أفكار وآراء

«اللص» وأعياد رأس السنة

22 ديسمبر 2020
22 ديسمبر 2020

مصباح قطب -

قال بابا الفاتيكان البابا فرانسيس، إن النزعة الاستهلاكية سرقت منا أعياد الميلاد ، ودعا الحبر الأعظم في عظته الاسبوعية الأحد الماضي إلى استلهام الجو الذي ولد وعاش فيه السيد المسيح والذي كان فيه فقر مع كثير من الحب.

وعلى الرغم من أن مثل تلك العظة شائع في مختلف الثقافات والاديان، وهو يتخلل بقوة خطابنا العام ، ويظهر في جمل مثل: «الناس بقت مادية قوي» ، و « المادي غلب الروحي» ، و « ضعفت القيم الايمانية وارتفعت شهوة الاكتناز والاستهلاك» ، وكلها يشير الى وجود « لص» يسرق من الانسان طبيعته الا وهو حب المادة والشره للاستهلاك ، بيد ان للقضية جوانب كثيرة تستحق المناقشة خاصة هذه الأيام. يتحرك النمو في أي بلد بالعالم مدفوعا بالاستهلاك وهو يشكل من٦٠ إلى ٩٠ ٪ من محركات النمو، وتزيد النسبة او تنقص بحسب درجة التطور الاقتصادي ، ونمط الثقافة السائد، ومستوى العلاقات مع العالم الخارجي، ومن المحركات كذلك الصادرات والاستثمار ( والادخار) . وينقسم الاستهلاك إلى عام وخاص وعائلي، وأدت سنوات من الإصلاحات الاقتصادية اليمينية الطابع في المنطقة والعالم إلى تراجع نسبة الاستهلاك العام، مع صعود نسبتي الخاص والعائلي، وبقدر ما ترتفع الشعارات هنا أو هناك لترشيد الاستهلاك وزيادة الإنتاج، الا أن الشاهد ان الاستهلاك العائلي يزيد عاما بعد آخر، وتزداد معه العجوزات في الموازين التجارية لكثير من دولنا، دون أمل كبير فى تدارك ذلك. لكن العقدة الحقيقية في شأن الاستهلاك في نظري تتمثل في أن فرص العمل القائمة على كل ما له صلة بالاستهلاك أصبحت من الصخامة بمكان حتى فيما يسمى الاستهلاك الترفي او المظهري، بحيث إن أي دعوة إلى ترشيد استهلاك ما يمكن ان يقال عنه إنه لا لزوم له، على الأقل وقت الأزمات كوقتنا هذا، يمكن أن تسبب خللا شديدا في سوق العمل، وأضرارا بمصادر دخل ألوف مؤلفة من الأسر. يتحدث كثير من المفكرين عما يسمونه التشيؤ، أي تماهي الإنسان مع الأشياء، وزيادة درجه المكون المادي التبادلي في حياتنا، وهذا في تقديري صحيح وجزء من أسبابه واضح تماما للجميع ألا وهو تغير أنماط الحياة الخاصة والأسرية والاجتماعية عموما لصالح النزعة الاستهلاكية، وضغوط الإعلانات وجبروت قوى «الماركتنج» ، لكن في تقديري ان عكس دفة هذا الاتجاه ليست سهلة ، وتحتاج إلى وقت طويل جدا وعمل شاق على أصعدة مختلفة، وهي مهمة ثقيلة بالذات مع الأجيال الحالية التي تعولم نموذجها الاستهلاكي ولا تكترث بإدراك طبيعة تطور ومستوى دخول، بلدها وأسرها . من عاشوا على البسيط مثلنا، مغتنين بالقراءة والشغف والعمل العام والفن وتأمل الطبيعة ، أصبحوا عاجزين عن ان يلهموا الجيل الحالي، رغم ان فيه نسبة عالية جدا من الموهوبين والأذكياء. يزيد تعقيد المهمة ان بلادنا لا تنتج ولا تنافس كما يحب، كما أن الإنتاجية فيها متدنية... ، والذي يتعب في الإنتاج يقدر قيمة الأشياء اكثر، ولهذا فدولة مثل ألمانيا فيها درجة عالية من الرشادة الاستهلاكية، قلّ ان تجد مثلها فى دول اقل غنى من ألمانيا بمراحل. نحتاج إلى بعث روحي حقا، ونحتاج ايضا الى كبح « اللص» وبناء أولويات سليمة في استهلاكنا، وكل عام وانتم بخير.