1560975
1560975
الثقافة

أزمة المسرح العربي أين تكمن؟.. وهل تفي المهرجانات المسرحية العربية بالغرض.؟

23 ديسمبر 2020
23 ديسمبر 2020

«أبو الفنون» من يعيد له الروح والألق -

تحقيق - بسام جميدة -

منذ عدة عقود من الزمن كان المسرح العربي له شأن مهم، ورواد كثر، وكان يحمل قضايا وهمومًا كبيرة وتطرح كل القضايا على خشبته بكل بجرأة، سواء كان مسرحا كوميديا أو اجتماعيا أو جادا، ولكن منذ سنوات لم يبق للمسرح ذاك التوهج، بل واقتصر ظهوره على عدد من المهرجانات في عدة دول، وبعض العروض المتناثرة في أوقات متباعدة.

وجهت أسئلتي لعدد من المختصين وأصحاب التجارب المسرحية الثرية لمعرفة آرائهم في هذا الواقع المسرحي، وما هو سبب التراجع، ولماذا بات مغيبًا؟ وهل هناك أزمة نص، أم أزمة فنان، أم شيء آخر؟ وهل المهرجانات السنوية تعوض عن وجود مسرح على مدار العام مثلا؟

تعالوا نتابع، ثم أعقب

منذ 2011

يقول المخرج يوسف البلوشي من سلطنة عُمان: «بدأ المسرح يتلاشى ويتغير بل ويتوقف منذ عام2011 وبات مستواه الفني في هبوط، ولم يسمح للمسرح بمناقشة قضايا تهم المواطن كما في المسرحيات الكوميدية والأخرى المنتقاة بعناية أيا كان نوعها، وربما كانت هناك حالة توهج ببعض الدول والمهرجانات، ولكن ليس كما هو مأمول أو المتخيل لنا كمسرحيين، وكان المسرح العربي يتمثل قضايا المجتمع والأسرة والتربية وقضايا عربية مهمة وحتى محلية من خلال النقاش والعروض المسرحية ولكن الواقع غير سار».

وتابع البلوشي: «مهرجان قرطاج المسرحي لا زال رائدًا ومتميزًا مهما، وكان في سوريا والعراق مهرجانات رائعة، ولكن ظروفهما غُيبت هذه المهرجانات، وفي الخليج هناك بعض المهرجانات مستمرة، ولا زالت الشارقة بيدها زمام المبادرة ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي الذي يعمل بجهد كبير لتقديمه بشكل مختلف، وأقام مهرجانًا نوعيًا سنويًا خاص بالهيئة العربية للمسرح، لكن مهرجان الشارقة المهم خليجي بحت، وما زالت بعض المهرجانات المحلية مقامة ولكن ليس كما نتمناها، وربما بات المسرح مغيبًا تمامًا في بعض الدول، وهذا يقودنا للواقع الحقيقي، فليس هناك من يدعم أو يهتم بالمسرح والعاملون فيه، وأقول ربما ليس هناك رغبة بوجود مسرح في مكان ما، ولكن نحاول أن نقدم ونوجد لنا كمسرحيين مساحة للعمل الجاد خصوصا هنا في عُمان كي لا يتوقف ويكون موجودا ويساير أي تطور حضاري وثقافي للبلد، المهرجانات لا تعوض عن وجود مسرح طوال العام يستقطب المشاهد».

