666
666
الثقافة

عُمان في مجلة «المنهاج» لأبي إسحاق إبراهيم اطفيش «1344 / 1924 / 1350/ 1930» «3/2»

22 ديسمبر 2020
22 ديسمبر 2020

إعداد الدكتور محسن بن حمود الكندي -

يختَصُّ المجلدُ الثاني من مجلة «المنهاج» لأبي إسحاق إبراهيم أطفيش بأعداد سنة 1345هـ حتى سنة 1350هـ، وفيه – كسابقه - مادة ثقافية وسياسية واجتماعية خصبة تؤكد الحضور العُماني المبكر في الثقافة العربية، رغم إحاطة صاحبها مشاريعه بحس عقدي مذهبي بحت لم يخل من معاناة أو قل متاعب السلطات، ومع ذلك حملت المنهاج رسالتها، وحققت آمالها، وبنت أهدافها، ووضعت التنوير نصب عينيها، وأوجدت للأمة رسالة ثقافية متوهجة تشخّص حالها وتضع لها الدواء بعد «أن توالت عليها الأسقام والهجمات أحقابا، وأصبحت – كما يقول محررها ص 3» تتغللُ بالفتك في الذين أوقعهم سوء اختيارهم في سوء العقبى «لهذا كان عليها تجديد ما اندرس، وإظهار ما انطمس من النافع من العلوم مع استلهام الاستنارة التي لا تخفى على أحد، ألا وهي كتاب الله وسنة نبيه، فكان شعارها «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» و «أعدوا لهم ما استطعتم من قوة» وأكثر من ذلك «وجاهدوا في سبيله لعلكم ترحمون»، فكان خطابها مدوياً، يحفلُ بالاستنهاض ويبني أواصله وخططه على مدافع الخطاب، ونبراس السهام، ويراهن على الكلمة وتأثيرها... فما أبلغها من توجهات، وما أنبلها من مواقف!: إنها منافحةُ المخلصين المؤمنين الصادقين، وفي ذلك تقول المجلة على لسان محررها ص 2 «فليعلم الذين يصّدون عن اقتباس لوازم القوة وحفظ كيان الأمة والدين، وعن ابتناء القلاع الحصينة بالقوى.. إنهم يسعون إلى خراب ديارهم، وكسب أعدائهم، ولا يظنن عاقل أن مجرد الوقوف على أحوالهم وإدارك سطحياتها نافع، ومبلِّغ إلى الغايات المنشودة، وربما خدَعَ فَجَدع، أو ختلَّ فبخعْ».

صدرت أعداد «المنهاج» في هذا المجلد بعد توقفٍ واحتجابٍ بموانع قسريّة، بفعل تعنّت السلطات وازدياد الرقابة، وهيمنة خطاب الآخر المناوئ الذي لا يخفي خفاياه ولا يغلف نواياه، ولا طرقه الوعرة، وكان العزمُ على إصدارها نصفَ شهرية، وإظهارها في حُلةٍ قشيبة ـ كما جاء في مقدمة محررها المجاهد أبو إسحاق الضافية ذات المعاني الكافية، وجاءت فيها المادةُ العُمانية في ذات السياقٍ الاستنهاضي البالغ القوة واتخذت العناوين الآتية:

-«عُمان نبأ عظيم» مجموعة أخبار ومقالات سياسية وقصائد حول تطور الأوضاع في القطر العُماني نقلت «المنهاج» بعضها من مجلة «ألف باء» في عددها 1768، ونشرتها في ج1/ م2، الصادر بتاريخ محرم وصفر 1345، كما تضمَّن ص 26 ثلاث قصائد في الترحيب بالباشا سليمان الباروني الذي حلَّ ضيفاً بعُمان في تلك الفترة الفارقة: القصيدة الأولى للشيخ عيسى بن صالح الطيواني وتبلغ أبياتها (22 بيتا) مطلعها:

أقومي إنَّ للعليا رجالاً

لهمْ في نيلها رأي وفكر

لها نحروا الكرى بنصال عزم

وفي وثباتها قصد وكر

والثانية لأبي سلام الكندي تبلغ أبياتها (25 بيتا) طالعها:-

قمْ سليمانُ في صلاحِ العباد

لا تُبال بقولِ أهل الفسادِ

إنما أنت عالمٌ كيف أضحت

أمم الغرب تزدري بالعبادِ

والثالثة منظومة للشيخ سالم بن سليمان البهلاني بلغت أبياتها (30 بيتا) وطالعها:

