أفكار وآراء

رؤية استراتيجية وخطة خمسية وميزانية لمرحلة جديدة!!

04 يناير 2021
04 يناير 2021

د. عبدالحميد موافي -

ليس من المبالغة في شيء القول بأن هذا العام 2021 سيظل من الأعوام شديدة الأهمية على المستويين العماني والخليجي، فاليوم يلتقي قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في إطار القمة الحادية والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون، والتي تعقد في مدينة «العلا» السعودية برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتعقد هذه القمة في ظل رحيل كل من السلطان قابوس بن سعيد والشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح -طيب الله ثراهما- خلال العام الماضي.

وتكتسب القمة الحادية والأربعون للمجلس الأعلى لمجلس التعاون أهميتها، ليس فقط من مجمل الظروف والتطورات الجارية خليجيًا وعربيًا وإقليميًا ودوليًا، والحاجة المتزايدة للمّ الشمل وتمتين الموقف المشترك لدول مجلس التعاون، ولكن أيضا من أنها القمة التي ستشهد السير نحو المصالحة الخليجية، وبدء تجاوز المقاطعة التي تطبقها الدول الأربع،السعودية والإمارات ومصر والبحرين، حيال دولة قطر، والسارية منذ السادس من يونيو عام 2017، وذلك في ظل الجهود المكثفة والدؤوبة التي بذلتها الشقيقة الكويت ودعمتها السلطنة على مدى الفترة الأخيرة، وبالتالي فتح صفحة جديدة تحدد القمة أبعادها وملامحها وآلياتها وبما يحقق المصالح المشتركة والمتبادلة لكل دول وشعوب مجلس التعاون، وتأكيد الالتزام بالأسس والمبادئ التي قامت وتقوم عليها العلاقات بين دول المجلس والدول العربية، وهي المبادئ التي نص عليها النظام الأساسي لمجلس التعاون وميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون والتعامل الدولي من ناحية، وهو ما ينعكس إيجابيا بالضرورة على الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية، ويسهم في تحقيق ما تتطلع إليه شعوب دول المجلس أملا في حياة ومستقبل أفضل من ناحية ثانية.

أما على المستوى العماني، فإن هذا العام سيظل من الأعوام الحيوية، المهمة والفارقة أيضا، بالنسبة للنهضة العمانية الحديثة، باعتبار أنه العام الذي يشهد انطلاق وبدء تنفيذ الرؤية الاستراتيجية (عمان 2040) من ناحية، وبدء تنفيذ خطة التنمية الخمسية العاشرة (2021-2025) من ناحية ثانية، وذلك بالتزامن مع العمل بالميزانية العامة للدولة لعام 2021، والتي سعت إلى وضع برنامج التوازن المالي وخطوات الإصلاح الإداري والمالي موضع التنفيذ العملي.

وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي: أولا: إنه بالرغم من أن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - قد تولى مقاليد الحكم في الحادي عشر من يناير الماضي، خلفًا لجلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- إلا أن عام 2020 كان بمثابة عام انتقالي، حيث تم الانتقال السلس والحضاري للسلطة، واستيعاب حقيقة رحيل القيادة التاريخية للسلطان قابوس بكل ما ترتب على ذلك من نتائج، ودراسة مختلف الملفات ووضع أسس وتصورات وإعداد برامج، واستكمال إعداد الرؤية الاستراتيجية (عمان 2040) والإعداد العملي للانطلاق بمسيرة النهضة العمانية الحديثة في مرحلتها الثانية، كنهضة متجددة، وعلى نحو يبني على أفضل ما تحقق، ويسعى إلى تحقيق أفضل ما يمكن تحقيقه لصالح الوطن والمواطن، مع الأخذ في الاعتبار كل معطيات الواقع بملامحه الاقتصادية والاجتماعية ومتطلبات النهوض الآمن به اجتماعيًا واقتصاديًا في الحاضر والمستقبل، مع إعطاء اهتمام خاص لاستيعاب الشباب في دولاب العمل الوطني وإتاحة أكبر مساحة ممكنة للكوادر العمانية المؤهلة والمدربة للقيام بدورها في كل مؤسسات الدولة، ليس فقط على مستوى الحكومة والمؤسسات التنفيذية، ولكن أيضا على مستوى مجلس عمان بجناحيه، مجلس الدولة ومجلس الشورى، حيث أكد جلالة السلطان المعظم على أهمية وضرورة المشاركة والتفاعل العميق والواسع بين مجلس الوزراء ومجلس عمان، وبين الحكومة والمواطنين، وعلى «مسؤولية الجميع دون استثناء» وفي كل المواقع وعلى كافة المستويات في تنفيذ برامج التنمية الوطنية، التي تحتاج إلى جهود كل العمانيين رجالًا ونساء، شيبة وشبابًا.