واسترسل بقوله: «يعاني المسرح العربي، من نواحٍ سياسية واقتصادية أثرت عليه في ظل غياب الدعم المعنوي والمادي الحقيقي الذي يدفعك للعمل، ناهيك عن ضغط الرقابة للمسرح والمسرحيين مما أثر كثيرا وغيبه تقريبا إضافة لانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، لا يوجد أزمة نص حقيقية، النصوص موجودة ولكنها ليست منتقاة وتلبي أو تثير الفنان، أنا من الصعب أن أجد نصًا يشبع رغباتي الفنية والجمالية ويحفزني للعمل، وربما تكون أزمة فنان ابتعد عن المسرح واتجه للتلفزيون أو السينما أو الإعلانات التي تدر عليه دخلا ماديا جيدا، هناك بدائل وفنانون هواة متميزون يمكنهم تعويض غياب الفنان المحترف بسبب الإحباط الذي أصاب المسرح في الفترة الماضية، عودة الروح تحتاج لروح الفنانين القوية التي تعيدهم إلى المسرح لما لهذا الفن من أهمية حتى وان غاب الدعم، يجب أن نقف يدا واحدة لبث الروح فيه، وضرورة إيلائه أهمية كبرى من جهة الاختصاص، وأن يصبح مادة تدرس في المدارس، وإيجاد الدعم المادي الفعلي، وتفعيل دوره في المجتمع، وتفعيل المهرجانات بشكل أوسع، وتقديم عروض مستمرة على مدار السنة، وشخصيا أتمنى عودة المسرح العربي متألقا لأهميته، وهناك الكثير من المخلصين المؤمنين بدور المسرح ليكون فاعلا وله قيمة من قبل المسؤولين».

تهميش المسرح

وبدوره قال سعيد حجاج كاتب وناقد مسرحي من جمهورية مصر العربية: «منذ عدة عقود كان المسرح شأنه شأن العديد من القضايا المهمة في الوطن العربي الذي تخلص من القوى الاستعمارية المتعددة في كل ركن من أركان وطننا الكبير مما جعل أنظمة الحكم كلها داعمة لوجوده بشكل كبير وموجهة في معظم الأحيان لكي يسند هذه الأنظمة ويدعمها أيضا لدى الشعوب العربية. أما حين استتب الأمر لهذه الأنظمة وصار الخوف على العروش أهم كثيرا من وعي الشعوب فقد شكل المسرح خطرا كبيرا. مما دعاهم لتهميش وجوده أو تغريبه ليظل في حيز الترفيه والتسلية لا أكثر. ولم تترك المسرح سالما أو فاعلا بل تعاملت معه كمجرد ديكور ليس إلا، لا أرى مطلقا ولم أرَ في السنوات الماضية حتى أي أزمة في النص المسرحي العربي. لكن وجود الرقابة على الفنون هي ما جعلت المخرجين المسرحيين يتجهون بشكل أو آخر لتبني النصوص المسرحية الخفيفة أو الهشة والضاحكة فقط لكي تسيطر على الواقع المسرحي. ونستطيع التدليل على ذلك بتلك النصوص المسرحية العظيمة والجيدة التي هي نتاج المسابقات على مستوى الوطن العربي. فهي كنصوص بين دفتي كتاب أكثر أمنا من أن تقف على خشبة المسرح. متفاعلة مع جماهير عريضة تستطيع أن تخرج في مظاهرة أو ما شابه. كما أن الرقابة على الفنون دائما ما تدعم أو تقف جوار الأنظمة المنبثقة عنها أكثر من إخلاصها للمسرح ذاته. كل هذه العوامل كان من شأنها أن يتجه فنان المسرح للميديا والقنوات الفضائية التي تدفع أكثر بالطبع لأنها تكسب أكثر حتى وان كان محتواها فارغًا. وكذلك فإنه قد اتجه إلى السينما الأكثر سهولة والأكثر أمنا. من المسرح».

ومما قاله سعيد حجاج: «المهرجانات المسرحية في معظم بلداننا ليست إلا جعجعة بلا طحين أو قل ديكور. ولا اعتقد أن المهرجانات نفسها تستطيع سد الفراغ في الواقع المسرحي بقدر ما تسهم إسهاما كبيرا في الوعي المسرحي وتعلمهم وتبادل الخبرات، لكن ماذا يجدي هذا حين يكون الواقع أصلا واقعا طاردا لكل مسرح متفاعل مشتبك مع القضايا الحقيقية التي تهم الشعوب العربية وتسهم في تحررها من ربقة الاستعمار الداخلي في معظم الآحيان. بالمقابل هناك دول عربية استطاعت أن تذهب بالمسرح الحقيقي إلى الجمهور وتتفاعل معه. مثلما هو الحال في تونس أو المغرب أو الشارقة التي هي تعتبر أكثر الدول دعما للمسرح والمسرحيين ذلك لأن حاكمها سمو الشيخ سلطان القاسمي. هو كاتب مسرحي في الأساس ويعرف القيمة الحقيقية للمسرح بوجه عام».

