1561523
1561523
الثقافة

ولاية خصب.. حيث المياه التركوازية والأجواء الجميلة التي لا تعرف المجازية!

25 ديسمبر 2020
25 ديسمبر 2020

[gallery type="slideshow" size="full" ids="833273,833271,833270"]

قلب محافظة مسندم النابض بالحياة والحركة السياحية -

كتب - عامر بن عبدالله الأنصاري -

كانت الأيام الأربعة التي قضيتها في ولاية خصب الأسبوع الماضي أيامًا جميلة بأقصى تجليات الجمال، بداية بالصحبة الرائعة التي تكسر حاجز اللقاء الأول، فبعضهم لم أتعرف إليه إلا في ذلك اليوم فكأنما المعرفة قد جاوزت السنوات، ومرورًا بالأجواء الباردة الرائعة، ونسمات الهواء اللطيفة التي تلامس القلوب قبل الجلود، وانتقالًا إلى مواقع في ولاية خصب زرتها لأول مرة، رغم ارتباطي بهذه الولاية منذ الطفولة، إذ الولاية مسكن أجدادي وأخوالي قبل أن يفرق شملهم الموت وطلب الرزق! فقد توفي جدي -رحمه الله- بخصب ولا زال منزله شاهدًا على أيامٍ جميلة ارتبطت بطفولتي هناك.

جمال تفاصيل الرحلة يفوق التعبير، وليس ذلك من باب المجاز في شيء، إنما هو جمال حقيقي لمسه الجميع في تلك الصحبة وفي تلك الأيام الأربعة بكل تفاصيلها.

حينما أخبرني الصديق عبدالعزيز الحارثي عن فكرة الذهاب إلى ولاية خصب، قابلته بعدم تمكني لارتباطي الأسري أولًا، وارتباطي بالعمل ثانيًا، إلى أن بدأت الفكرة تتسلل شيئًا فشيئًا نحو الحقيقة والتطبيق، كانت الأمور سانحة ومهيأة، فتذاكر السفر بالطيران العماني إلى ولاية خصب معقولة إلى حد كبير، إضافة إلى أن خال زوجتي -يوسف الشيزاوي- من سكان ولاية خصب وبذلك ضمنت لأسرتي موقعا للإقامة والأنس مع زوجة خالها وبناته وابنة خالها الآخر، لتصير الرحلة عائلية وشبابية في آن!

وصلنا إلى خصب، وبابتسامته المعتادة استقبلنا الشيزاوي، فاتحًا أبواب قلبه وبيته لنا، ومسلمًا إياي مفتاح إحدى سيارتيه لتكون تحت أمرتي، فكان من واجبي شكره عظيم الشكر على حسن الضيافة والإكرام بل وتحمل ابني المشاكس بينما أنا في رفقة الأصدقاء طوال أيام الرحلة باستثناء ساعات النوم.

 

حجة وحاجة

لا أعرف إذا انطبقت مقولة «حجة وحاجة» على رحلة مسندم، إذ كان الهدف الأبرز حضور عقد قران الصديق أحمد الكمالي الذي يصادف اليوم التالي من وصولنا إلى ولاية خصب يوم الأربعاء الموافق 16 ديسمبر 2020، تولى كل من عبدالعزيز الحارثي وصاحب الروح الطبية محمد باقي تجهيز العريس، أما المصور المبدع مازن رامس فتولى تصوير تلك الأثناء لتوثيقها في الذاكرة، وبدوري تطفلت على عدسة مازن فكنت مصور الفيديو لتلك اللحظات التي سيسجلها العريس أحمد الكمالي في ذاكرته طويلا، في حين كان الجانب الآخر من الزيارة رحلة نقضي فيها أوقاتا ممتعة في أحضان مسندم الشامخة.

