أفكار وآراء

نتانياهو ومخاطر الأسابيع الانتقالية !!

07 ديسمبر 2020
07 ديسمبر 2020

د. عبد الحميد الموافي -

إذا كانت الفترة الانتقالية هي الفترة الفاصلة بين تطورين، أو حدثين كبيرين، أو أنها الفترة السابقة على الدخول إلى مرحلة أو حالة جديدة، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي في دولة ما، أو على صعيد العلاقات الثنائية بين دولتين أو أكثر، أو على الصعيد الإقليمي والدولي في حالات محددة، فإنها ترتبط وتتوقف عادة على طبيعة التطور الجديد، والآثار المترتبة عليه، ومدى اتساعها وتأثيرها على المستويات المختلفة

ومن ثم فإن مصطلح «الانتقالية» يظل نسبيا لارتباطه بالاعتبارات والعوامل المؤثرة في الفترة الانتقالية وتقييم الأطراف المختلفة لها بالطبع، والمدى الزمني لها أيضا. وإذا كنا عرفنا الكثير من الفترات الانتقالية، على مستوى دولة محددة، أو على مستوى العلاقات بين دولتين أو أكثر، وما تتسم به في كثير من الأحيان من توافق بين الأطراف المعنية، سواء لكسب الثقة أو لتدعيمها فيما بينهم ، أو للتهيئة لخطوات يمكن أن تدفع لحل مشكلة أو خلاف ما، أو لوقف إطلاق نار دائم بين الأطراف المتحاربة، وهو ما يجعل الفترة الانتقالية، في حالة التوافق عليها بين الأطراف المعنية، فترة تتسم بالإيجابية والرغبة في حل الخلافات بوجه عام، وتجنب مزيد من التعقيدات بالنسبة للمشكلة، أو للحالة موضع الاعتبار، فإنه يمكن القول إن الفترة الانتقالية الممتدة منذ الآن وحتى العشرين من يناير القادم، أي حتى تولي الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن لمقاليد السلطة في واشنطن وخروج ترامب من البيت الأبيض، هي فترة مختلفة عما سبق الإشارة إليه، ليس فقط لأن الرئيس ترامب لا يزال لا يريد الاعتراف بنتائج الانتخابات الأمريكية التي جرت في الثالث من نوفمبر الماضي، وأن حملته الانتخابية لا تزال ترفع بعض الدعاوي القانونية لإبطال نتائج الانتخابات في بعض الولايات الأمريكية مثل جورجيا، ولكن أيضا لأن الرئيس ترامب أوضح بجلاء أنه يريد أن يترك أكبر قدر من المشكلات والعقبات أمام الرئيس الجديد، سواء على الصعيد الداخلي الأمريكي، أو بالنسبة للأوضاع في الشرق الأوسط والأوضاع الدولية بوجه عام، بما في ذلك ما يتصل بالاتفاق النووي مع إيران. ومع أن هذه حالة نادرة في السياسة الأمريكية وفي عملية انتقال السلطة والعلاقات بين الرئيس المغادر لموقعه والرئيس الذي سيخلفه، بحكم أن المصالح الأمريكية الوطنية - الداخلية والخارجية - تفرض حدا أدنى من التوافق والتنسيق بين الإدارتين المغادرة والقادمة بالنسبة لشؤون عدة، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الأسابيع، الممتدة حتى العشرين من يناير القادم خطرة على الأقل بالنسبة للشرق الأوسط ؟ في هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي:

