assem
assem
أعمدة

نوافذ: بـيـن الأمـل والـرجــاء

26 ديسمبر 2020
26 ديسمبر 2020

عاصم الشيدي -

[email protected] -

عندما كنت وزملائي في جريدة عمان نختار «مانشيت» الصفحة الأولى التي ستصدر في آخر يوم من عام 2019 لم نكن نعلم ماذا تخبئ لنا أيام 2020 وللعالم أجمع. لكن عندما ننظر لذلك العنوان اليوم ونضع ما حدث في هذا العام نصب أعيننا نجد فيه كثيرا من الاستشراف الذي كان مرده قراءة الأحداث المحيطة بنا في لحظة شديدة الالتباس، على الصعيدين المحلي والعالمي. كان ذلك العنوان الذي لا أستطيع نسيانه يقول: «بين الأمل والرجاء.. العالم يودع عاما ويستقبل آخر»، وبقيت جميع أيام عام 2020 متعلقة بكلمة «الوداع» وإن بقيت متمسكة بفكرة «الأمل والرجاء». ولم يكن ذلك الاستشراف متعلقا باستقراء مصير البشرية في مواجهة وباء أبلغ عنه في نفس يوم صدور الجريدة ولكنه كان يستشرف مستقبل عُمان في وقت كان فيه سلطان البلاد الراحل بوضع صحي حرج ولم يكن أمام العمانيين إلا التمسك بالأمل والثقة بالرجاء.

أما أنا فبقيت أستعيد ذلك العنوان وأتأمل حروفه في كل المنعطفات الصعبة التي مررنا بها في هذا العام الثقيل على كل المستويات وأركن إلى «الأمل» في الوقت الذي أستشعر فيه أن «الرجاء» يمكن أن يخيب، فلا ضاع أمل ولا خاب رجاء.

لكن حكاية هذا العام تستحق أن تروى، وأن توثق كما لم توثق حكاية عام آخر مرّ على البشرية منذ قرن على أقل تقدير. لكن قبل الرواية لا بد من استيعاب ما حدث بشكل دقيق ومحاولة تركيب صورة تكاملية له تكون بعيدة عن هلع اللحظات والتباساتها. لم تكن البشرية التي وصلت إلى درجة عالية من التطور في مختلف العلوم الطبية والتكنولوجية وفهم الكون تعتقد أنها يمكن أن تعود إلى مربع «الصفر» وتبقى عاجزة عن فعل شيء أمام «فيروس» ضئيل لا يُرى بالعين المجردة، دون أن ننسى أنها عادت لتنتصر باللقاحات التي أثبتت جدواها لكن لا يمكن تجاهل الحيرة والقلق والرعب والخوف الذي مر بالبشرية.

سنتذكر هذا العام بوصفه عام «الحزن» وعام «الوباء» أو عام الجائحة وبأنه عام «العزلة» التي أعادت الناس إلى ذواتهم، وكسرت الروابط وكرست فكرة التباعد الاجتماعي، بل إن أغلب دول العالم أصدرت قوانين ولو مؤقتة تجرم «التقارب الاجتماعي» مقابل خطابات تاريخية راسخة في الذهن البشري تدعو إلى «التقارب» و«التزاور» لأسباب تتعلق بالدين وبطبيعة الإنسان الاجتماعية.

سنتذكر هذا العام بوصفه عام التغيرات الكبرى التي حدثت في أشهر قليلة وأعادت تشكيل العالم من جديد وفق رؤى وأسس مختلفة عن تلك التي كان يقوم عليها. وأنه عام الانهيارات الاقتصادية التي عرّت بعض الدول وكشفت أنها من «ورق» ولا تملك القيادة التي تستطيع بها مواجهة الأزمات الحقيقية التي يمكن أن تعصف بالعالم في اللحظات الفارقة. سنتذكر هذا العام أننا استطعنا بشكل مكثف رؤية التغيرات التي تجري فيه، رأينا أزمة العولمة الحقيقية، وأزمة الدول التي لا تملك الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي في أساسيات الحياة، رأينا كيف أن الحدود التي تباهت الدول الأوروبية بتخطيها تعود في لحظة كان السكان قبل الساسة في أمس الحاجة لاختفائها، رأينا كيف أن الدول العظمى تخلت عن تحالفاتها التاريخية لتنكفئ مع نفسها ومع حدودها الوطنية، وكأن المثل العماني الذي يقول «يوم تسلم ناقتي ما عليّ من رفاقتي» قد صار فجأة مثلا كونيا. سنتذكر هذا العام بأننا يمكن أن نرحل في لحظة وحيدين دون وداع، ودون نظرة تبقى خالدة في الذاكرة.

لكن سنتذكر هذا العام أيضا بأننا يمكن أن نبدع، وأن نقاوم، وأن ننتصر إذا امتلكنا الإرادة وأسبابها وإذا تمسكنا بالأمل ولم نترك الرجاء. رغم أنني لا أعلم شكل العنوان الأخير الذي سنضعه على الصفحة الأولى في آخر يوم من هذا العام وفي أول أيام العام القادم.