بلبل الأيك ترنم بالخبر

أتحف الكونَ بآيات البشر

وترنَّحْ بأناشيدِ الحَبَرْ

إذ فتى الدَّهرِ ترقَّى للمرام

يا يراع الشعر أساس للقياد حرِّك الأوتار قد هام الفؤاد

أطرب الناس بنجد ووهاد إذ غدا البدر وزيراً للأمام

والرابعة لسعيد بن سليمان الحراصي وعدد أبياتها (17 بيتا) مطلعها:

الله أكبرُ فجر اليُمن قدْ وَضُحا

والحقُ والله بابُ النصرٍ قَدْ فُتِحا

فجرٌ تبلَّج للإسلام عن هِممٍ

وكان من قبلِ هذا الفجرٍ ما لمَحا

لمَّا تربّع أستاذُ السياسةِ في مرقاه

وهو بعرشِ المجدِ ما بَرِحا

- قصيدةُ الشاعر «أحمد بن سلطان بن سليّم الياسي» أرسلها من دبي بتاريخ 20 /4/ 1345 هـ، وعنونتها مجلةُ المنهاج بـ «شاعر آل سليم والانقلاب الحديث بعُمان» ونشرتها «المنهاج» في ج1 / م2 / 74 الصادر بتاريخ محرم وصفر 1345 هـ، وتبدو فيها الروج العمانية الطافحة من هذا الشاعر العماني وطناً وكياناً ومن أبياتها الجميلة المفعمة بالفخر:

هنئتْ عُمان بما حازته بلدانُ

إذ أحرزتْ بك فتحاً يا سليمانُ

ألقى إليك مقاليد الأمور بها

من حثه لطريق الهَدْي إيمانُ

جاد الإمام بها حبّ الصلاح

من المليك مباراة وحسبانُ

هيا بني وطني قد حانَ وقتكم

فامضوا سراعاً عسى الأعمالُ تزدانُ

هيا بني وطني قد قامَ رائدكُمْ

لبّوا النداءَ فإنّ الوقتَ جذلانُ

- مقالٌ ثقافيٌّ طريفٌ كتبه أبو إسحاق نفسه بعنوان: «مقدمة المولد النبوي» نشرته « المنهاج « في ج1 / م2 / 75 الصادر بتاريخ محرم وصفر 1345، ومما جاء فيه «تبرعت عمَّة الشيخ الجليل سالم بن محمد الرواحي بطبع مولد الرسول عليه الصلاة والسلام للعلّامة ناصر بن سالم بن عديم الرواحي، وجعله وقفاً لله تعالى على المسلمين، فرأيتُ من المناسب أن أجعل له مقدمة تبيّن المقصود من إقامة المولد، وما ينبغي أن يُقَدَّم فيه...».

- مقالٌّ سياسيٌّ استقرائي مفصّل بعنوان «عُمان» وهو يرصدُ الأحداث السياسية، ويحيط بمستجدات الأوضاع في تلك الفترة الفارقة، ويكشف ألاعيب الاستعمار، وقد نشرته المنهاج في ج1 / م2 / م3/37 الصادر بتاريخ محرم وصفر 1346، ومما جاء فيه ص 39 « لم تزل إلينا الأنباء من عُمان بتحسن الأحوال وسرور الأمة العمانية بالإصلاحات الجارية وظهور نتيجة النظم الحديثة التي أدخلها إلى المملكة أمامنا المؤيد أبو عبدالله الخليلي بواسطة وزيره الأفخم عطوفة الباروني باشا، وقد خفت صوت المعارضة، وتجلى الرضا في كل الأنحاء على غالب الوجوه.. ».

وعن اضطرابِ وثورة بعض القبائل يقول كاتب المقال في الصفحة نفسها: «ومن أهم ما الأنباء الواردة إلينا هيجان الأمة وثورة بعض القبائل لما أراد الإنجليز تأسيس طريق الطيران على سواحل عُمان يوصلهم إلى مستعمراتهم إلى الهند بعدما فشلوا في إنشاء مراكز الطائرات في فارس..».

-مقالٌ ثقافيٌّ دعائي عن كتاب « جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام » لنور الدين السالمي وربما يكون هذا المقال من أوائل المقالات التي كتبت عنه بعد صدوره ، وقد نشرته « المنهاج » في ج1 / م2 / م3/37110 الصادر بتاريخ محرم وصفر 1346، ومما جاء في التعريف بهذا الكتاب 110» إن كتابنا هذا عظيمُ الفائدة جليل العائدة، وقد تجدد طبعه في حجم كتاب الذهب الخالص، وجوهر النظام يصحُّ أن نقول: إنه كقاموس الشريعة حيث احتوى على أهم فنونها وآدابها، وجمع إلى ذلك طرائف المسائل التي قلَّ أن يجد الإنسان إلا بعد الجد والتنقيب والعناء الكبير في المطولات، وفيه استنباطات المؤلف».