أولا: على الصعيد الأمريكي، المتصل بالملف النووي الإيراني، فإنه ليس من المبالغة القول إن حدود الحركة الأمريكية ضد إيران انحسرت وتنحسر إلى حد كبير مع مرور الأيام القادمة. ففي حين عارض مستشارو ترامب القيام بأي احتكاك عسكري ضد إيران للمخاطر المترتبة على ذلك، كما أن ترامب أطلق يد وزير خارجيته مايك بومبيو لإدارة الملف الإيراني، ليتفرغ هو لمتابعة ما يتصل بالانتخابات الأمريكية، فإن ترامب كان واضحا، وفقا للمصادر الأمريكية، بأنه لا ينبغي الإقدام على خطوات يمكن أن تؤدي إلى حرب مفتوحة مع إيران. ومن ثم فإن الإجراءات التي يمكن أن تتخذ هي مزيد من العقوبات الأمريكية ضد مزيد من الشخصيات والشركات الإيرانية والوصول بالضغط الاقتصادي على طهران إلى أقصى مدى ممكن. غير أن ما يقلل بالفعل من أثر وتأثير ذلك أن أية عقوبات أمريكية جديدة تستغرق بالضرورة بعض الوقت لكي تبدأ فاعليتها وتأثيرها العملي بالنسبة لإيران، والأسابيع الستة التي تفصلنا عن العشرين من يناير القادم لا تكفي على الأرجح لتحقيق ذلك. من جانب آخر فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية استطاعت خلال الفترة الماضية احتمال العقوبات الأمريكية رغم قسوتها، ورغم أنها كلفتها نحو 250 مليار دولار، حسبما أعلن الرئيس روحاني قبل أيام، ومن ثم فإن أية عقوبات جديدة لن تؤثر عمليا على الدولة الإيرانية التي تسعى إلى التكيف، وإلى التهيئة أيضا لفتح صفحة جديدة مع الإدارة الأمريكية الجديدة بشكل أو بآخر. وبالنسبة للتهيئة لفتح صفحة جديدة مع إدارة بايدن، الذي كان هو نفسه جزءا من جهود الاتفاق النووي مع إيران قبل عام 2015 وبعده، بحكم أنه كان نائبا للرئيس الأمريكي الأسبق أوباما، فإنه من المرجح أن طهران ستعمل من أجل تجنب تعقيد العلاقات مع الإدارة الجديدة، وتفويت الفرصة على ترامب في محاولاته للإبقاء على أكبر قدر من المشكلات في العلاقات الأمريكية الإيرانية، وإدراك القيادة الإيرانية لأهمية التهيئة لمرحلة جديدة هو إدراك قوي وواضح، وتم التعبير عنه على مستويات إيرانية عدة.

ثانيا: انه اذا كان مصدر الخطر خلال الاسابيع الستة القادمة لن يكون أمريكيا على الأرجح، نظرا للحسابات الأمريكية والإيرانية والدولية، وذلك برغم ما تردد من أن إيران تعتزم تركيب أجهزة طرد مركزي من الجيل الثاني الأكثر تطورا، وأنها ماضية في عمليات تخصيب اليورانيوم وأن هناك قرار من مجلس الشورى الإيراني، وافق عليه مجلس صيانة الدستور، بالحد من التزامات إيران بالاتفاق النووي واستئناف عمليات تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز الحد المحدد في الاتفاق النووي وهو 6.3 % إذا لم تلتزم واشنطن بالاتفاق النووي خلال شهرين، فإنه ليس من المبالغة في شيء القول بأن مصدر الخطر الأساسي خلال الأسابيع القادمة هو إسرائيل وسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ليس فقط لأنه كان ولا يزال يتوق إلى الاشتباك العسكري مع إيران، غير أن واشنطن تغل يده حتى الآن على الأقل لأسباب عديدة، ولكن أيضا لأن نتانياهو له حساباته الخاصة بالوضع الداخلي في إسرائيل، وبفرص ووسائل وتكتيكات الاستمرار في السلطة، حتى لو تم الدخول في انتخابات نيابية جديدة في إسرائيل، بعد فشل حكومة الوحدة الوطنية مع بيني جانتس رئيس حزب «أزرق / ابيض» الشريك في الائتلاف القائم في إسرائيل منذ أبريل الماضي.

على أية حال فانه من المرجح إلى حد كبير أن يجد نتانياهو نفسه في وضع غير موات، بل وغير قادر أيضا على قلب الأوضاع في المنطقة رأسا على عقب، بالعدوان على أي منشأة إيرانية نووية، حتى وإن كان يملك القنابل الأمريكية الضخمة والقادرة على تدمير التحصينات الموجودة تحت أعماق مختلفة تحت سطح الأرض أو في مواقع جبلية إيرانية. فبغض النظر عن أية رغبات لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن التورط الأحمق في ضرب أية منشأة إيرانية، سيفتح الباب أمام مضاعفات لا يعلم أحد إلا الله أين يمكن أن تنتهي أو متى تتوقف، وهو أمر لا تحبذه ولن تؤيده أية قوة دولية أو إقليمية مسؤولة، وحتى داخل إسرائيل لن يستطيع نتانياهو أن يتخذ قرارا بالحرب ضد إيران بعيدا عن الكنيست ومؤسسات الدولة الإسرائيلية الأخرى، لأن العدوان على إيران يمكن أن يتحول إلى حرب إقليمية أوسع من تقديرات أي طرف إقليمي أو دولي وهى مخاطرة لن يجرؤ عليها.

