ذ يذسيديبد
ذ يذسيديبد
الثقافة

القُرَّاءُ العمانيون في عام 2020.. ماذا قرأوا في ظل العزلة المفروضة؟!

30 ديسمبر 2020
30 ديسمبر 2020

هل أَثَرُ جائحة كورونا على القراءة إيجابي أم سلبي؟

استطلاع - عامر بن عبدالله الأنصاري -

استثنائية عام 2020، الذي نطرق أبواب ختامه، شملت كافة مجريات الحياة اليومية، حتى لم يُستثن أحد من هذه التغيرات الطارئة التي اتخذت حفاظًا على الأرواح دون أي اعتبارات أخرى، وشملت الجميع وفرضت عزلة طويلة مع الذات ليجد المرء نفسه أمام خيارات الترفيه الشخصية بمختلف أشكالها، فاتَّجَه البعض إلى عالم الألعاب الإلكترونية مثلًا، وآخرون إلى تفعيل خدمات بث الأفلام الحديثة، وغيرهم قضوا أوقاتهم متعلمين أشياء جديدة ومهارات عديدة، وشريحة من المجتمع وجدت في الكتاب متنفسًا ثريًا للدخول في عوالم مختلفة من وحي أقلام الكتاب وأفكارهم وبديع عباراتهم.

هنا نتوقف مع عدد من القْراء، لنعرف ماذا قرأوا خلال العام 2020، وهل كانت عزلة كورونا سبيلا للجوء أكثر إلى القراءة، وهل الكتب الإلكترونية راجت خلال تلك الفترة؟

إجابات تلك الأسئلة على لسان عدد من القراء في التالي:

منهج حياة

بداية يرى خليل بن محمد الحوقاني أن القراءة لا ترتبط بزمن أو حالة معينة، كما في الحالة التي فرضتها كورونا، قائلا: «القراءة منهج حياة، ليست مرتبطة بمرض أو حبس أو أي شيء، فالأصل أن يكون المرء معتادًا على القراءة، ولكن لا نغفل الجانب المؤثر من كورونا، فقد كانت فرصة لمزيد من القراءة، أما ربط الجائحة بالقراءة بمفهومها المطلق، أو ربط أي حدث بالقراءة فهي فكرة لا أستسيغها، حتى لا تنتشر تلك الثقافة وتكون ذريعة للابتعاد عن القراءة في حال استقرت الأوضاع وعادت الحياة لطبيعتها، فالقراءة مكون أساسي لفِكْر الإنسان وثقافته».

وتابع الحوقاني قائلا: «قرأت الكثير من الكتب في عام 2020، وحقيقة لا أستطيع حصرها أو تفضيل كتاب على آخر، وبادرت بكتابة ملخصات بعد الانتهاء من كل كتاب، ونشرت تلك الملخصات في الفضاء الإلكتروني من منصات التواصل الاجتماعي، من باب التشجيع على القراءة، وخلال تلك الفترة تلقيت العديد من الاستفسارات من أشخاص سيطر عليهم الضجر والملل، وكانت الاستفسارات حول تقديم اقتراح لعناوين بعض الكتب، وكيف يقرأ الإنسان دون أن يصاب بالملل، وبالنسبة للكتب الإلكترونية فأنا لست من محبيها إلا في حالة لم أجد عنوانا معينًا، وتكون القراءة حينها قراءةً عابرة، وأحاول جاهدًا الحصول على الكتاب الورقي، وبالنسبة لي لم أكن أعاني من نقص في الكتب، لأنني أملك مكتبةً كبيرة فيها ما لذ وطاب وسال له اللعاب من الكتب المتنوعة، فكنت أنتقي ما أريده».