«حرف»

انتهت مراسم عقد القران، بارك الجميع للعريس، بين شقاوة الأصدقاء ورسميات الحضور مضت تلك الساعات سريعًا، فكانت في ساعات الظهر الأولى إلى أن رفع أذان العصر، لُملِمت الأفكار سريعًا لخطة ما بعد العصر، بقيادة مايسترو الرحلة أحمد الزرافي، فكانت الوجهة بناء على اقتراح الصديق ماجد الشحي نحو منطقة حرف، ليست المنطقة السكنية، إنما نحو بقعة يلزم الوصول إليها أن نسلك طريقًا رمليًا لمسافة 8 كيلومترات تقريبا، حيث البقعة المرتفعة إلى حوالي 1550 قدما فوق سطح البحر، كان المنظر مهيبًا هناك، إذ تلامس البقعة منحدرا عميقا -نسأل الله أن لا يسقط منه أحد- يطل على ولاية بخاء، ومن خلف المنحدر إطلالة على ولاية خصب، لنقضي ساعات العصر وسط البرد الجميل الذي زاده الوضوء لصلاة المغرب، وهوَّن علينا من برودة الأجواء قبل ذلك لمسات الصديق عقيل المهدي في صناعة الشاي وحلوى «أم علي» فهو مسلح بعدة الطبخ التي يصحبها معه دائما في الرحلات ليزيد على الجمال جمالًا آخر من إبداع يديه.

«الخالدية»

كان الجدول مزدحما، لا يخلوا من كرم الأصدقاء من أبناء ولاية خصب، فما أن رجعنا أدراجنا، أعلن لنا المايسترو أحمد الزرافي عن الخطة التالية والمفاجأة اللاحقة، إذ الوجهة إلى منطقة «الخالدية» الساحرة، حيث الفضاء المفتوح بين أشجار السمر المتفرقة، وحيث اقترابنا من الجبال وابتعادنا عن أضواء المدينة لتبدوا السماء كسجادة زرقاء مطرزة بالنجوم، وكانت تلك الخطة برعاية الصديقين الأخوية عبدالرحمن الشحي وأحمد الشحي، فقد بالغا بكرمهما المفرط لوجبة العشاء، أما المفاجأة فقد كانت جلسة طربية على أنغام أوتار العود وأصوات قرعات الدفوف وشدو الشباب خالد الكمزاري عازف العود، وعبدالعزيز الحارثي، ومشاركة عقيل الكمالي بصوته العذب، لتمضي أوقات الأنس بين الطبيعة والنجوم والبرودة والطرب.

الرحلة البحرية

رغم المحاولة بعد السهر طويلا في الخالدية، استعدادا للرحلة البحرية، إلا أن الوقت قد تأخر، وفي طبيعة الحال تكون حلاوة الرحلات بالتعب أحيانا، وبذلك تُرسخ بالذاكرة أكثر، وتكون محل حديث لاحق عن تلك التجربة والرحلة الفريدة، حل اليوم التالي، يوم الجمعة، تغيرت الخطة من الانطلاق صباحًا إلى الانطلاق مع بداية الظهر في الـ «لنج» القارب الخشبي الكبير ذي الطابقين، مرَّ بنا صاحب اللنج مؤيد الكمزاري بين خلجان محافظة مسندم وأخوارها، مرورا بأبرز معالهما منها «جزيرة تلجراف» في «خور شم» وقيل من أبرز أسباب تسميتها أن تلك الجزيرة شهدت مرور أول خط تلجراف في الشرق الأوسط، حسبما جاء في «ويكيبيديا»، نزلنا على تلك الجزيرة في جولة سريعة سنحت لنا بالتقاط صور عديدة حفظًا للذاكرة، وقبل انحسار الماء صعد الجميع على القارب الخشبي، مكبرين لصلاة الظهر، منطلقين نحو الدلافين!