ثالثا: انه في الوقت الذي يتطلع فيه نتانياهو إلى بناء علاقات قوية مع إدارة بايدن – تكون في جانب منها على الأقل امتدادا لعلاقاته مع إدارة أوباما التي كانت الأكثر مساعدة لإسرائيل - فان رئيس وزراء اسرائيل يمكن أن يسعى إلى بدائل أخرى منها محاولة التحرش بإيران وربما الإضرار ببرنامجها النووي بشكل أو بآخر دون الإعلان عن ذلك، أو ربما اغتيال علماء نوويين إيرانيين آخرين بعد اغتيال الدكتور محسن زادة مؤخرا، لإرباك الخطط الإيرانية من ناحية واستغلال الفترة الانتقالية ورغبة طهران في تجنب التصعيد لصالح مستقبل علاقاتها مع إدارة بايدن القادمة من ناحية ثانية، وكذلك لتعزيز فرصه في الانتخابات الإسرائيلية التي ستجرى على الأرجح في مارس القادم، خاصة وانه يسعى لحشد كل طاقاته للبقاء في الحكم وتجنب مطاردة القضاء الإسرائيلي له لأطول فترة ممكنة. وفي ضوء ذلك فإن فرص التصعيد الإسرائيلي مع إيران خلال الأسابيع القادمة، ستخضع على الأرجح لحسابات عديدة، منها مدى قدرته على جعل البرنامج النووي الإيراني أحد عناصر دعايته الانتخابية، ومدى قوة المعارضة التي سيتلقاها من القوى الداخلية و الدولية المعارضة للتحرش والتصعيد الإسرائيلي ضد إيران، وطبيعة العمليات البديلة التي قد يلجأ إليها لأسباب إعلامية داخلية في الفترة القادمة، وإذا كان نتانياهو قد حرص خلال الأسابيع الماضية إلى توظيف بعض عمليات التطبيع العربية مع إسرائيل لصالحه هو شخصيا ولصالح حزبه، فإنه من المرجح أن ذلك سيزداد في الأسابيع القادمة، وذلك طمعا في الفوز بالانتخابات البرلمانية القادمة، وهى الرابعة خلال أقل من عامين، وفي هذه الحالة فإن الانتخابات القادمة وما سيعقبها من فترة مشاورات سياسية لتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستتيح له الفرصة للتعرف على كل حدود مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة وربما التنسيق معها بالنسبة للأوضاع المتصلة بالقضية الفلسطينية من ناحية، وبالعلاقات القادمة مع إيران وبرنامجها النووي من ناحية ثانية، ومن شأن ذلك أن يقيد حركة نتانياهو خلال الأسابيع القادمة انتظارا لتولي إدارة بايدن، ولما يمكن ان تقوم به إيران من ردود فعل مباشرة أو غير مباشرة، خاصة وان طهران أكدت أنها سترد على العمليات التي تعرضت لها، ولكنها هي التي ستختار متى وأين وكيف يمكن أن يكون الرد، أما على الصعيد الداخلي الإسرائيلي فإن نتانياهو يريد أن يضع نفسه في مصاف قادة إسرائيل الكبار، وسيساعده على ذلك انه استدرج بيني جانتس إلى حكومة وحدة وطنية، خسر معها جانتس الكثير من ثقة الأطراف السياسية الإسرائيلية فيه بسبب تذبذب مواقفه ورغبته في مجاراة نتانياهو بالنسبة للقضية الفلسطينية وضم بعض الأراضي الفلسطينية، ولذا فان الانتخابات القادمة يمكن ان تفرز وضعا إسرائيليا مختلفا عما هو قائم الآن بالفعل. ولعل نتانياهو يدرك أهمية وضرورة تجنب التصعيد مع إيران في هذه الفترة الانتقالية، لتمر الأسابيع القادمة بأقل درجة من التوتر في المنطقة، ولتتهيأ دول وشعوب المنطقة لمرحلة أخرى نتمنى أن تكون أكثر مواءمة لطموحاتها ولمصالحها في استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مرة أخرى.