ومما قرأه الحوقاني في 2020 كتاب «النباهة والاستحمار» للكاتب الإيراني علي شريعتي والمترجم بواسطة حيدر نجف، وكتب الحوقاني تعقيبا على الكتاب: «أسمع كثيرا عن علي شريعتي، وتمر عباراته وجمله في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن لم يسبق لي أن طالعت شيئا من كتبه، كسرت الحاجز وبدأت بكتابه (النباهة والاستحمار) ، كُدت لأتركه لعمقه لكني جاهدت حتى ألفته وقبلته، يتميز شريعتي بفكر عميق وطرح مميز، يطرح قضايا نعدها تافهة أو بالأحرى نحن عنها غافلون، أما نظرته هو إليها نظرة المنبِّه، نظرة المدقق، نظرة المتعمق، يقرأ ما خلف السطور، ويُشخص الداء بدقة، بعد القراءة ستعيد النظر إلى ما حولك إلى تعاملك، هل وقعت في فخ الاستحمار وغابت عنك النباهة؟».

إضافة إلى عشرات العناوين الأخرى التي قرأها الحوقاني وعقب عليها بمثل هذه الطريقة المشوقة والتي تدعو الآخرين برفق وتَفكّر إلى قراءة العنوان.

«ألواح ودسر»

فيما رشحت الكاتبة زهراء الهاشمية من بين جملة الكتب التي قرأتها في 2020، رواية «ألواح ودسر» للكاتب أحمد العمري، وقالت حول الرواية: «تتحدث الرواية عن واقع الناس، وكيف يمكنهم الغرق في ملذات الدنيا، وسفينة نوح تناديهم (الرجوع إلى الله)، ولكن لا حياة لمن تنادي.. أذنٌ من طين وأذنٌ من عجين وما تزال كلمات هذا الكتاب ترن في رأسي بسبب الرسالة الصادقة لإيقاظ الناس من السبات والغفلة وأنه ما زال هناك متسع للركوب في سفينة نوح الناجية».

وحول علاقة كورونا بزيادة عدد الكتب المقروءة، قالت الهاشمية: «نعم هناك تأثير.. وكثيرة جداً حصيلة زيادة وقت الفراغ لدي وعزوفي عن كثير من الأعمال التي كُنت أؤديها بالتواصل المباشر مع من حولي مما أدى إلى زيادة الكتب المقروءة، هذه الأوقات الفارغة أثرت وبشكل كبير وملحوظ، حيث زادت معدلات القراءة عن السابق، واستطعت أن أرفع معدل قراءتي إلى ثلاثة كتب فما أكثر في الشهر الواحد».

وتابعت: «بشكل عام، قلَّت ظاهرة شراءِ الكتب الورقية، ويرجع ذلك إلى الخشية من أن نوسع من عملية انتشار الفيروس حين يتم تبادل أو شراء الكتب الورقيّة، لكن بالنسبة لي لم أكن أميل إلى قراءة الكتب الإلكترونية لأسباب عدم اتصال القارئ مباشرةً مع الكتاب وشعوره بملمسه ورائحته فذلك حتماً يُدخلهُ في جوٍ شاعري ويجعلهُ مُستمتعاً ومركزاً أكثر بالكتاب، كما لم تستهوني القراءة الإلكترونية نظراً لإضرار أشعة الأجهزة وإرهاقها للعين، وبعكسِ ذلك زاد إقبالي على الكتب الورقية أكثر».

كل الكتب مفيدة

وشاركنا الكاتب نعيم بن محمد الفارسي بالاستطلاع، قائلا: «في نهاية كل عام، يتسابق القُرّاء في الإفصاح عن عدد الكتب التي أنهوا قراءاتها خلال العام كله، كما يذكرون أفضل كتاب قرأوه في العام، وهذا شيء جميل ومُحفز، لكن بالنسبة لي فإن تحديد أفضل كتاب قرأته خلال العام أراهُ من الصعوبة بمكان، فلا أستطيع أن أقول إن هذا أفضل كتاب قرأته لهذا العام، فكل كتاب أقرأه أستفيد منه قليلاً أو كثيراً، وكل كتاب يُضيف لي شيئاً مهما أستفيد منه في الوقت الحالي أو مستقبلا. بإمكاني أن أذكر أحد هذه الكتب الجميلة التي قرأتها خلال هذه السنة، وهو كتاب (عنف الديكتاتورية) للأديب النمساوي (ستيفان زفايغ) حيث لخص فكرة ومنهج الدكتاتورية والدكتاتورين من خلال قصة واقعية حدثت قبل أكثر من ٤٠٠ سنة. هذا الكتاب أقل ما أقول عنه إنه إبداعي وفريد، فقد تعلمت منه كيف يحكم الأباطرة شعوبهم، وكيف يقودون أنفسهم إلى حتفهم دون أن يشعرون».