ليس ضرورة

د. حازم كمال الدين مسرحي وروائي عراقي مقيم في بلجيكا، من جانبه قال: «المسرح لم يظهر من صلب حياتنا وتراثنا، ولم يتحوّل ضرورة حياتية أصلا، قارن عدد العروض المسرحية في المنطقة العربية أيام كان للمسرح شأن مع عدد نفوسنا في تلك الفترة (180 مليون نسمة)، في العقود التي كان للمسرح شأن، لم يكن التلفزيون وصل بعد عبر الأقمار الصناعية إلى كل بيت، ولم يتغلغل الإنترنت في بيت كل عربي: يوتيوب، نتفليكس، وسائط تواصل اجتماعية، ميديا، (بلاي جيم)، بث تفاعلي (أونلاين). إلخ، الثورة السيبرانية غيّرت بوصلتنا جذريا، ولا بدّ لي من الاعتراف بأنّ هذه الثورة تهديدٌ صميميّ للمسرح في أشكاله السائدة، وإذا كان للمسرح أن يحيا، ويصبح ظاهرة اجتماعية عريضة علينا السعي لتجديده عبر التخلّي عن كثير من عناصره المعروفة لصالح عناصر جديدة بعضها لا مسرحي، وربما لا فنيّ، ولا أدبي، ولا فلسفيّ! وعندما نسعى لتجديده راغبين بتحويله لضرورة حياتية لا ينبغي علينا تقليد الغرب، وأشدّد على عبارة (تقليد الغرب) لأنّ تحويل المسرح لضرورة حياتية يقتضي منّا التفاعل العضوي مع ثقافتنا وميكانيزماتها الداخلية. لقد عمل الغرب ويعمل على تجديد مسرحه كاستجابة عضوية لحاجات المتلقي ومرجعياته الثقافية، وفي هذا السياق نحتاج أيضا لسياسة ثقافية حكيمة لأن المسرح ليس ظاهرة فردية، وعندما تغيب مثل هذه السياسة الثقافية يغترب المسرح عن المتلقي، في بلجيكا يعيش 11 مليون نسمة، عدد العروض السنوية حوالي ألف، في بلادنا العربية يعيش أكثر من 430 مليون نسمة، وعدد العروض لا يصل ألف عرض في السنة!!! إذا كنا نؤمن بأن المسرح قابل للحياة أقترح طرح أسئلة منهجية منها:كيف نبعث في المسرح الدفق الذي يجعله يصطف على قدم المساواة مع عمالقة الثورة السيبرانية التي تشق طريقا صلدا لتشكيل جنس أو أجناس إبداعية جديدة؟

وإن كنّا نقول إن المسرح باق ما بقيت الحياة، ألا نحتاج أن نكون واقعيين (لا رومانسيين)؟ ألا ينبغي استنبات المسرح في تربة صلصالها العلاقة الجذرية مع الجمهور لا النظر إليه كقطيع، بلا ملامح؟

منذ نشوئه ظلّ المسرح ظاهرة اجتماعية تفاعلية عمادها المتلقي والمبدع. والمسرح غير قابل للحياة بلا تفاعل هذين الطرفين. كلامي ليس تجريديا، ولا يحكي عن مقولة (الجمهور عاوز كده)!

