أفكار وآراء

القياس .. على عينات الاختيار

10 يناير 2021
10 يناير 2021

أحمد بن سالم الفلاحي -

أتصور وبمفهوم بسيط، أن العينة هي ممارسة معروفة ومقبولة إلى حد كبير، وفي كل اشتغالاتنا في الحياة نحتفظ بـ «العينة» في كثير من اختياراتنا، سواء في المأكل أو الملبس، أو المسكن، حيث تحل العينة كمقياس حقيقي لشدة الاختيار والانتقاء، وتحديد الشيء المراد، تحديدا دقيقا، وموضوعيا إلى حد كبير، ولذلك؛ في هذه المناقشة؛ لا أبحث في أدوات البحث العلمي؛ وبالتحديد؛ في عينات الدراسة، وهي؛ كما يعرفها الباحثون؛ كثيرة، ومتنوعة، ونوعية، وتأخذ بعدا معرفيا مهما، وإحصائيا دقيقا، وكميا كثيرا، ومعياريا عديدا، وإنما تذهب المناقشة هنا إلى أن كثيرا ما نعتمد العينة كمقياس أخير لإعطاء الحكم المطلق لكثير مما نوده، ونختاره في هذه الحياة، مع أن العينة؛ وإن اقتربت من الصدق والواقع؛ فإنها تظل عينة موسومة بالكثير من الصفات الخاصة، أو تحتاج إلى كثير من التدقيق والتمحيص، وقد لا تكون متواكبة مع ديناميكية الحياة اليومية، وتقلباتها المختلفة، وخاصة عند إخضاع العينة للواقع، ولذلك يستلزم الأمر أن تكون العينة؛ أية عينة؛ لا تخضع كثيرا للصور النمطية، وهي الصور التي تؤرخ ممارستها مفاهيم مغلوطة عن كثير من جوانب الحياة الخاصة للناس، لأن الحياة متجددة، وهذا التجديد يجر معه الكثير من التغيير، وهذا التغيير هو الذي يربك مجموعة الصور النمطية في حياة الناس، وينقلهم من حالة إلى حالة أخرى، ولذلك؛ عند النظر إلى العينة، يجب أن تكون خاضعة لسرعة الزمن وتقلباته، أي أن تكون متجددة، وأية أحكام صدرت لتموضع عينات، لا يجب أن تخضع للأحكام المطلقة، ولا بد حينها من البحث عن عينات تعكس واقعها الحقيقي، وتعكس استحقاقاتها الثلاثة: الزمان، والمكان، ومجموعة الناس الفاعلين فيهما، وإلا ستظل الإنسانية تكرر ذاتها في كل مرة.

ينظر إلى الـ «عينة» - في البحث العلمي؛ على وجه الخصوص - سواء كانت العينة العشوائية، أو العرضية، أو المحددة، أو العمودية، أو عينة «كرة الثلج» أو غيرها من العينات، على أنها تعكس جزءا كبيرا من الحقيقة التي هي محل البحث، ولذلك يعتمد كثيرا على النتائج المتحققة التي تعكسها أية عينة من هذه العينات، وتبنى عليها الأحكام المطلقة، على اعتبار أنها الأقرب إلى الحقيقة، وذلك لاعتقاد جازم بصعوبة شمولية الوصول إلى المجتمع الإنساني ككل، عند البحث عن حقيقة هذه القضية أو تلك، هذا الإجراء المتبع في البحث الميكانيكي البحت، ولكن هل تقترب الصورة من ذاتها عندما يتم البحث في البعد الاجتماعي باستخدام العينة، مع أن المجتمع شديد البحث عن عيناته، ويأتي ذلك بصورة تلقائية، ومباشرة، وبلا تكلف.

تمثل العينة شأنا كبيرا في الفهم الاجتماعي، وإن لم تستحضر بمفهومها العلمي الصرف، وخاصة في شأن الزيجات، فقد يشكل عضو الأسرة في رفع أسرته إلى مصاف التقييمات العالية في تقدير المجتمع، وقد ينزلها منازل الهاوية، وذلك من خلال ما يظهر منه من سلوكيات، وما يبديه من ممارسات، تتيح للآخرين من أبناء المجتمع الحكم على أن أسرة هذا الفرد على قدر كبير من الخلق السامي الرفيع، أو العكس، ومعنى ذلك أن كل فرد في أسرة ما هو «عينة» شديدة الأهمية، والخطورة، والوضوح، خاضعة للتقييمات المستمرة من قبل الآخرين، وهذه التقييمات يعتمد عليها إلى حد كبير في مستقبل الأسرة، سواء في حالات النسب، أو في حالات الثقة التي يمنحها المجتمع؛ غالبا؛ في القيام بالمهام والمسؤوليات، ولذلك تحرص الأسر كثيرا على الشد على أبنائها بأن يظهروا بين أحضان المجتمع على أنهم خير من يمثل الأسرة، مع النظر إلى تطور المجتمعات في العصر الحديث، وتنامي الأسر النووية، وأثر ذلك على تماهي العينات الأسرية في أفرادها، وهذه مسألة تأخذ بعدا اجتماعيا آخر غير معتاد، ولكنها لن تلغي مفهوم العينة بصورة نهائية، فكم عرفت؛ شخصيا؛ أن هناك من اغترب عن وطنه الأصلي، ولكن لما وصل الأمر إلى مسألة إنشاء حياة زوجية خاصة، عاد هؤلاء إلى أوطانهم الأصل، وفضلوا أن تكون زوجاتهم، وأمهات أبنائهم من بني جلدتهم، وهذا يعكس أن العينة الاجتماعية في هذه المسألة بالذات لا تزال تلقى ذلك الاهتمام والترحيب من قبل أبناء المجتمع، خاصة في المجتمعات المحافظة، بما يحفظ لها استمرارية قيمها، وسلوكياتها المتوازنة.