- مقالٌ ثقافيٌّ استعراضي لكتاب «جامع أركان الإسلام للشيخ سيف بن ناصر بن سليمان الخروصي من علماء زنجبار» وربما يكون هذا المقال من أوائل المقالات التي كتبت عنه بعد صدوره، وقد نشرته « المنهاج « في ج1 / م2 / م3/37110 الصادر بتاريخ محرم وصفر 1346، ومما جاء في التعريف بهذا الكتاب 111» وهو كتاب مختصر في موجز من أصول الدين وأركان العبادات اختصرها المصنف اختصارا غير مخل بعبارات متينة جديرة بالثناء..» والكتابُ يقعُ في مائة وعشرين صفحة أو تزيد يجد فيه القارئ المبتدئ قسما في العبادات وشيئا من الأخلاق والآداب. والتهذيب، وقد قال مؤلفه في فتحته ص 2 « وطالما سولت لي نفسي أن أضع رسالة تتكفل بالمرام... فيعوقني عن ذلك ما أنا به من القصور، ومن حيث العلم قد أدبرت أيامه، واندرست أعلامه، حتى جدّد في نفسي طلبُ بعض الإخوان، فانتهزت لجمعه فرصة من الزمان، فدونته مختصراً حريًّا بالقبول « جمعته من الأثر، وأخذته من السادة الغرر، وعولت فيه غالباً على أثر سيدي أبي نبهان ومختصري قطب الأئمة رحمهما الله ، ولم أحك الأقوال كلها في المسائل روما للاختصار».

ويشيرُ المقالُ أو قلْ الإعلان إلى أن القارئ يُمْكنه أن يجدَ نسخاً من هذا الكتاب في مكتبة الاستقامة بتونس، أو من الناشر الشيخ الجليل سالم بن محمد الرواحي بزنجبار.

هذا وقد حوى هذا الكتاب المرجعي كبير الفائدة والقدر - أبواباً وفصولاً وأركاناً منها ركن في الاعتقاديات، وركن في الصلاة ، وركن في الزكاة ، وركن في الصيام، وركن في الحج، وخاتمة في الأخلاق، وتضمَّن نصوصاً ثلاثة تمثل أساً في ثقافيًّا وروحيًّا في العقيدة الإباضية ألا هي خطب المحقق الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي في عيدي الفطر والأضحى، وفي الاستسقاء.

- مقالٌ سياسيٌّ بعنوان «عُمان الاستعمار وما دسَّه لمملكة عُمان» يقرأ الأحداث السياسية، ويحيط بمستجدات الأوضاع في تلك الفترة الفارقة، ويكشف ألاعيب الاستعمار، وقد نشرته المنهاج في ج1 / م4 / 45 الصادر بتاريخ محرم 1347هـ، ومما جاء فيه ص 45 أخبار عن زيارة السلطان تيمور للمملكة بريطانيا ولقاءاته بالمسؤولين الإنجليز.

- مقالٌ ثقافيٌّ بعنوان ثمرات المطابع: كتاب تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان «للإمام نور الدين السالمي نشرته مجلة «المنهاج» في ج1 / م4 / 47 الصادر بتاريخ محرم 1347، ومما جاء فيه ص 47» أنه يحتوي على قسم زاهر فخيم من عصور عُمان، وهو عصر كفاح الأئمة اليعربية مع الاستعمار العتيد يومئذ البرتغالي، وتطهير تلك الأقطار من رجسه، والنهوض بالأمة العمانية العربية إلى أوج العلا والسعادة وظهور الدولة البوسعيدية العظيمة.. والتاريخ عبرة وعظة يستمد منه الفكر الحسي في كثير من أطوار الحياة».

- مقالٌ ثقافيٌ بعنوان «الجامع الصحيح: مسند الإمام الربيع بن حبيب» نشرته مجلة «المنهاج « في ج1 / م6 / 30 الصادر سنة 1350هـ ، ومما جاء فيه ص 30»هذا المسند من أول المؤلفات في حديث المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ومن أهم كتب السنة وأصحابها، وقد طبعناه طبعا متقنا مشكول متن الحديث؛ ليعتني الناس بحفظها وينتفعوا بها، وهذا الصحيح غني عن البيان، وهو من كتب الأوائل الذين أقرب إسنادا إلى الصحابة.. » .

