ثصثيثب
ثصثيثب
الثقافة

"خبر عاجل" لنضال الصالح.. رواية تعاين ويلات الحروب الأهلية

30 نوفمبر 2020
30 نوفمبر 2020

عمّان - العمانية: يُعد توثيق اللحظة الراهنة روائيًا مغامرة، إذ يكون الكاتب غالبًا أسير انفعالات وانطباعات تغلب رغم أهميتها على رؤيته للأحداث، وتفرض نفسها عليه وقد تعميه عن جزء من المشهد، في حين أن ابتعاده عن الحدث مسافةً زمنية كافية من شأنه جعل رؤيته أوضح، وتناوله أكثر دقة، وموقفه موضوعيًا ما أمكن.

لكن الكاتب السوري د.نضال الصالح يخوض هذه المغامرة بتمكّن، من خلال روايته "خبر عاجل" الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" في عمّان (2020)، متخذا من الحرب الأهلية في بلده موضوعا، تلك الدائرة رحاها منذ عام 2013 وما زالت مشتعلة بشكل أو بآخر رغم تغير موازين القوى بين الأطراف المتصارعة.

ويمكن القول إن الرواية تسير في خطين متوازيين حينًا ومتقاطعين حينًا آخر؛ يتمثل الأول في رواية أحداث الحرب من خلال ما يدور في حلب وحولها، ويتناول الثاني رواية الكاتب التي ترفض لجان التقييم نشرها. ولا يوضح الكاتب مضمون روايته المرفوضة، إلا أنه يحيل القارئ ضمناً إلى حكاية روايته هذه، المنشورة والصادرة في 200 صفحة.

ومن القضايا التي يثيرها الكاتب في هذا المجال ما يتعلق بالعملية الإبداعية (وهنا لا يفوتُ المتابعَ الأثرُ التي يتركه نضال الصالح الناقد على نضال الصالح الروائي)، ويشمل هذا مشكلة الرقابة (الذاتية والغيرية)، وتحديات النشر، وتدخلات لجان التقييم، وتوتر العلاقة فيما بين المبدعين من جهة، وبينهم وبين النقاد من جهة أخرى، فضلاً عن رؤى الكاتب تجاه الأدب وفن الرواية تحديدا. فهو مثلا يقول: "أيّ حكاية تبقى محض حكاية إن لم ترتقِ إلى مرتبة الفن".

تتقاطع أحداث "خبر عاجل" وتتداخل بتناسق لا يثقل على القارئ، ففيها استحضار للتاريخ السياسي والثقافي لمدينة حلب، وفيها إضاءة كافية على الأحداث الراهنة، وهناك توقّف ذو دلالة عند مشكلة الرواية المرفوضة من الرقابة (التي يفهم القارئ ضمنًا أنها ذاتها الرواية التي يقرأها). ولم يكن استحضار صفحات من التاريخ عشوائيًا أو عبثيًا، بل وظّفها الكاتب لصالح إجراء مقابلة مع الأحداث الراهنة في محاولةٍ لفهم ما يجري.

ويبدو واضحًا أن الكاتب لا يخضع لسطوة الأيديولوجيا في تصنيف الأحداث والشخصيات، فهذه ليست وظيفة الكاتب عمومًا، فهو مثلًا يتحدث عن المسلحين والجيش، وعن الناس والمؤسسات الحكومية، ولا يلجأ إلى استخدام المسميات الأيديولوجية، على غرار "النظام" و"الإرهابيين" و"الشعب"... إلخ.

وبالرغم من وجود شخصيات محددة تصنع الأحداث وترويها، إلّا أن البطولة في هذا العمل مسنَدة إلى الشعب الذي طحنته الحرب العبثية المدمّرة والقاسية، تلك التي لا يبدو أنّ لها نهاية، ولا منتصر فيها، بل الكل فيها من الخاسرين.

أما الشخصية الثانية الحاضرة بقوة في "خبر عاجل" فهي مدينة حلب بأبنائها الأوفياء وتاريخها المشرق، والتي يتحدث عنها الكاتب بعشق وحميمية، فهي مدينة سيف الدولة الذي خلّدها حضاريًا، ومدينة المتنبي الذي خلّدها أدبيًا.

ومن أجواء الرواية التي حمل غلافها لوحة موحية للفنانة السورية لوسي مقصود:

"مِنَ القلعة، إلى الجامع الكبير، إلى الأسواق المسقوفة، إلى المآذن والنواقيس، إلى البيوت التي يسند بعضها بعضًا، إلى الحمّامات والخانات التي لمّا تزل، أهزّ جذوعَ الحجارة القديمة، فتساقطُ عليّ عبقًا جنيًّا من باذخ التاريخ، ومن القدود، ورقص السماح، وما توضّأ بالحياة مذ كانت الحياة، أتلمّسُ الحجارة بأصابع مسكونة بالحنين إلى زمن مضى، وناس مضوا، وقصائد مضت، فتبزغُ بين الأصابع عناقيد من الحكايات عن إنسان حلب الأوّل في المغاور التي تتصل بسراديب إلى القلعة، يحكي لي أهلها القادمون من السيرة الهلالية، يحكي لي علّامة المدينة، الأسديّ، في موسوعته المقارنة، أنّ أهل المغاير، ذات يوم، حملوا (الجفوتة)، ومضوا إلى القنصلية الإنجليزية في حلب، وقال رجلٌ منهم للقنصل: (بلّغ دولتك أن أهل المغاير تسلّحوا وصاروا صبّة نار). فتتجلّى لي المدينة على هيئة امرأة قادمة من كتب الأمثال".

يُذكر أن نضال الصالح من مواليد حلب عام 1957، حصل على درجة الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث، يعمل أستاذا في جامعتي حلب ودمشق، نال أكثر من عشرين جائزة في القصة، والرواية، والنقد الأدبيّ، من بينها جائزة القدس التي يمنحها الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب. صدرت له في المجال الإبداعي مؤلفات من بينها: "مكابدات يقظان البوصيري" (قصص، 1989)، و"الأفعال الناقصة" (قصص، 1990)، "جمر الموتى" (رواية، 1992)، "طائر الجهات المخاتلة" (قصص، 1998)، "حبس الدم" (رواية، 2019)، "درب حلب" (نصوص، 2015)، "توت شامي" (نصوص، 2016). "قدّك الميّاس" (نصوص، 2017). وله عدد من الكتب النقدية.