تساءلت؛ مع نفسي، وأنا أهم بكتابة هذا الموضوع، هل للناس مقاييسهم الخاصة في النظر إلى ما حولهم، وإلى أي حد؛ هي حاضرة؛ الجملة التي تتناقلها الألسن: «اسأل المجرب؛ ولا تسأل الطبيب» على اعتبار أن عينة الطبيب عينة عامة، وخاضعة لكل حالة على حدة، بينما عينة الـ «مجرب» عينة خاصة، ومعبرة عن ذاتها في الزمان والمكان، وأقرب إلى الواقعية بحكم التجربة؟ وما هي مكانة التجربة في الحكم على الأشياء في واقعيتها، من عدم واقعيتها؟ وهل مجموعة التمايزات الموجودة بين البشر (الثقافة، النوع الإنساني - ذكر/ أنثى - العمر، تجربة الحياة، مستويات المعيشة - فقير/ غني - محل السكنى قرية/ ريف بالإضافة إلى المعززات الذاتية، من حيث الذكاء، الفطنة، قوة الذاكرة، الحضور الذهني ) وغيرها الكثير؛ دور محوري في الحكم على النتائج المستخلصة لسلوكيات الأفراد من اشتغالاتهم اليومية في الحياة؟ وإذا كان هناك من تأثير ما، فما هو المستوى المقبول للحكم الصادر على مجتمع بأكمله؟

يقول أحدهم: «إذا أردت من فتى مشاورة؛ انظر إليه قبل أن تشاوره، ترى فيه ودادا خالصا» فهذا التقييم هو عينة مباشرة يتم اعتمادها من قبل الشخص قبل أن يقدم على عمل ما، يكون هذا الشخص أو ذاك هو محور هذه العملية، فجس النبض هذا يعتمد عليه كثيرا في تقييم الأفراد، ومدى قدرتهم على القيام بعمل ما، دون آخرين من حولهم، ولعل هذه الصورة تعتمد كثيرا في المؤسسات في مرحلة اختيار الأكفأ للقيام بالمسؤولية المنوطة بمستوى إداري معين، كما يمكن النظر إلى التقييم السنوي الذي يستنطق من خلاله مجموعة النتائج عن كل موظف في المؤسسة، وبالتالي يمكن النظر في اختيار الموظفين الأكفاء، وتوليهم مسؤوليات أكبر، أو تكريمهم، ولو أن في التقييم السنوي الذي تجريه المؤسسات لا يقف عند عينة عشوائية، وإنما يخضع له جميع موظفي المؤسسة، بلا استثناء، ولكنه في نهاية الأمر هو خاضع لمفهوم العينة على مستوى الحكومة؛ على سبيل المثال؛ أو مؤسسات القطاع الخاص، للاختيار من بينهم من يمكنه أن يتولى مسؤوليات تنفيذية كبيرة على مستوى الدولة، وقد يتم اختياره وفق نتائج هذه التقييم في تولي مسؤوليات خارج الدولة، كالتوظيف في منظمات الأمم المتحدة؛ مثلا.

كثيرا ما يضرب بمثل: «سمكة واحدة «تخيس» البحر كاملا» للوقوف عند نقطة معينة للحكم على سلوكيات الناس، وهذا أمر؛ أتصوره، بصورة شخصية؛ يحتاج إلى كثير من المراجعة، لأن السمكة التي قدر لها أن تموت في لحظة زمنية ما، ليس شرطا أن تكون هي من يلوث البحر كاملا، أو أن يؤثر موتها ورائحتها العفنة على كل الأسماك فلا تقبل، ونفس الحال ينطبق على مثل «تعفن تفاحة واحدة تفسد كل صندوق التفاح» والمقاربة هنا تذهب إلى أحضان المجتمع الإنساني، عندما يعمم الحكم من قبل المقيمين لأمر ما على المجتمع ككل، وينظر إليه بشيء من الدونية المبتذلة، مع أن المجتمع؛ بحكم شموليته، واتساع رقعة التموجات البشرية التي يضمها، لا بد أن يكون فيه الصالح، كما هو فيه الطالح، فالحياة؛ وفق قانونها الإنساني؛ لا بد أن تبقى على توازناتها المختلفة، لكي تسير عجلة الحياة وفق ما قدر لها خالقها، ومعنى هذا أن الحكم على عينة ضمن مجموعة، وإعطائها الحكم المطلق، يكون فيه؛ غالبا؛ حكم ظالم، وبالتالي فهذا يستلزم؛ ضرورة مراجعة الأحكام الصادرة في العينات العشوائية التي يحتضنها المجتمع في كل فترة، فالحالة المتقبلة للبشر، تنقلهم من حالة اليسر، إلى حالة العسر، والعكس صحيح، وبالتالي لا يمكن إعطاء الحكم المطلق على هذا الإنسان في مواقف الحياة الكثيرة، بمجرد تقييم عينة عشوائية ما، ومعنى ذلك أنه كلما أفسح مجال للوقت أكثر، كلما كانت النظرة لصدق العينات؛ أكثر واقعية، وصادقة، وعملية.