Screen Shot 2020-06-09 at 11.59.05 AM
Screen Shot 2020-06-09 at 11.59.05 AM
أعمدة

فضيلة الصمت

01 ديسمبر 2020
01 ديسمبر 2020

عادل محمود

كنت أرى وأسمع الطيور وهي تغرّد "كل على ليلاه" الموعودة في العنب والعنّاب، التين والزيتون. كنت أرى الرفوف وهي تزخرف السماء في رحلة الهجرات والفصول كنت أرى العصافير، كما في الأغنيات، تنقر الزجاج العاكس لصورتها... كنت... اليوم، وأنا أمشي كل يوم في الجبال والوديان والبساتين والأنهار... لا أرى ولا أسمع صوت طائر، أي طائر. طبيعة غدت بلهاء، صامتة، تخضوضر وتصفرّ، وتتأهب للحرائق، ولكن الأسوأ أن مفردات عذوبتها تراجعت، وصارت فقيرة. اليوم... اكتشفت أن العصافير قد أوصت بعضها البعض، جيلا وراء جيل، أن لا تغرد في بعض بلدان الخوف، وأورثت هذه الأجيال "فضيلة الصمت" في جمهوريات الخوف وإسكات الصوت. عرفت ذلك من حصول الصيادين على عدد وفير من عصافير "أبو الحن" الخريفية. عن طريق "قضبان الدبق" التي ينشرونها إلى جوار برك الماء الصغيرة، وبقايا خط الماء في ينابيع الوديان. ويشغّلون المسجلات التي تبث أصوات هذه العصافير المسكينة. صديقتنا التشيكية "ليدا" مغنية أوبرا، والتي تأتي مع زوجها السوري مالك، كل عام... اكتشفت، في أحد مشاويرها في البرية، الحيلة المستخدمة لاستدراج الطيور عن طريق المسجّل. وعرفت، بعد أن استفسرت أن كل الحيلة متعلقة بخداع الطيور. فقررت أن تجعل الطيور تجفل وتهرب خائفة من صوت مخيف مرعب. وهكذا حفظت مواعيد الصيد المسائية، وصارت تكمن في موضع قريب من منطقة الخداع هذه. وعندما تبدأ مسجلة الصياد بالتغريد... كانت "ليدا"، ترفع صوتا قويا حادا غريبا، لا يجفل الطيور وحسب، بل يبث رعب الاستغراب في الحقول والوديان، وبعضهم ظنّ أن الجن بدأوا مهرجانهم السنوي وحفلاتهم اليومية. بالطبع، لم يكن ممكنا تقصي المغنية لأماكن الصيد كلها، ولا متابعة هذه المهمة، ولكنها في أسبوع واحد خفّضت حصيلة أحد الصيادين الواقع في منطقة نفوذ صوتها، من مائة طير في اليوم الواحد إلى عشرة. الأهم، وبسبب القصص المخيفة للجن في أساطير المنطقة أدت بداعي الخوف إلى انخفاض عدد الصيادين أيضا.