وفي ضوء ذلك فإنه يمكن القول بأن هذا العام 2021 هو البداية العملية للعهد المجيد والمديد لجلالة السلطان هيثم بن طارق، وبداية المرحلة الثانية للنهضة العمانية الحديثة، ومن ثم انطلاق مسيرة التنمية العمانية بقيادة السلطان هيثم نحو غاياتها، ووفق أولوياتها وأسسها التي عبّر عنها جلالته بوضوح وتحديد دقيق في خطابات جلالته التي ألقاها خلال يناير وفبراير ونوفمبر من العام الماضي، وخلال اجتماعات مجلس الوزراء، وما جسدته الإجراءات العملية، الإدارية والتنظيمية والسياسية والاجتماعية التي اتخذها جلالته خلال الأشهر الماضية.

وفي استمرارية وتماسك وتفاعل أيضا بين أمس واليوم والغد وبما يجسد الخبرة التاريخية العمانية في هذا المجال.

وتجدر الإشارة إلى أن التوجيهات السامية لكل من البنك المركزي العماني ووزارة المالية ووزارة الإسكان لاتخاذ إجراءات للتخفيف عن كاهل المواطنين خلال هذا العام، وذلك عبر إجراءات عملية بالنسبة للإعفاء من بعض فوائد القروض وتوفير مزيد من قطع الأراضي السكنية للمواطنين، وما رافقها أيضا من إجراءات للحماية الاجتماعية للفئات الأقل دخلا فيما يتصل بترشيد دعم الكهرباء والمياه، وكذلك الإعفاءات لمؤسسات القطاع الخاص من الغرامات الخاصة بتشغيل وتجديد إقامات القوى العاملة الوافدة في حالة خروجها من البلاد نهائيا، هي في مجملها إجراءات عملية تفيد المواطنين وتسهم في زيادة الدخل الحقيقي لهم، وتعبر على نحو واضح عن اهتمام جلالته بتخفيف الأعباء قدر الإمكان عن كاهل المواطنين، وبما يتماشى مع الظروف الراهنة، ولعله من المهم والضروري شرح وإيضاح تلك الإجراءات للمواطنين بشكل أكبر وعلى أوسع نطاق ممكن، خاصة أن شرائح عديدة ستستفيد منها خلال الأشهر القادمة.

ثانيا: إن التزامن بين بدء تطبيق الرؤية الاستراتيجية (عمان 2040) وخطة التنمية الخمسية العاشرة (2021-2025) والميزانية العامة للدولة لهذا العام، تشير في جانب منها إلى الجهد الكبير، وإلى التقاطع والتفاعل الواسع أيضا، وعلى مستويات عديدة بين مختلف مؤسسات الدولة، ليس فقط لأن مختلف المؤسسات المعنية ساهمت -كل حسب مسؤوليته واختصاصه- في وضع وإقرار خطة التنمية الخمسية والميزانية العامة للدولة، وكذلك رؤية (عمان 2040)، وذلك حسبما يحدد النظام الأساسي للدولة، ولكن أيضًا لأن هذا التزامن يعبّر عن الزخم الكبير لمسيرة النهضة العمانية الحديثة ودخولها بقوة وعزم وتخطيط رفيع إلى المرحلة الثانية لها بقيادة جلالة السلطان المعظم، وهو زخم سيعطي بالتأكيد ثماره الطيبة والملموسة خلال الفترة القادمة.

ولعل ما يؤكد ذلك بوضوح شديد أن القاسم المشترك الأكبر في الرؤية الاستراتيجية (عمان 2040) وخطة التنمية الخمسية العاشرة والميزانية العامة للدولة، هو أنها جميعها تسعى إلى ترشيد الإنفاق العام، وليس الانكماش الاقتصادي، كما أنها تهتم بالمتابعة للأداء واعتماد الحوكمة والمحاسبة وتقييم النتائج بشكل دائم ومتواصل لتصحيح ما قد يحدث من أخطاء أو تقصير، والتعامل الحاسم مع أي تجاوزات، مع دفع أفضل الكوادر الوطنية المؤهلة لتولي المسؤولية العملية في مختلف القطاعات، والحفاظ على أوسع مساحة من التنسيق والتعاون والتفاعل الإيجابي بين مختلف مؤسسات الدولة، ووفق الأولويات المحددة والصادرة بالفعل والتي تحكم العمل والأداء المالي والاقتصادي والتنظيمي والإداري والمحلي، وبما يعود بالخير على المواطن وعلى الاقتصاد والمجتمع العماني ككل في النهاية.