الدلافين

كثيرة هي المرات التي زرت فيها ولاية خصب، وكثيرة هي الرحلات البحرية، كنت على أمل رؤية دلفين قريب، لم تكلل المرات الكثيرة إلا برؤية زعنفة دولفين من بعيد، ولكن، وفي هذه المرة، كانت الدلافين قريبة إلى حد الملامسة، نشيطة حد العنفوان، وصاحبتنا واللنج يسير بسرعة متوسطة، كأنها في سباق معنا، تطل برأسها وجسدها وترمي نفسها فوق المياه، وكأنها تبتسم لنا وترحب بنا ترحيبًا حارًا، تتفاعل مع أصواتنا حين نصفر لها، كأن التصفير وسيلة للتواصل بيننا، كانت هذه المرة استثناء بكل ما تحمله الكلمة، وربما على مستوى أبناء ولاية خصب الذي كانوا معنا في تلك الرحلة، أستطيع القول نيابة عن أصدقاء الرحلة أن السعادة في تلك الرحلة والحماس والفرح قد وصلت قمتها، في مشاهد لن تتكرر أمام ناظرنا كثيرًا، ملأنا أبصارنا برؤية الدلافين، وملأنا الكاميرات بالصور، ووثقنا تلك اللحظة حتى تدوم، ولنفتح ذات يوم كئيب صفحة تلك الذكريات علَّها تضفي علينا السعادة وسط مصاعب الحياة التي تزيد تعقيدا يوما بعد آخر!

الحراك السياحي

تُخبئُ خصب كنوزا كبيرة من الخيرات، ولعل النشاط السياحي من أبرز الأنشطة في ولاية خصب، ظهر ذلك جليًا خلال زيارتنا الأسبوع الماضي، وإذ نحن في الرحلة البحرية، كانت هناك كثير من الأفواج السياحية رغم الأوضاع التي تعصف بالمنطقة والعالم من تفشي فيروس كورونا، الأمر الذي يدعوا إلى التفكر في الخدمات الأساسية، فهل هي متوفرة لاستقبال المزيد من السياح، وهل المشاريع السياحية متوفرة في الولاية، وهل يبادر أبناء الولاية بابتكار مشاريع سياحية تخدمهم وتخدم السياح، وهل الإجراءات بسيطة لتنفيذ تلك الأفكار، كل ذلك علامات استفهام تدور في الذهن، وربما يملك إجابتها أبناء الولاية المشتغلين في المجال.

ومما طرح من نقاش ذات يوم كنا فيه عائدون من «منطقة الحرف»، دار نقاش بين الصديقين محمد باقي وماجد الشحي، إذ كان محمد باقي يسأل عن مشاريع «كوفي شوب» في الولاية، ليتضح له أنه لا وجود لمثل تلك المشاريع، كان محمد باقي يقترح لماجد الشحي وبنبرة عتاب أن على أبناء الولاية الشباب أن يبادروا بمثل هذه المشاريع، متسائلا «إن كان الشباب من أبناء الولاية لا يبادرون بمثل تلك المشاريع، من الذي سوف يبادر؟»، متمنيا أن يعود إلى ولاية خصب ذات يوم ليجد من تلك المشاريع.

اللقاءات والأصدقاء

أشخاص كثر من خلال تلك الرحلة اقتربت منهم بشكل كبير، وحري بي أن أفتخر أن أسميهم أصدقاء تشرفت بمعرفتهم، سلطان البلوشي ذي القلب الكبير، مالك الشرياني الهادئ بطبيعته، والمصور عوف الشحي الذي كان لي معه حوار سابق جرى عبر التواصل الإلكتروني، وأحمد الشحي الذي اتضح لي أنه صديق قديم لأخوالي، والصديق القديم الباحث بعلوم اللغة العربية محمد الشحي الذي أضفى عليَّ بهجة بلقائه، وغيرهم من الشباب، فقد قضينا وقتا ممتعا لا يُنسى، والحق يقال، وربما ذلك على لسان الجميع دون استثناء، لا تخلو تلك الرحلات من الأخطاء والإساءة، إلا أنني أجزم -وعلى لسان الجميع كذلك- أن كل ذلك تحدث دون أدنى قصد، هنا أسجل عبارات الاعتذار مني أنا لكل من أسأت إليه بالقول أو الفعل دون قصد، ففي عنفوان الارتياح والضحك يحدث أن لا يحاسب المرء نفسه، ويحدث أن لا يعي تصرفاته، كما اجزم أن ذلك الشعور مستقر في نفس الجميع، وهذه الكلمات حَرِيَّةٌ أن تخرج من الجميع وإلى الجميع، فعذرا على أي خطأ، وشكرا لرحابة الصدر والمكان والوقت والأنس الجميل.