..طغيان الاتصال الحديث

بينما قال د. أنس العاقل كاتب وممثل وأستاذ في المعهد العالي للفن المسرحي في المغرب: «الفن المسرحي عامة يعيش أزمة بفعل طغيان وسائط الاتصال الحديثة، حيث أصبح المواطن العربي يفضل استهلاك ما تقترحه عليه تلك الوسائط عوض الخروج من منزله قصد الاحتفاء باللقاء الإنساني وبالفنون الحية. من جهة ثانية، فالمبدعون العرب لم يستطيعوا استيعاب هذه الطفرة سواء على مستوى بنية الكتابة والقالب الجمالي، أو على مستوى المضامين المعالجة. لقد كانت الأيديولوجيا تسند المسرح، خصوصا الإيديولوجية العربية والماركسية. لكن، بعد سقوط الإيديولوجيات التقليدية أصبحت الإيديولوجية الأصولية هي المهيمنة، لكنها للأسف تتبنى موقفا رافضا للفن عموما والفن المسرحي خصوصا، إضافة إلى ذلك فإن التمرس الجمالي للمتفرج العربي أصبح جد متطور وأفق توقعه ارتفع كثيرا، فهناك التلفزيون، وبرامج الترفيه، و«الشاو» والمنصات الرقمية التي تعرض آخر الإنتاجات العالمية.. بمعنى أن احتياجات السوق الفنية في مجال الفن الدرامي عموما تجاوزت ما يقترحه المتفرج العربي. نفس الشيء ينطبق على المسرح الخليجي الذي لم يستثمر في منظومة التكوين في مجال الفن الدرامي ولم يدمج الثقافة الفنية ضمن المقررات الدراسية. فكيف إذن سنخلق سوقًا فنية بدون خلق الحاجة لدى المتلقي؟!!».

وحول وجود أزمة نص، أم أزمة فنان، والمهرجانات، يقول العاقل: «إننا أمام معضلة متشابكة، تتداخل فيها التحولات الجمالية، والإرادة السياسية. أما ثقافة المهرجانات وإن كانت تساهم في لقاء المبدعين العرب مع بعضهم البعض، لكنها أبدا لم تستطع إرساء تقاليد الفرجة المسرحية. هناك أزمة نصوص راهنة ورفيعة، وأزمة جمالية على مستوى الإخراج المسرحي، وغياب التكوين العالي والمتخصص في مجالات المسرح المتعددة، وأزمة نقد إذ ليس لدينا نقاد متخصصون لديهم سلامة في ذائقتك الجمالية. طبعا، مع وجود الاستثناءات. لكن، عموما، المسرح في المغرب العربي والمغرب خصوصا جد متطور مقارنة مع الخليج العربي والشرق الأوسط بصفة عامة. وتبقى لمصر الريادة على مستوى المسرح الجماهيري».

ويتابع العاقل، بالنسبة للاقتراحات التي يمكن أن تنقذ «أبو الفنون» من وجهة نظره: «إقرار مادة المسرح ضمن المنظومة التعليمية كفن يساهم في تطوير شخصية المتمدرس وصقلها، وينمي الذائقة الجمالية الرفيعة لدى الأجيال الصاعدة. وإرسال بعثات دراسية إلى الدول الرائدة في مختلف مجالات الفن الدرامي. وتخصيص مساحة مهمة داخل التلفزيون العمومي لبث مسرحيات متطورة فنيا، وتغطيات عن العروض المسرحية والمهرجانات. كما يمكن تخصيص مساحة لاستضافة المبدعين المسرحيين والاحتفاء بهم، وإنشاء معاهد مسرحية وطنية وجهوية، وتشجيع المبدعين من خلال المسابقات في مجال الكتابة والعرض، وحتى النقد المسرحي، وأخيرا لا يمكن تحقيق ذلك بدون وجود إرادة سياسية وتوفير مناخ لحرية التعبير والإبداع».