وتابع الفارسي: «أزمة كورونا جعلتنا نجلس -رغماً عنا- في بيوتنا، وهذه العزلة الإجبارية كانت لي فرصة كبيرة لا تقدر بثمن لأقرأ كتباً أكثر، فالقارئ الشغوف دوماً يُعاني من مشكلة كثرة الكتب التي يود قراءتها مع قلة الوقت المتاح، وبما أن لدي في مكتبتي حوالي ٣ آلاف كتاب، فقد كانت فترة العزلة الإجبارية فرصة جميلة لالتهام كتب كنت أحلم بقراءتها ولا أجد وقتاً لها».

واختتم الفارسي حديثه قائلا: «أنا لا أقرأ إلا ورقيا، وإلى اليوم لم أستطع أن أخلق صداقة مع الكتاب الإلكتروني؛ لذلك تجدني أحمل كتبي الورقية معي في أي مكان، تحسباً لأي وقت فراغ أجده فاستغله في القراءة. وأرى أنّ الإقبال على الكتب الورقية ما زال هو الأكثر طلبا عن الكتب الإلكترونية، فالكتاب الورقي سيظل الأكثر طلبا وإمتاعا للقارئ عن الكتاب الإلكتروني، ولا أعتقد أن الكتاب الإلكتروني سيؤثر على إقبال القُرّاء على الكتاب الورقي».

«ألمٌ فذ»

وبدورها رشحت عائشة بنت سليمان البلوشية رواية «ألمٌ فذ» لتكون من أفضل ما قرأته في 2020، وقالت: «بالنسبة لي كانت رواية (ألمٌ فذّ) للكاتب أندرو ميللر من أفضل الكتب التي قرأتها في 2020؛ إذ كانت لي كعلاجٍ في إصابتي بفيروس كوفيد19، وكان العمل رفيقي في كل أيام مرضي، ومقاومتي، وجدت في العمل مواساة ومقاومة قبالة الألم، فهو يشرّح الألم، في قالب أدبيّ، إذ تبدأ الرواية بطبيبَين يشرّحان جثّة الطبيب الذي عدّ أسطورة في مقاومته الألم، والبحث عن سر عدم شعوره بالألم، متتبعين سردًا يعود بنا للبدايات».

وتابعت حديثها: «لم تؤثّر العزلة التي فرضتها كورونا على مستوى القراءة إلا بنسبة قليلةٍ، فهذه العزلة مفروضة علينا، لا تشبه عزلتي التي أهرب لها بإرادتي، فأنا أعتزل العالم للقراءة بطبيعة الحال».

وحول الكتب الإلكترونية قالت: «لست من محبين الكتب الإلكترونية، أنا مهووسة بالكتب الورقيّة، أما بالنسبة بشكل عام، فحسب ما نرى هناك إقبالا ملحوظا على القراءة الإلكترونية في زمن كورونا».

