أفكار وآراء

حروب القرصنة الإلكترونية العالمية

23 ديسمبر 2020
23 ديسمبر 2020

د. عبد القادر ورسمه -

لم نتفاجأ عندما أعلن وزير الخارجية الأمريكي قبل أيام قليلة، أن العديد من الدوائر الرسمية والشركات الكبيرة في أمريكا، تعرضت لهجمات قرصنة إلكترونية من روسيا. وبعده، ظهر الرئيس الأمريكي، وقال: إن الهجمات الإلكترونية التي طالت بلاده من الصين.

وهكذا استعرت وتيرة الحرب الإلكترونية بين الكبار، وقطعًا سيتأثر بها الصغار لأن الحرب ستصلهم أينما كانوا، وهنا المصيبة؛ لأن الجميع سيتأثر رغما عنه وليس باليد حيلة.

إن التقنية الإلكترونية الحديثة أتت وستأتي بالكثير من الغنائم والمغانم للبشرية جمعاء وهذا هو المطلوب وما نتطلع إليه، ولكن المفيد قد تصاحبه بعض الأضرار السلبية لتطمسه. وهذا هو عصر التقنية الحديثة، وهناك من يستغلها لفائدة البشرية وفي المقابل هناك من يستغلها لضررها.

إن الحديث عن الحروب الإلكترونية بين الدول قديم متجدد وسيستمر دون انقطاع، بل هناك أقوال كثيرة بأن روسيا تدخلت إلكترونيا في الانتخابات الأمريكية وغيرها، وإذا وصلت الاختراقات لهذه الدرجة فإنها، من دون شك، ستكون قادرة على فعل ما تريد وقت ما تريد، وهنا مكمن الخطر. للقيام بعملية القرصنة التي أعلنت عنها أمريكا، قام القراصنة أولا باقتحام أنظمة شركة (سولار ويندز) وأدخلوا بابا خلفيا في أحد منتجات الشركة (أوريون)، الذي تستخدمه الكثير من المؤسسات لإدارة الشبكات الداخلية؛ لذا، كل من تعامل بواسطة (أوريون) قام ومن دون أن يشعر بتنزيل البرنامج المخترق ومنح الفرصة للقراصنة للوصول لأنظمته، معظم الشركات في قائمة فورشن (500) والعديد من الحكومات والمؤسسات تتعامل مع (سولار ويندز) ؛ لذا انتشر الوباء وغطى القرى والحضر.

ويقول المختصون في شؤون الأمن السيبراني: إن هؤلاء القراصنة يتمتعون بذكاء فني خارق لأنهم بعد الوصول عبر الباب الخلفي في برنامج (أوريون)، ظلت حركتهم بطيئة ومدروسة بعناية وركزوا على مجموعة صغيرة من الأهداف المعينة والمختارة بعناية؛ لذلك ظل القراصنة الجدد بعيدين عن النظر تماما قبل اكتشافهم وتمكنوا خلال وجودهم من جمع معلومات هائلة من جهات حساسة.

ولقد اتضح أن برنامج الاختراق الخبيث ظل صامتًا لمدة من الزمن قبل أن يبدأ في التواصل والعمل بطريقة ذكية تمويهية وكأنه «برنامج تحسين»، وفي الوقت نفسه، يقوم بتخزين المعلومات في ملفات عادية وشرعية لإخفاء نفسه تماما وعلى أحسن وجه.

وللمزيد من التخفي قام القراصنة باستخدام حواسيب وشبكات لمرة واحدة فقط من أجل التواصل مع الباب الخلفي الموجود ضمن الشبكة المستهدفة، وهذا يشبه استخدام هاتف مؤقت تصعب ملاحقته لإجراء محادثة غير شرعية.

وأهم شيء للتخفي المتعمد، هو أن البرنامج الخبيث الذي قام القراصنة بنشره لم يستخدم رموزا برمجية موجودة في برمجيات خبيثة أخرى لأن برامج الحماية تبحث عن رموز برمجية عثر عليها في عمليات اختراق سابقة حيث تكون نقطة البداية للاكتشاف.

هذه العملية ذات الدلالات الخطيرة، وجدت اهتماما كبيرا من جهات عديدة مرتبطة بالأمن السيبراني ومحاربة القرصنة، ونشرت قائمة طويلة بـ«مؤشرات الاختراق» وبيانات تحليل جنائي يمكن أن تقود وتظهر دليلا على وجود هذا النشاط الضار لمحاربته والقضاء عليه.

وبالرغم من الإجراءات الأمنية الاحترازية التي جرت في أمريكا وغيرها، إلا أن الوضع خطير وتزداد الخطورة، بصفة خاصة؛ لأنه لا أحد يعرف جميع الجهات المستهدفة والمعلومات التي أخذت بواسطة القراصنة وكيف سيستغلونها لفائدتهم وفائدة من خلفهم. وهناك دلائل تشير إلى أن بعض الجهات المستهدفة ما زالت نائمة ولا تدري حتى الآن أنها ضحية الاستهداف الخبيث والقرصنة، وعلى الجميع الآن الفحص لكشف هذا السرطان التقني، وهذه مهمة صعبة جدًا وقد تتجاوز قدرة العديد من فرق الأمن السيبراني، وهنا تزداد الخطورة لأن كثيرًا من الشركات حاملة للفيروس الخبيث دون أن تشعر وتظل تتعامل بصورة طبيعية مع نفسها ومع غيرها، وتزداد نيران الهشيم يوميا مما يضاعف الأضرار ويزيد المخاوف من التقنية الحديثة وموبقاتها الآثمة.

السؤال المهم الذي يطرح نفسه الآن: هل نقفل باب التقنية الحديثة ونبتعد تماما عن التعامل معها وبها، حتى نرتاح من مثل هذه العمليات الخرقاء وجرائم الياقات البيضاء المجرمة؟ بالطبع هذا لا يمكن بل مستحيل؛ لأن هذا أصبح قدرنا المكتوب وعلينا السير في طريق التقنية الحديثة بما له وما عليه، ولكن، في الوقت نفسه، يجب أن نعد أنفسنا لرد الاعتداءات والخروقات بالطرق القانونية المشروعة مع تحديث التشريعات للدرجة الكافية التي تشفي الغليل وتحد من الانتهاكات والخروقات وتعيد للنفس الطمأنينة التقنية.

بما أن القراصنة وصلوا لهذه المرحلة في الإجرام السيبراني عبر التقنية، فمن دون شك وقطعا، فإن التقنية نفسها تحمل في حناياها حلول الدفاع عن النفس ورد الاعتداءات. وهنا على خبراء الأمن السيبراني وكل من له صلة، واجب كبير في إيجاد والإبداع والتفاني، لإنقاذ البشرية والحفاظ على التقنية النظيفة المفيدة في أبهى صورها المفيدة، ولتفعلوا ليهدأ البال وينصلح الحال.