بمرحلة واحدة

وممن استطلعنا رأيهم د.عجاج سليم، وهو مخرج وناقد ومترجم وأستاذ تمثيل في سورية، إذ قال: «بدأ المسرح العربي واستمر وتوهج وتراجع بمرحلة واحدة، وخريطته تأتي حسب البلد وظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ودور الثقافة وأهميتها سواء من خلال القنوات الرسمية أو الأهلية والمدنية، ففي مطلع الستينيات والسبعينيات كان له حضور جيد في بلاد الشام وجزء من المغرب العربي والعراق وحتى الثمانينيات وكان هناك مشروع نهضوي قومي واقتصادي وثقافي ودور تحريضي لليسار العربي المرتبط بالناس بشكل حقيقي، ولكن الظروف اللاحقة أدت إلى تراجع وتوقف المشاريع وحالة التوهج المسرحي، وفي مرحلة لاحقة كانت انطلاقة المسرح الخليجي حيث حقق حضورا معقولا جدا، واقع المسرح يشبه الواقع العربي، ولم يصبح ضرورة اجتماعية كون الحامل الأساسي هو الناس، ولم نصل إلى هذا المستوى بعد، وتأثر المسرح بالربيع العربي بشكل عام في المنطقة كما في العراق وسوريا التي استمر فيها المسرح وأصبح أقرب إلى مسرح المناسبة السياسية إذ كان هناك جانبان العاطفي والشعاراتي وهذا ليس المسرح المطلوب، ولكن بالمجمل لا زلنا بحاجة لكثير من العمل من اجل تقريب المسرح من الجمهور، وإن كانت هناك محاولات تبذل على مستوى مسرح الطفل والشباب لو استمرت ستؤتي ثمارها، المهرجانات المسرحية أساسية وجزء من الحياة المسرحية العربية باعتبار أن لكل مخرج فكرا فنيا يريد تقديمه، وفيها تقدم أفضل العروض، وفرصة لتبادل الخبرات والحوارات والتجارب وإقامة الندوات وتواجد الشخصيات المسرحية مما يشكل أسرة مسرحية عربية تساهم في التطوير والرقي ودعم الحركة المسرحية قاطبة، المهرجانات لا يمكن أن تكون بديلا لوجود مسرح طوال السنة يقوم بدوره المأمول، ولاشيء يعوض عن شيء آخر، حتى العروض العادية تحتاج لمهرجان، وعروض المهرجانات تحتاج للجمهور الذي ينتقد ويقيم الأعمال».وعن الاقتراحات قال عجاج: «المسرح يحتاج للدعم الرسمي باعتباره جسم ضعيف ولأنه فعل ثقافي يجمع كل الفنون، وهو مدرسة ويحرض على التغيير ويجمع كل القيم الجمالية ومنبر للثقافة والتربية، ويجب أن يكون في المدارس كتاب المسرح المدرسي لبناء جمهور مسرحي لما له من تأثير عل الناشئة، ويعزز الثقة عند الأطفال ويقوي الأواصر الاجتماعية ويكسر الخوف، وأنا لا أرى مستقبلا للمسرح العربي إلا بوجود الفرق الأهلية التي تعتبر المسرح شغفها وهدفها، وهذه بحاجة للدعم، وتوفير المسارح المجانية لها. وأقول (أعطني مسرحا أعطيك شعبا متحضرا) وبناء مسرح يقابله إغلاق سجن، التواصل بين الفنان والجمهور على المسرح هو حوار حضاري وديمقراطي ويوسع مساحة الحرية».

انحدار شنيع

فيما قال الفنان جمال قبش الحاصل على درجة دكتوراه في العلوم المسرحية: «نجاح المسرح يتطلب دائما تطوير وتضافر جميع عناصره الفنية بل و«تطعيمها» بعناصر جديدة كي تُبعد عنه الشيخوخة ويعود وفي كل مرة فتياً، وهذا هو سرّ بقاء المسرح قائماً في الغرب حتى يومنا هذا حيث يُعمل ودائما على دعمه كي لا يُهزم أمام كل جديد. أما في عالمنا العربي، فالأمر مختلف تماماً، فهناك إجماع واضح على تفريغ الثقافة عموما والمسرح خصوصا، وبشكل ممنهج، من كل ما هو مفيد وممتع، المسرح في سوريا وكغيره من الدول العربية مر بمراحل مضيئة أعطته الدفع القوي للانطلاق لكنها وللأسف لم تُدرس ولم تستثمر بالشكل المطلوب، البداية مع رائد المسرح أحمد أبو خليل القباني، وكلنا يعلم كيف أجهضت تجربته وأدت إلى رحيله وفرقته إلى مصر. وبدأت الثانية بمرحلة الوحدة مع مصر، عندما قامت الدولة بتبني المسرح وإنشاء وزارة للثقافة، والتأسيس لمسرح قومي. أما المرحلة الثالثة فكانت مع انطلاقة مهرجان دمشق المسرحي نهاية الستينات. ومن منا لا يذكر عروض المسرح القومي والتجريبي والجوال والمنافسات التي كانت بينها وبين عروض المسرح الجامعي والعمالي والشبيبة، وتوجت تلك المرحلة بإنشاء معهد متخصص بالمسرح ودار للأوبرا، وهنا نسأل: لماذا الانحدار الشنيع بالثقافة عموما وبالفن المسرحي خصوصا رغم دعم الدولة ووقوف رجالات السياسة والفكر والفن بجانبه؟ هل قامت الإدارات الثقافية المتعاقبة بالنظر وبشكل جدي وعلمي ومنهجي في قوانينها ومناهج عملها والتي، برأيي الشخصي، لم تعد تتناسب والتغيرات ومتطلبات العصر الذي نعيش، هل بحث المعنيون وبشكل عميق في أسباب هجرة القباني ورجالات مسرح وفكر آخرين عالم المسرح؟ هل بُحثوا في أسباب توقف مهرجانات المسرحية وأسباب هبوط العروض وأسباب التدهور في آلية التعليم في المعاهد المسرحي؟