القراء كلاسيكيون

ومن المشاركين في الاستطلاع إبراهيم بن أحمد الصلطي الذي أسس منصة خاصة بتوزيع الكتب الورقية، وهي منصة «قراء المعرفة»، سألناه عن الإقبال على الكتب الورقية أم الإلكترونية أكثر، ومن واقع تجربته قال: «لم ألاحظ أن القرّاء كانت لديهم إشكالية في اقتناء الكتب الورقية في ظل الجائحة، خاصة وأننا كنا حريصين كل الحرص على أخذ الاحتياطات اللازمة أثناء تسليم الكتب، مثل تعقيم اليدين وليس القفاز ووضع الكتب في أكياس مناسبة لها، وأرى أنه إلى الآن في مجتمع مثل المجتمع العماني القارئ والمحب والشغوف بالكتب والقراءة لم تستطع الكتب الإلكترونية الدخول في قائمة اهتمام القارئ العماني، فمعظم القرّاء -وإن جاز لي التعبير- كلاسيكيون، بمعنى من نوعية القرّاء الذين يتمتعون بالقراءة من خلال الكتب الورقية ويجدون المتعة من خلال القراءة من الكتاب والكثير منهم يقوم بتدوين ملاحظات على الكتاب ووضع هامش لأهم الفقرات».

وحول إقبال المجتمع على أنواع الكتب قال: «توفر منصة قرّاء المعرفة العديد من الإصدارات العمانية وفي شتى مجالات المعرفة، لكن الاتجاه السائد في القراءة ينحصر في كتب التاريخ والفكر والفلسفة والدراسات، ثم يأتي دور الروايات والسيرة الذاتية وقصص الأطفال».

وتابع: «في هذه السنة استطعت قراءة 97 كتابًا، معظم هذه الكتب روايات، وكذلك قرأت كتبًا فكرية ودراسات، ومن أهم هذه الكتب كتاب الكاتب والباحث بدر بن سالم العبري الموسوم بـ (الجمال الصوتي.. تاريخه ورؤيته الفقهية مراجعة في النص الديني حول الغناء والمعازف) هذا الكتاب جمع بين أهم الآراء الفقهية لدى كافة المسلمين بمختلف مدارسهم الفقهية وقدم صورة مغايرة تمامًا لما هو سائد حول موضوع الغناء والمعازف وكيف أن هذا الاختلاف في المسألة الواحدة مكان واسع للأخذ والرد بدون أن يتم ترجيح رأي على آخر، لقد أثر هذا الكتاب في قناعات كثيرة كانت لسنوات طويلة لدي واعتقدت بأن هناك رأيا واحدا لكل مسألة».

«هكذا تكلم زرادشت»

 

وكان ختام الاستطلاع مع سعود بن عبدالله المعولي، وهو قارئ نهم قرأ خلال العام 2020 عشرات العناوين، وأجاب على تساؤل عمان بقوله: «أفضل كتاب قرأته في سنة 2020م هو كتاب ممتع، وبنفس الوقت كتاب يبحر بك في عالم الفلسفة والفكر الغربي، وهو كتاب (هكذا تكلم زرادشت) لـ فريدريك نيتشه، الفيلسوف الألماني، يعتبر هذا الكتاب من ضمن مجموعة من الكتب التي ألفها فريدريك ولكنه كالدرة العظيمة لمجموعة أعماله، بحيث صاغ تأملاته وأفكاره الناضجة في مزيج من النثر والأشعار التي جعلت كتابه هذا واحدا من الأعمال الأساسية في الفكر الغربي».

وتابع المعولي حديثه قائلًا: «بالنسبة لتأثير العزلة التي فرضتها أوضاع كورونا على زيادة عدد الكتب المقروءة، أرى أن هناك تأثيرا إيجابيا بالنسبة لي بحيث أتاحت لي المجال والوقت، وبالمختصر هي عودة إلى القراءة بعد فترة من الضغوطات، وننظر لها على أنها فرصة تستغل وخاصة لمحبي القراءة والمطالعة لنتطلع من خلالها إلى فضاء أكثر رحابة في مجال الكتب».

واختتم سعود المعولي حديثه إذ قال: «من جانب الإقبال على الكتب الإلكترونية خلال فترة تأثر العالم بكورونا، فمن وجهة نظري كان هناك تزايد ملحوظ قبل هذه الجائحة أساسًا، أما في ظل الجائحة فقد شهدنا الإغلاق والتقيد بتعليمات السلامة والبقاء في المنزل وأيضا إلغاء معارض الكتب في كثير من الدول فهذه الأمور كلها زادت من الإقبال على الكتاب الإلكتروني».