أفكار وآراء

عقد فضاء ما وراء القمر

08 ديسمبر 2020
08 ديسمبر 2020

إميل أمين -

صباح الثلاثاء الماضي، كانت وكالات الأنباء الدولية تنشر خبرًا عن هبوط مسبار «شانغي 5»، الصيني بنجاح على القمر، في مهمة أساسية في إطار برنامج الصين لإرسال روّاد فضاء إليه بحلول عام 2030.

والشاهد أن هذه الخبرة الصينية ليست الأولى بالنسبة للقمر، فقد سبقتها تجربتان من قبل، وهناك من الأنباء ما يشير إلى أن الصين تخطط للذهاب إلى ما هو أبعد، أي ناحية الكوكب الأحمر، أي المريخ بنوع خاص.

هل هي الصين وحدها من يسارع إلى فك طلاسم الفضاء الخارجي؟ المؤكد أن هناك علامات استفهام تثير حيرة البشر منذ زمن بعيد، هل البشر فقط هم الكائنات الحية في هذا الكوكب، أم أن هناك كائنات أخرى لديها أنواع من الحياة، بعضها قد يكون متقدمًا معرفيًا عن عالمنا، أو متأخرًا؟ ثم هل يمكن لموارد الفضاء من معادن وغازات أن توجد نوعية حياة البشر على سطح الكرة الأرضية؟

مثير هو العقل البشري في كل الأحوال، ذلك انه في عام 1898 سطر الكاتب الإنجليزي «هربرت جورج ويلز»، روايته الشهيرة «حرب العوالم»، التي قال فيها: إن سكان المريخ سيغزون الأرض، وفي الواقع فان الناظر اليوم إلى برامج الفضاء الأمريكية والروسية، الأوروبية والصينية، يدرك وبدون المزيد من المجهود أن سكان الأرض هم الذين يخططون لغزو المريخ، والتساؤلات تدور في الوقت الحاضر عن كيفية تحويل المياه على سطح كوكب المريخ إلى أكسجين يمكن الإنسان من التنفس.

عرف المريخ بأنه كوكب الصخرة المتجمدة، فهو كوكب بارد قارس بدرجات حرارة تحت درجة التجمد، وسطحه صحراوي اجرد، ويتعرض لعواصف كوكبية ضخمة، كما أن غلافه الجوي غير سميك يتألف من غاز ثاني أكسيد الكربون وبحوالي 1 في المائة من كثافة جو الأرض وغير صالح للتنفس، وعليه فإن أي شخص سيئ الحظ بما يكفي كي يوجد على سطح المريخ من دون بذلة فضاء سيختنق ويتجمد وينفجر في النهاية.

هل يبقى العقل البشري عاجزًا عن التعاطي مع المريخ أي ما وراء القمر، بوصفه النقطة الأبعد التي وصل إليها الإنسان؟

في منتصف يناير الماضي، كان مؤسس شركة سبيس إكس، يعلن جدولًا زمنيًا لنقل مليون شخص إلى المريخ بحلول 2050، وتعتمد تقديرات ماسك، بكل بساطة، على معادلته التي تفترض أن مركبته المبتكرة «ستارشيب» ستتبع نمط تسيير ثلاث رحلات يوميًا، أي حوالي 1000 رحلة في العام الواحد.

أحلام الفتى ماسك تكاد تكون ضربا من ضروب الخيال، لكن الواقع يخبرنا أنه بارع جدًا في تحويل الخيال إلى حقيقة، والسعي عبر العمل المضني؛ لأن يضحى المستقبل هو صناعة البشرية الآن، ففي تغريدة له عبر تويتر قال: «إن إطلاق 1000 رحلة سنويًا لا يحتاج إلا إلى بناء 100 سفينة فضاء كل عام، ليصبح مجموعها 1000 خلال عشر سنوات، أي أنها ستنقل 100 ألف راكب في كل مرحلة تزامن مداري بين الأرض والمريخ.

