Screen Shot 2020-06-03 at 3.50.51 PM
Screen Shot 2020-06-03 at 3.50.51 PM
الثقافة

في وداع «سنة الوداع»!

30 ديسمبر 2020
30 ديسمبر 2020

عبدالرزّاق الربيعي

بانتصاف الليلة، نغلق آخر صفحة من صفحات كتاب سنة 2020، الكبيسة، التي تقبل القسمة على الكثير من الأوجاع، أكثرها ألما وجع الفقد وكان أوّلهم السلطان قابوس بن سعيد المعظم -طيب الله ثراه- الذي فقدناه في اليوم العاشر من بدء السنة، فكانت بداية مؤلمة لسنة جاءت حبلى بالكثير من الآلام مع تفشّي فيروس «كورونا» (كوفيد-19) الذي أصاب مفاصل كثيرة من كوكبنا بالعطب، وجل سكّانه حبيسي البيوت، وحدّ من حركتنا جميعا، وغصّت المستشفيات بالمرضى، وغرف العنايات المركّزة، فسقط الكثير من ضحاياه: قادة، وشخصيات عامّة، نجوم مجتمع سقطت من سمائنا، علامات في السينما، والمسرح، والتلفزيون، وأبطال ملاعب، وموسيقى، وغناء، بشر كانوا أصحّاء، بكامل عافيتهم شاركونا فرحة استقبال (2020) يومها!، ثمّ ودّعونا قبل أن يحمل حقائبه، وربّما في قلب بحره متلاطم الأمواج! ولأنّ مواسم حصاد الوباء لا تفرّق بين البشر، مع أنّ الوطأة، كانت، أشدّ على كبار السنّ، و«الأعمار بيد الله»، كما هو مسلّم به لدى الجميع، لكنّه طال أناسا من مختلف الأعمار، فالكلّ سواسية كأسنان المشط، أمام عاصفة الموت الهوجاء التي لا تبقي إن هبّت، لا تذر، ولا تفرّق بين صغير، وكبير، وشجرة، وبستان، وجدار، وقصر، وكائن من كان!

وتوالت الفقدانات، فودّعنا أحبة كلّ واحد منهم يصدق به قول ابن زريق البغدادي عندما ودّع قمرًا له بـ(بغداد) كان يطلع «من فلك الأزرار»، كما رأى الشاعر الذي عدّ من أصحاب «القصيدة الواحدة»:

ودّعته وبودّي لو يودّعني

صفو الحياة وإني لاأودّعه

وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى

وادمعي مستهلات وأدمعه

لا أكذب اللَه ثوب الصبر منخرق

عنّي بفرقته، لكن أرقِّعُهُ

وكم رقّعنا من ثياب خرقها الرحيل!؟

وعلى امتداد سنة، صرنا نستفيق كلّ صباح على صور موشحة بالسواد، وكلمات الحداد، في صفحات أصدقائنا بمواقع التواصل الاجتماعي!

ولا غرابة! فـ«هذا أوان الموت والحصاد

في هذه الأرض التي تعفّنت فيها

لحوم الخيل والأطفال والنساء

وجثث الأفكار» كما يقول الشاعر عبدالوهّاب البيّاتي.

ولكثرة «سرادق عزاءات» مواقع التواصل الاجتماعي، صرت أنسخ جملة عزاء، أحفظها في ذاكرة الهاتف، لألصقها تحت كلّ منشور عزاء مشفوعة بقراءة سورة «الفاتحة» على روح الفقيد، ولا عزاءات على أرض الواقع، ولا مشيعين، ففي خضمّ هذا الفقد، صار الموت بلا نواح، كما كانت تنوح عشتار في التراث الرافديني على «تموز» حين مضى في العالم السفلي!

ولم تقتصر حفلات الوداع على الأشخاص، فـ«للأماكن أرواح»، كما قيل، فودّعنا لشهور عدّة أمكنة عزيزة، مساجد، مسارح، قاعات تعقد بها ندوات، ولقاءات، مطاعم، حدائق، وما زال بعضها مغلقا حسب قرارات اللجنة العليا المكلّفة ببحث آليّة التعامل مع التطوّرات الناتجة عن انتشار الفيروس، صرنا نشعر بالحسرة كلّما مررنا بالقرب منها، ورأينا أبوابها مقفلة لشهور.

ودّعنا عادات كالمصافحة، والعناق، وخبّنا ابتساماتنا خلف كمّامات!

ودعنا عالما لم يعد العالم ذاته الذي عرفناه قبل تفشي الجائحة، وبدأنا عالما جديدا، وكأننا تعرّضنا لزلزال مدمّر، ثم نهضنا لنحصي خسائرنا، وسط الأنقاض، بفضل قوّة الحياة، والإرادة، والصبر، لأننا ينبغي أن ننهض، فالحياة مجموع ابتلاءات، واختبارات، والظفر لمن صبر على البلاء، وتماسك، وقد علّمتنا التجارب أنّ دروس الحياة، كلّما كانت صعبة نجد طعمًا مختلفًا، وجديدًا، فنقبل على الحياة بشهية أكبر، وبروح متفائلة.

لنضع كل ذلك جانبا، ونبدأ عاما جديدا.

نستبدل رقمًا أكبر برقم سنة صارت في ذمّة التاريخ، لها ما لها، وعليها ما عليها، بحكم المشيئة، ممتلئين بأمل أكبر أن يجعل الله السنة الجديدة سنة خير، وسلامة على الجميع، مودّعين عام الوداع فاتحين أجندتنا لسنة نعلّق عليها الكثير من الآمال.