أعمدة

رؤية 2040 .. التحديات والفرص

11 يناير 2021
11 يناير 2021

سالم بن سيف العبدلي - كاتب ومحلل اقتصادي -

دخلت الخطة الخمسية العاشرة حيز التنفيذ بداية من هذا الشهر، وهي أول خطة ضمن رؤية عمان 2040، والتي تعد ثاني برنامج تخطيطي بعيد الأمد بعد رؤية 2020م، وقد انتهجت السلطنة سياسة تنموية تخطيطية واضحة تعتمد على خطط خمسية تنموية متعاقبة منذ عام 1975م، وتشابهت هذه الخطط من حيث الأسس التي قامت عليها إلا أنها اختلفت في المنهجية من حيث طريقة الإعداد ولكن جميعها اعتمدت على تقديرات عائدات من سلعة واحدة وهي النفط.

هذه الخطط رغم أنها كانت واضحة ومبنية على أسس ثابتة وحقائق وأرقام محددة؛ إلا أن أغلبها للأسف كان يفتقر إلى أدوات التنفيذ المهمة والمتمثلة في وجود وسائل قياس الأداء المعروفة (KPIs) والتقييم المستمر والمتابعة والشفافية والمحاسبة، كما أنها كانت بعيدة كل البعد عن الحوكمة؛ لذا فإن مؤشراتها المخطط لها لم يتحقق منها على أرض الواقع إلا القليل.

من المواقف التي لا زلنا نتذكرها في عام 2016 عندما حضرنا الندوة الرئيسية الأولى لتدشين البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي (تنفيذ) والتي أقيمت في المجلس الأعلى للتخطيط آنذاك، وحضرها عدد كبير من أصحاب المعالي والمسؤولين حيث ألقى رئيس وحدة المتابعة الماليزية كلمة في بداية الندوة تحدث فيها عن تجربتهم في تنفيذ برنامج التنويع الاقتصادي وكيف أنهم نجحوا في تحقيق الأهداف المرسومة وذكر المتحدث ضمن كلمته نقطة مهمة للغاية وهي أن رئيس المؤسسة أو الوحدة المعنية بتحقيق هدف معين ضمن البرنامج يعطى فرصة في تنفيذ المهام الموكلة إليه لمدة سنة واحد فقط، وإذا أخفق في ذلك بدون أسباب خارجة عن إرادته يعفى من منصبه ويحل محله شخص آخر أكثر كفاءة وحرصًا.

بعد انتهاء المحاضرة وفتح المجال للنقاش والأسئلة طرحنا سؤالا نظن أنه مهم للغاية لمتخذي القرار في ذلك الوقت، وكان سؤالا واضحا وصريحا وهو: هل نحن لدينا الاستعداد أن نضحي بالمسؤول الذي يخفق في تأدية عمله دون أسباب حقيقية وواقعية في تنفيذ البرامج التي سوف يخرج بها البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي؟؟ مثل ماليزيا وغيرها من الدول التي نجحت في تحقيق الأهداف المرسومة بدقة متناهية؟.

طبعا السؤال لم يرق لدى البعض وبالتالي تم تجاهل الرد عليه ولم يجد إجابة، بينما امتلأت القاعة بالتصفيق الحار مما يدل على أن هناك رغبة ولا زالت للتغيير والمحاسبة من قبل المجتمع والبرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي (تنفيذ)، والذي جاء كبرنامج اقتصادي وطني كان هدفه التنويع الاقتصادي والتركيز على بعض القطاعات المهمة والواعدة وقد كتبنا عنه الكثير في حينه إلا أنه لم يحقق الأهداف المطلوبة بشكل دقيق.

ونحن نبدأ تنفيذ الخطة الأولى من رؤية عمان 2040، والتي يتخللها برنامج التوازن المالي نقول: إننا قادرون على تحقيق الأهداف المرسومة والمؤشرات المقدرة رغم التحديات الكثيرة لأننا نملك مقومات النجاح، والتي تحتاج فقط من يستثمرها ويستغلها بشكل رشيد وحكيم.

إن استغلال هذه الممكنات كفيلة بنقل السلطنة إلى مصاف الدول المتقدمة تنمويًا واقتصاديًا فنحن نملك الموقع الاستراتيجي الذي طالما تغنينا به إلا أننا لم نتمكن من استغلاله الاستغلال الجيد ونملك البحر بثرواته والأرض بخيرها والطبيعة بسحرها والمعادن ببريقها والتنوع البيولوجي ببكارته، ونملك البنى الأساسية من طرق وموانئ ومناطق اقتصادية حرة ومناطق صناعية وتراث وحضارة عريقة وغيرها الكثير.

وإذا ماذا كان ينقصنا؟ ولماذا لم نستطع تحقيق أهداف ومؤشرات رؤية عمان 2020؟ نقولها وبكل صراحة: إنه كانت تنقصنا العقول المخلصة، التي تعمل من أجل عُمان والإرادة والعزيمة والإخلاص في العمل لدى بعض من أوكلت إليهم المهمة في العديد من القطاعات لذا فإن المرحلة القادمة تتطلب توفر الأدوات التي أشرنا إليها وأهمها المحاسبة والشفافية والنزاهة التي أكد عليها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في خطابه التاريخي بعد أن تولى الحكم في مطلع العام المنصرم.

لقد حظيت رؤية عمان 2040 باهتمام كبير من قبل جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- منذ بداية إعدادها فقد أشرف جلالته على كافة مراحلها، وكان حريصا كل الحرص على إشراك الجميع في صياغة الوثيقة، وتحديد الأهداف والأولويات لتكون «خلاصة جهد وطني وتوافق مجتمعي»؛ لذا فإن نجاحها هو مسؤولية الجميع دون استثناء وبإذن المولى سوف تحقق أهدافها خاصة وأن جميع محاورها تستهدف كل ما أشرنا إليه من أدوات، والتي من ضمنها محور الحوكمة والأداء المؤسسي وسوف يكون لنا قراءة متعمقة حول الرؤية في مقالات قادمة بإذن الله تعالى.