوسف الأنصاري الذي تتلمذ على يديه، وكلاهما من حي الشعيبة بولاية المصنعة أن يشكلا ثنائيا رائعا في القصائد الحماسية التي ألفاها منذ الساعات الأولى لبدايات النهضة المباركة، والتي غنى معظمها الفنان عبدالله الصفراوي صاحب الصوت الصداح المجلجل، كأغاني موطن الأحرار وهاتف البشرى وأنشودة الوطن ويا بلاد العز يا خير بلاد وغيرها من الأغاني التي ألهبت حماس العمانيين وأعادت ثقتهم ببلادهم بعد سنوات الغربة والتغريب.

وكان الشيخ المقرئ ذا شخصية منفتحة مرحة محبة للحياة وله العديد من المؤلفات في الفقه والأصول والتفسير. واستطاع أن يجد لنفسه شخصية صريحة في آرائها، كما كان مؤديا للعديد من الأناشيد والابتهالات والأدعية والتواشيح الدينية بصوته الأخاذ الذي أبهر به متابعيه في عدد من الإذاعات داخل السلطنة وخارجها مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر وإيران.