هل يتوقف ماسك عند حدود التنظير الفكري أو حتى العلمي، أم أنه يمضي قدمًا في طريق الإعداد لتحويل الطروحات والشروحات الخيالية، إلى منطلقات علمية قابلة للتحقق في المدى الزمني المنظور؟

من الواضح أن ماسك يفكر بعزم ويعمل بحزم، لا سيما وأنه قد أعلن قبل نحو عامين عن خطة لاستعمار المريخ، وأطلق عليها «مبادرة قاعدة ألفا المريخية»، وقد بينت صور نشرها ماسك في 2018، مواقع هبوط على المريخ، وإنشاءات على شكل قباب، بدا أنها ستزود بالطاقة عبر مزارع شاسعة للطاقة الشمسية وبحسب الخطة نفسها سيعيش الناس في مستعمرة ماسك المقترحة داخل قباب مغلقة، صممت لتعكس الإشعاعات الضارة، ولتحفظ سكانها بدرجات حرارة مناسبة، فحرارة المريخ شديدة الانخفاض بحكم مداره البعيد عن الشمس، وتعتمد خطة «سبيس أكس» لنقل البشر إلى المريخ، على عملية فيزيائية أساسها اقتراب الأرض والمريخ من بعضهما البعض خلال دورانهما حول الشمس.

هل يعد ماسك مفاجأة مذهلة من أجل أن يصبح المريخ صالحًا للعيش الآدمي؟

ربما هذا ما كشفته صحيفة «ديلي ميل» البريطانية في شهر مايو الماضي، حين أشارت إلى أن ماسك يخطط لإسقاط آلاف الرؤوس النووية على كوكب المريخ.. لماذا يفعل ذلك؟

ببساطة لأن تفجير هذه القنابل فوق كل من قطبي الكوكب الأحمر، سيطلق ما يكفى من غاز ثاني أكسيد الكربون لتدفئة الغلاف الجوي، وتحويله إلى كوكب شبيه بالكرة الأرضية يمكن العيش عليه.

لكن مسؤول في الفضاء الروسي يشكك في الخطة الطموحة لماسك، فقد كتب مدير وكالة الفضاء الروسية «الكسندر بلوشيفكو» عبر تويتر يقول: إن «ماسك سيحتاج إلى نحو عشرة آلاف صاروخ نووي كحد أقصى لتنفيذ مخططه الخاص بالمريخ». عقد فضاء ما بعد القمر إذن يبين لنا أن العالم وعلى امتداد الفترة من 2020 إلى 2050 يحتاج بشكل كبير وعاجل إلى نماذج مختلفة جذريًا من الصواريخ لتأدية وظيفة جديدة، وهي القيام برحلات بعيدة المدى بين الكواكب في أعماق الفضاء، بما في ذلك خدمة قاعدة من أجهزة الإنسان الآلي على القمر واستكشاف حزام النجيمات والشهب، بل إمداد قاعدة مأهولة بالبشر على المريخ، وبحلول ذلك الوقت ستصبح الرحلات إلى الكواكب أمرًا عاديًا، وما يلزم هو توفير وسائل رخيصة يعتمد عليها للنقل.

في هذا السياق البحثي يمكن القول: إنّ العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين سيتحول فيه الاهتمام تدريجيا من نظامنا الشمسي الخاص إلى النجوم القريبة، ولقد سر العلماء جدًا لاكتشافهم في عام 1997، نحو 13 كوكبًا خارج المجموعة الشمسية، تدور حول نجوم قريبة بمجموعات معروفة، مثل العذراء والدب الأكبر والفرس الأعظم، ولكنها لسوء الحظ، كواكب ضخمة شبيهة بالمشترى، ومن المحتمل أنها غير مسكونة.

ولعل أجهزة البحث العلمي في السنوات العشر القادمة تضحى حساسة بما يكفي لاكتشاف كواكب صغيرة شبيهة بالأرض، تدور حول نظم نجمية قريبة، مما يشجع العلماء على الوصول إلى النجوم.

هنا يخبرنا عالم الفلك الأمريكي «آلان بوس»، من معهد كارنيجي في واشنطن «إن الاكتشاف الذي نطمح بشدة إلى تحقيقه هو العثور على كوكب بعد الشمس قادر على دعم الحياة».

وكما أن احتمال اكتشاف الحياة على المريخ سيكون الدافع لمعظم استكشاف الفضاء في الفترة الأولى من القرن الحادي والعشرين، فإن إمكان إيجاد كواكب شبيهة بالأرض خارج نظامنا الشمسي، قد يدفع نحو اكتشاف الفضاء بين النجوم خلال نهاية القرن الحادي والعشرين؟

ما الذي يتبقى قبل الرحيل؟ بلا شك التساؤل المثير والمخيف: هل سيستغل البشر اكتشافات الفضاء من رخاء الإنسانية، أم سيعمدون إلى عسكرة الفضاء؟