هذه هي معالم المادة العُمانية التي قدَّمتها «المنهاجُ» في مجلدها الثاني، وهي كسابقتها تتفاوت بين الإخبار والعرض والإشهار والتحقيق المقتضب، وقد واكبتها ظروفُ المرحلة، ودفعت بها معطيات الحالة العُمانية في أهم مفاصلها، وما كان يعتمرها من أشكال الامتهان الثقافي والسياسي والاجتماعي في ظل سلطاني سياسيتين (الإمامة – والسلطنة)؛ إذ جاءت المادة في وقت عصيب شهدت فيه البلاد جملة من التحولات على كافة الأصعدة، ولم يكن «للمنهاج» إلا مسايرتها والأخذ بها مستلهمة النصرة والدفاع والوقوف معها بما يعينها ويخلصها مما علق بها؛ خاصة على المستوى السياسي الذي حركتها قوى الاستعمار وأوجدته مفردات التدخلات الأجنبية وانقسام البلاد بين مؤسستين حاكمتين، ونحن نُسَجّل لما مضى من عرضٍ للمادة الُعمانية ضمّتها صفحات مجلة «المنهاج» جملةً وتفصيلاً في الملاحظات الآتية:

-أن المادة العُمانية واكبت توجهات المجلة السياسية وتوجهات خطابها الاستنهاضي المحض، فلم تحد عنه؛ لهذا لا ترى فيها غير سياق نهضوي يستنهضُ الهمم، ويدعو إلى الثورات، ويطمح إلى إصلاح الحال من مفهوم ديني عقدي إباضي بحت.

-أنها تدور حول فلك « الاستنهاض» شكلاً ومضموناً، يستوي كل ذلك في خطابها النثري ( المقالات ) أو الشعري.

-يحضرُ سليمان باشا الباروني الزعيم في صدارة المواضيع المدرجة عنه، وبالأخص فيما يخصّ أدواره السياسية وقصائده الشعرية وحراكه العلمي والسياسي والاجتماعي في الديار العُمانية ، وكأنها مسخرة له لا غيره.

-ومن الناحية الفنية تغيبُ عن بعض المقالات أسماء كتابها، فتبدو بلا مؤلف أو مُعد، ويبدو أنها من وحي الباروني نفسه إن لم تكن بتكليف منه على نحو ما نرى في أقلام الشيخ عيسى بن صالح الطيواني وأبو سلام الكندي أحياناً.

-تنقلُ «المنهاج» مادتها العمانية من صحف موازية من مثل الشورى وجريدة العراق، ومن بعض المراسلين من المشايخ الذين يرد أسمائهم مبهمة بتخفٍ دون تصريح وبعبارة «أحد علماء الإسلام بعُمان» وربما لتك الظاهرة ما يبررها من انعدام المراسلين أو وكالات الأنباء.

-تمثلُ الرسائل العُمانية التي نشرتها «المنهاج» وثيقة مليئة بالأحداث والآراء والتصورات ،وما يعتمل الساحة السياسية العربية من وقائع مثيرة، ومن ثم فهي مفيدة لفهم مواقف السلطان تيمور بن فيصل، والإمام الخليلي تجاه الفعل السياسي المحتدم آنذاك.

-تمثلُ جهود «المنهاج» بالتعريف بالكتب العُمانية والمؤلفات الصادرة في تلك الفترة المبكرة - أولى الكتابات عنها، يستوي ذلك في مجموع الكتب التي تناولتها وقدمتها في باب « ثمرات المطابع» شأن « الجامع الصحيح» و»جوهر النظام» و «جامع أركان الإسلام» و «تحفة الأعيان» أو جهود الناشرين الذين نشروا هذه الكتب سواء في زنجبار أو مصر، أو أماكن تداولها سواء في مكتبة الاستقامة في تونس أو زنجبار..

-تمارسُ «المنهاج» فعل الترويج التجاري لمنتجها الثقافي بشيء من الاحتفاء، فهناك إعلانات وإشهارات وتقديمات ثقافية لكتب صادرة في وقتها على نحو ما وجدنا لكتاب «الجامع الصحيح» الذي أشارت المجلة في خاتمة مقالها عنه ص 30 : «وسنشرع في توزيعه، وثمنه 25 قرشاً، مجلداً، ورقه خفيف، و30 قرشاً مجلدا ورقه عال دون البريد».