وفي هذا المجال فإن مما له دلالة عميقة أن المرسوم السلطاني رقم (1/ 2021) باعتماد خطة التنمية الخمسية العاشرة، الصادر يوم الأول من يناير الجاري قد تضمن ثماني مواد بالغة الأهمية والدلالة والوضوح، خاصة فيما يتصل بتحديد أهداف الخطة (الملحق رقم 1)، وتحديد الإطار المالي بناء على خطة التوازن المالي (الملحق رقم 2)، واعتماد التوجيهات الاستراتيجية للخطة (الملحق رقم 3)، والموجهات العامة لمشروعات الخطة التي يتم على أساسها اعتماد مشروعات الخطة (ملحق رقم 4)، مع إلزام «جميع وحدات الجهاز الإداري للدولة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة تنفيذ خطة التنمية الخمسية العاشرة دون إخلال بأحكام القوانين والنظم المعمول بها»، كما كلف المرسوم وزارة الاقتصاد بنشر تفاصيل الخطة، و«إصدار مجلد البرامج الاستراتيجية للخطة خلال الربع الأول من عام 2021» وتحديد مشروعات العام الأول من الخطة بالتنسيق بين وزارة الاقتصاد والجهات المعنية، وكذلك قيام وزارة الاقتصاد «بإجراء تقييم دوري للخطة على ضوء المتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية». ومن شأن ذلك إلا يترك شيئًا للصدفة، بل إنه يضمن درجة عالية من المتابعة والتقييم والتصحيح، ومن ثم ضمانات النجاح، والمؤكد أن ذلك يتطلب درجة عالية من التعاون والتنسيق بين وزارة الاقتصاد ومختلف مؤسسات الدولة لتحقيق أكبر درجة من الشفافية والقدرة على ضبط العمل والإجراءات لتسير دوما في القنوات والأطر المحددة لها وبما يحقق المصلحة العامة ومصلحة المواطن كذلك.

ثالثا: إنه في الوقت الذي تزداد فيه أهمية وضرورة التقييم الموضوعي للرؤية العمانية (عمان 2020) التي انتهت مع نهاية عام 2020 والتي تواصل الرؤية الاستراتيجية (عمان 2040) العمل والبناء علي نتائجها اعتبارا من أول يناير الجاري، وهو ما يفيد بالضرورة الاقتصاد العماني، والمشروعات الجاري استكمالها، فإن من الأمور الطيبة أن وزارة الاقتصاد أصدرت بيانا في الأول من يناير الجاري بشأن انطلاق خطة التنمية العاشرة ومنطلقاتها، باعتبارها الخطة التنفيذية الأولى للرؤية المستقبلية (عمان 2040) «التي ترتكز على 4 محاور رئيسة تتفرع منها 14 أولوية وطنية و88 هدفًا استراتيجيا و68 مؤشرًا لقياس الأداء» كما أنه «منذ شهر ديسمبر 2019 وحتى تاريخه -نهاية عام 2020- تم عقد 195 حلقة عمل واجتماعا فنيا شارك فيها 1900 مشارك تضمنت مراجعة الوضع الراهن والتحديات القائمة.

واستنادًا إلى التوجهات الاستراتيجية لرؤية (عمان 2040) فقد حددت الخطة الخمسية العاشرة الأهداف الوطنية ذات الأولوية التي ستشكل ملامح التنمية خلال السنوات الخمس القادمة ووضعت الأهداف الاستراتيجية والبرامج العملية لتحقيقها والأدوات التي يمكن من خلالها متابعة وتقييم ما يتم تحقيقه من نتائج على صعيد المشروعات المختلفة».

وبينما أوضحت وزارة الاقتصاد في بيانها الكثير من الجوانب وألقت الضوء على الأهداف والأولويات والبرامج والسبل التي يتم اتباعها لتحقيق الأهداف والتعامل مع التحديات التي تفرض نفسها، فإن الميزانية العامة للدولة للعام الحالي تشير بوضوح إلى الدرجة العالية من الانضباط والالتزام بترشيد الإنفاق في إطار الأولويات الوطنية، مع العمل من أجل تخفيض حجم العجز في الميزانية والحد التدريجي من نسبة حجم الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي وتوفير أفضل مظلة ممكنة للحماية الاجتماعية للحد من آثار تخفيض دعم استهلاك المياه والكهرباء وبما يحقق مصلحة الوطن والمواطن أيضا، وبذلك تنطلق المسيرة نحو غاياتها بقوة وإرادة وأمل كبير في حياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقا بقيادة جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه.