Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ: هل تلهينا السكينة أم تربكنا المحن؟

29 ديسمبر 2020
29 ديسمبر 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

في المسافة التي تفصلنا عن الآخر، ترانا نعيش في سكينة ما، وعلى قدر من الهدوء والرضا، وهذه الحالة في تقدير، آخرين، أنها تغيبنا على واقع من حولنا، فلا نكترث لكثير مما يجب علينا القيام به، وينظر إلى ذلك على أنها «معيبة» لأن مجموعة الإرهاصات التي تتم في خضم هذه السكينة هي تخدم الذات فقط، ولا تنظر إلى المجموع على أنه مكون مهم، ومكمل، في الوقت نفسه لبناءات الذات، لذلك، كما يبدو، أننا نعيش ثنائية «الأنا والآخر» ولا فكاك منهما، فهذه الثنائيات كلها في تضادها وتوافقها، هي سنة الله في خلقه، ولأن هذا الخلق خاضع لحالة الضعف والقصور، وقلة الحيلة، فإنه سرعان ما يعيش بين مفترق طرق الأحداث التي يعيشها مكرها، في أغلبها، فتختلط عنده الحسابات، وتنوء به الأفكار، ويذهب بعيدا إلى حيث ما يضاعف على نفسه المشقة، ويزيد عليها عناء الأحداث، وثقل النتائج، حيث يبدأ مرحلة البحث عن مخارج آمنة يستطيع من خلالها أن يتحرر من هذه الأعباء، ومن هنا تبدأ تباينات الناس فيما يذهبون إليه خروجا من المأزق، ومن هنا تبدأ تفكك مختلف الارتباطات، حيث تبدأ الذات للاستحواذ على أنصبتها الخاصة، فالمجموع هنا، ليس ضروريًا للبقاء على وحدته، ولا على تكاتفه، ولا على تكامله، ولا على توافقه، فيأتي الانحياز التام للخاص، وما أدراك ما الخاص؟ حيث تذوب مختلف التجاذبات الجمعية، وتتلاشى جميع الارتباطات مع الآخر، فالآخر هنا؛ ينظر إليه، على أنه عبء، وحمولته ثقيلة، ولذلك قيل: «الناس في السكينة سواء، فإذا جاءت المحن تباينوا» وهذا التباين من الفطرة، لأن النفس البشرية مجبولة على حب الذات، والانتصار للخاص، فهذا يمثل الحقيقة المطلقة لهذه النفس، وما خرج عن ذلك فهو في حكم الاستثناء.

تأتي الشرائع والنظم، والقيم المستفادة من تجربة الحياة، لتذهب إلى ضرورة القرب، والوحدة، والتآزر والتناصر، والتكاتف، والتكامل، بل وتشجع على البقاء على هذه الصور، وخاصة في المحن، ولكن كل هذا يبقى في مساحته الضيقة المعبرة عنه الحكمة السابقة أعلاه، وهي الـ«سكينة» أما عندما تحل الـ«محن» فإن هذه المجاميع من الوحدات، تخرج عن هذا التكور، وتنزع إلى نداء الذات، وقد جسدت بعض الأمثال الشعبية شيئا من هذه الصورة كقول: «إذا سلمت ناقتي؛ ما علي من رفاقتي» وهذه صورة مريرة، ولكنها الحقيقة، وعلينا أن نقبلها بمرارتها، مع أن هذا البقاء ليس يسيرا في حد ذاته، ومن يقبله ستتضاعف عليه مرارة الحرمان، لأن سيقابل ذلك بكثير من التضحيات، وهذه التضحيات يظل لها عمرا محدودا فقط.

تحل الـ«محن»، في الغالب، لتزيد من قرب الناس، حيث تذوب الكثير من التباينات لأجل خاطر المجموع، وهي بذلك تربك مجموعة من القناعات التي تأسست في مرحلة الـ«سكينة» وهذا شأن الأحداث الجسام التي تمر على الإنسان فـ«المرء في المحنة عي» كما يقال المثل، و«العي» هنا قلة الحيلة، وضعف الإرادة، وتماهي معززات الثبات، ولكن مشكلة المحن هي مجموعة هذه الارتباكات، وعلى أمل أن يتكاتف الناس فيها، إلا أن مجموعة التباينات التي تحدث بينهم، من خلال مواقفهم تجاه هذه المحنة أو تلك، هي التي تضعف التكاتف، وقد يجد المرء نفسه وحيدا، حيث لا معين، وخاصة مع امتداد العمر الزمني للمحنة، ومعادن الناس التي تكشفها المحن، كما يشاع، هي حالات استثناء، لا يمكن أن تبنى عليها قواعد الاستمرار، أو تأخذ حكما مطلقا يمكن القياس عليها أبدا، والمهم في هذا الجانب أننا لا نحتاج كثيرًا للاقتراب من الآخر في محنته، المهم أن نكون أكثر صدقا في مشاعرنا، وأقرب مودة، وأن لا نمارس صناعة اغتيال لمشاعره، وصدقه، ومودته.