أفكار وآراء

مخاطر «فنتك»

30 ديسمبر 2020
30 ديسمبر 2020

د. عبد القادر ورسمه -

بسبب الطفرة التقنية الحديثة تحولت الأعمال والخدمات لاستخدام التكنولوجيا والاستغناء عن الأيادي اليدوية العاملة. ولهذا التطور، بالطبع، إيجابيات عديدة محسوسة ملموسة، ولكنه لا يخلو من المصاعب التي قد تصل لدرجة المخاطر الخطيرة في بعض الأوقات.

واستجابة للتطورات التقنية وتماشيا معها، قامت البنوك المركزية بالإضافة للسلطات الرقابية الأخرى، في بعض دول العالم، بتقديم المساعدة في ترخيص بعض خدمات التكنولوجيا المالية «فنتك». وهذا الترخيص يمنح هذه الخدمات التكنولوجية المتميزة والتي تتم عبر البنوك، إمكانية النفاذ إلى النظام المالي المصرفي في كل دولة. وتعتبر هذه الخطوة جزءاً من استراتيجية كبرى تتبناها الدول غالبا لدعم الشركات الصغيرة والأعمال المتوسطة لتخفيض تكاليفها التشغيلية وتوسيع أنشطتها وانتشارها سريعا في كل الأصقاع. وفي هذا الخصوص، هناك دول تسمح بالترخيص للشركات العاملة في خدمات التكنولوجيا المالية بمفردها ودون ارتباط مع البنوك. ولقد عبر العديد من مسؤولي البنوك المركزية عن خوفهم من افتقار هذه الشركات لأنظمة مضادة للمخاطر المحتملة وحماية المستهلك، كما هو الحال في البنوك.

ومن الملاحظ، إن شركات التكنولوجيا المالية «فنتك» تبحث جاهدة عن الأدوات التي تمكنها من النفاذ إلى أنظمة الدفع المصرفية، ولكنها في الوقت ذاته لا تريد الانصياع للأنظمة واللوائح المرتبطة بالحصول على تلك الميزة. وهناك احتمال كبير أن تتسبب هذه الشركات، والتي تفتقر في بعض الحالات إلى الخبرة الضرورية، في حدوث أزمات مالية غير معروفة العواقب.

وقامت بعض شركات التكنولوجيا المالية، مثل «باي بال»، بعرض الخدمات المالية التي يوفرونها إلى ملايين من الزبائن وتمكنوا من إقناعهم بالخدمات المتطورة ذات الأسعار الأفضل مقارنة بالبنوك التقليدية. التي تقول، إن الشركات التكنولوجيا المالية يمكن أن توفر المزيد من الأدوات للنفاذ إلى الخدمات المالية بفضل الأسعار المناسبة التي يوفرونها مقابل الخدمة، الأمر الذي سهل عليهم الوصول إلى الأماكن التي لا تتوافر فيها الخدمات المالية الأساسية بشكل كثيف. وهنا، مخاطر واضحة.

في العديد من الدول، تحاول البنوك التقليدية إيجاد طرق تحافظ بها على مكانتها في الأسواق المالية، وتطالب صراحة بعدم إعطاء شركات التكنولوجيا المالية «فنتك» صلاحية النفاذ إلى النشاط المصرفي ما لم تمتثل إلى ذات القوانين والأنظمة التي تخضع لها البنوك. ومن دون شك، من الأفضل ألا يتم السماح لأي كان بالدخول إلى النشاط المصرفي بدون أن يكون خاضعا للقوانين السائدة التي تنظم تلك الأنشطة، لأن ذلك يهدد بمشاكل خطرة يمكن أن تحدث في أي وقت.

وحاليا، توجد بعض القوانين المحلية في الولايات المتحدة لتنظيم عمل شركات الخدمات المالية. وهذه القوانين، تركز بشكل كبير على حماية المشتركين، وتتضمن شروطا خاصة منها تحديد سقف لأسعار الفائدة في القروض الصغيرة التي تقدمها، حماية الخصوصية ومنع كل الأنشطة المتعلقة بالاحتيال والجرائم السيبرانية. في حين أن بعض الولايات تفرض على هذه الشركات المزيد من القيود التي تتضمن الخضوع للوائح مكافحة غسل الأموال، بالإضافة إلى تزويدها بخطط العمل الاستراتيجية بما يحقق مصلحة المستهلك.

كما بينا أعلاه، توجد شركات «فنتك» في بعض الدول، وهي تعمل بنفسها بصفة مستقلة وفي هذا مخاطر مزدوجة من ضمنها عدم الالتزام المباشر بالأنظمة المصرفية الشاملة. وهناك دول، تسمح بتقديم بعض خدمات «فنتك» عبر البنوك مثل البلوكتشين والبايومترك وبعض الخدمات التقنية الأخرى ذات الصلة، شريطة أن يتم هذا وفق الضوابط القانونية والتشريعية والإجرائية التي تخضع لسلطة وإشراف البنوك المركزية. وفي هذه الحالة فإن المخاطر تكون أقل ولا تتعدى المخاطر الطبيعية التي تتعرض لها الصناعة المصرفية بصفة روتينية. وهذا، شر لا بد منه، لأن أي خطوة في أي نشاط مرخص لا تكون مبرأة تماما من المخاطر. وهذا واقع الحال.

وفي هذا الخصوص، فإننا ننصح البنوك التي تقدم هذه الخدمات المالية ذات الصبغة التكنولوجية المتقدمة بإعداد وتجهيز القوانين واللوائح والأنظمة التشريعية والضوابط التنفيذية التي تعطي هذه الأعمال المصرفية الحديثة الصفة القانونية المطلوبة، لأن كل الأعمال المصرفية يجب أن تكون ذات صفة قانونية معروفة وواضحة بنص القانون وذلك حماية للصناعة المصرفية. وبالطبع، هناك القوانين المنظمة للأعمال التكنولوجية ومن ضمنها الأعمال المصرفية التكنولوجية عن بعد. وهذه القوانين التي أصدرتها كل الدول، مستمدة من «قانون اليونسترال النموذجي» الصادر من الأمم المتحدة لتنظيم الأعمال الإلكترونية وتقنينها. ولكن، علينا أن نحرص على تطوير هذه القوانين واللوائح حتى تصبح جديدة حديثة تتماشى مع التطورات التقنية التي تسير بسرعة البرق وضربة الزر في جهاز الكمبيوتر المحمول في كل الجيوب في كل الطرق والأزقة. نحتاج لكفاءات مصرفية مقتدرة ويجب توفيرها وتدريبها المتواصل، والأهم من ذلك أننا نحتاج لقوانين حديثة يتم إصدارها بسرعة متسارعة تلاحق التقنية وتواكب تطوراتها، وإلا أصبحت خارج الإطار عديمة الفائدة وجزءا من التاريخ.