العرب والعالم

تحليـل :لماذا استأنفت إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%؟

06 يناير 2021
06 يناير 2021

طهران - (أ ف ب): استأنفت إيران الإثنين تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، في أبرز خطوة ضمن تراجعها عن التزامات واردة في الاتفاق حول برنامجها النووي، تأتي في إطار تجاذب بين طهران وواشنطن، وترتبط أيضا بعوامل سياسية داخلية.

كيف تم بلوغ هذه المرحلة؟

أبرمت إيران في عام 2015 اتفاقا بشأن برنامجها النووي مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين)، إضافة الى ألمانيا.

أتى الاتفاق الذي تم التوصل إليه في فيينا، ويعرف رسميا بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة»، بعد أعوام من المفاوضات الشاقة.

ونالت الجمهورية الإسلامية بموجبه، تقليصا مهما للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، في مقابل خفض أنشطتها النووية بشكل يضمن أنها لا تعمل على تطوير سلاح نووي، وهو الأمر الذي لطالما نفت طهران السعي إليه.

في مايو 2018، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده أحاديا من الاتفاق، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران، ما انعكس سلبا على الاقتصاد الإيراني.

بعد عام من الانسحاب، بدأت إيران التراجع بشكل تدريجي عن العديد من التزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق، في خطوة أملت من خلالها بدفع الأطراف الآخرين في الاتفاق لاحترام التزاماتهم وتخفيف عبء العقوبات الأمريكية عليها.

ومن الإجراءات التي قامت بها في حينه، زيادة تخصيب اليورانيوم الى مستوى أعلى من المحدد في الاتفاق (3,67%)، لكن من دون أن تتخطى عتبة 4,5%.

لماذا اتخذ القرار الآن؟

لم يصدر قرار زيادة مستوى التخصيب الى 20% (والاقتراب من مستوى 90% المطلوب للاستخدام العسكري)، عن حكومة الرئيس المعتدل حسن روحاني الذي أبرم الاتفاق النووي في عهده.

لكن القرار جاء من مجلس الشورى (البرلمان) الذي يهيمن عليه المحافظون منذ انتخابات فبراير.

وأقر المجلس قانون زيادة التخصيب بعد أيام فقط من اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده قرب طهران في 27 نوفمبر، في عملية اتهمت إيران إسرائيل بالمسؤولية عنها.

وأبدت الحكومة معارضتها للقانون، ورأت أنه قد يؤثر سلبا على الجهود الدبلوماسية لرفع العقوبات. لكنها أكدت التزامها به لا سيما بعدما صادق عليه مجلس صيانة الدستور.

وينص القانون على تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% (مستوى اعتمدته إيران قبل الاتفاق)، وتخزين 120 كلغ منه سنويا.

ويقول فرنسوا نيكولو، السفير الفرنسي السابق في طهران، لوكالة فرانس برس «حكومة روحاني تماطل بوضوح في وضع القانون موضع التنفيذ... لكنها لم تكن قادرة على تجاهله تماما».

ويضيف «لذلك اختارت استئناف التخصيب عند 20%... لكن دون تسرع مبالغ به، وتحت الرقابة المشددة لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

من جهته، يرى كليمان تيرم، المتخصص في الشأن الإيراني في مركز الدراسات الدولية لمعهد العلوم السياسية في باريس، أن الإجراء «وسيلة لإظهار، بحسب الأطراف الأكثر تصلّبا (في السياسة المحلية)، أن الاغتيالات... لن تبطئ البرنامج النووي الإيراني، بل على العكس ستسرّعه».

أي تبعات دبلوماسية؟

يأتي استئناف التخصيب عند 20%، قبل نحو أسبوعين من تولي الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن مهامه رسميا.

وألمح بايدن الذي كان نائبا للرئيس السابق باراك أوباما لدى إبرام الاتفاق، الى نيته إعادة بلاده إليه بحال التزمت طهران بكامل التزاماتها. لكن الرئيس المقبل أبدى أيضا، كما باريس وبرلين، رغبة في تفاوض أوسع مع طهران، يطال على وجه الخصوص برنامجها الصاروخي ونفوذها الإقليمي.

وأبدى روحاني إشارات انفتاح على بايدن، واعتبر انتخابه «فرصة» لواشنطن للعودة عن أخطاء عهد ترامب حيالها. لكن الأولوية بالنسبة للحكومة تبقى الرفع غير المشروط للعقوبات.

كما كررت الجمهورية الإسلامية مرارا أن برنامجها الصاروخي غير قابل للتفاوض، وهو من أهم ركائز سياستها الدفاعية.

ويرى تيرم أن طهران تسعى الى تعزيز أوراقها «في مواجهة رغبة إدارة بايدن المقبلة، وأيضا باريس وبرلين، بتفاوض يتجاوز حدود المسائل النووية».

ويضيف إنه في أعقاب زيادة التخصيب «تأمل الجمهورية الإسلامية في أن الهوس النووي الغربي سيشجع على العودة الى استراتيجية تفاوض تقوم على تبادل بين رفع العقوبات، وقيود على الطموحات النووية الإيرانية، وتنحو بأي ملفات أخرى جانبا».

هل يفضّل روحاني الدبلوماسية؟

يجيب نيكولو على السؤال بالقول «نعم، بالتأكيد»، معتبرا أن أي «انتصار دبلوماسي» يحققه روحاني سيعيد «البريق» لعهده الذي ينتهي بعد أشهر.

ويعتبر أنه في حال رفع العقوبات «سيستعيد تياره السياسي، الوسطي والمعتدل، بعضا من رونقه... لكن يجب أن يحصل ذلك سريعا» لا سيما وأن إيران تقترب من موعد انتخاباتها الرئاسية (18 يونيو).

ويرى تيرم أن استراتيجية روحاني الدولية ترتكز «على خفض التصعيد والرغبة بوضع أسس الحوار والانفراج».

الاقتراب من صنع قنبلة؟

تتهم إسرائيل، طهران بالسعي لتطوير سلاح نووي، ورأت في زيادة التخصيب، خطوة أقرب لذلك.

وفي حين أن طهران نفت مرارا وجود أي شق عسكري لبرنامجها النووي، يؤكد نيكولو أن زيادة مستوى التخصيب لا يجعل إيران أقرب لصنع قنبلة.

ويوضح «يجب انتاج نحو 250 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، ولاحقا زيادة تخصيبه الى 90%، لامتلاك ما يتيح صنع قنبلة أولى».

ويرى السفير السابق أن الخطوة الأخيرة تبقى «رمزية، على رغم أن رمزيتها قوية»، مرجحا أن «يتوقف التخصيب بـ20% بمجرد التوصل لاتفاق مع واشنطن».

أما تيرم، فيعتبر أن إيران «ما زالت ضمن استراتيجيتها المدروسة من (فرض) ضغوط على الغرب للبقاء في إطار التفاوض (بشأن الملف) النووي حصرا».