لقد خرج المسرح عن مساره الحقيقي، ولم يعد هناك مؤسسات ثقافية تُعنى بآهات الفنان الحق، أو تنظر لتطلعات الجمهور التواق إلى عروض فنية عالية الجودة. ومن البديهي أيضا ألا يكون الحل وكالعادة بقرار إداري وفردي وغير مسؤول، كإعادة المهرجان المسرحي مثلاً أو حتى بإنشاء مسارح قومية هنا أو هناك أو بالاتكاء على أسماء بعض الزملاء لإخراج عرض أو عرضين «لتزيين» المواسم المسرحية والمهرجانات العربية. الحل، وبرأيي الشخصي، يكون بقرار نابع عن هم ثقافي، فني، جماعي عالي المستوى والمسؤولية. وعليه فإننا نتفهم جيداً أسباب هجرة الفنان وحتى جمهور المسرح، لأن تطلعاتهم صارت أكبر وطموحاتهم أصبحت أهم من الذي تقدمه لهم الإدارات الثقافية والفنية في البلاد».

عودة للبدايات والحلول

بعيدا عن العراقة التي تؤول قطعا للمسرح الغربي، استمد المسرحيون العرب كثير من التجارب والنصوص العالمية، والحكايا وبرعوا فيها. هناك رواد متفق عليهم ساهموا بتأسيس المسرح العربي وبناء بعض من أركانه، كما أن هناك تجارب ولا أقول مسرحا، لأنها لم تكن مستدامة، قدمت للجمهور مسرحا راقيا بكل ما تعنيه الكلمة، ولكنها تلاشت لأسباب كثيرة، ولعلنا نذكر بمسرح الشوك لدريد لحام والماغوط معا، وكيف انفرط العقد بموت الماغوط، كمثال على تلك التجارب الكثيرة في الدول العربية، ولن اسرد طويلا باقي التجارب لعادل إمام أو عبد المنعم مدبولي ومحمد صبحي أو داوود عبد الرضا لأن القائمة تطول كثيرا.وما يهمنا هنا بعيدا عن التاريخ، والتجارب التي نجلها ونحترمها، كيف ومن يعيد للمسرح العربي تواجده وفعاليته ليكون أسوة بمسارح الغرب، ويصبح حالة حضارية وثقافية متمدنة على كل المستويات، وكيف نستقطب الجمهور للمسرح، ومن يهتم بالكتاب المسرحيين الذين قدموا لنا نصوصا راقية في حقبة من الزمن. المسرح العربي في كل مكان يعاني، هذه حقيقة، ومعاناته كثيرة تبدأ بالرقابة ولا تنتهي بالدعم والأجور وتوفر المسارح، المحاولات الحثيثة هنا وهناك قد تكون خطوة، ولكنها إن لم تترافق بمشروع متكامل، ستذهب هباء منثورا. عشقي للمسرح كان يحتم علي أن اصحب عائلتي كاملة إلى المسرح ليتابعوا هذا الفن الراقي، ولكن أزمات الوطن العربي ومنها سورية بدأت تحول دوني ودونه، كما حال كل الجمهور العربي.