المخطوطات العمانية.. بحر عميق يحوي كنوزا دفينة

استطلاع: خلود الفزارية

المخطوطات العمانية هي جزء من الحضارة العمانية التي حافظ عليها العمانيون ضمن حفظهم لموروثاتهم، فهي الوثائق التي تسطر العلوم والمعارف التي امتلكها الجدود وتدارسوها وسافروا من أجلها وتناقلوها، فكان المخطوط هو الشاهد الذي يوثق لتلك العلوم في مختلف مجالاتها، ولذلك بذلت حكومة السلطنة الجهود لجمع المخطوطات التي وصلت إلينا ومعالجتها، وتوفيرها للباحثين، كما تستمر الجهود من أجل تحقيقها وطباعتها لتملأ أرفف المكتبات، وليتعرف المواطن العماني على بعض العلوم التي تمكن أجداده من بلوغها وتعلمها والاستفادة منها.

وللوقوف على ماهية المخطوط العماني وما يحتويه من مواضيع ومجالات، زارت جريدة عمان دائرة المخطوطات بوزارة التراث والثقافة لتسلط الضوء على أبرز المخطوطات، وما تقدمه الدائرة من جهود لحفظها وصيانتها، وللتعرف أكثر على ما تضمه أرفف المخطوطات من علوم وكنوز.

وحول ذلك يعرفنا نصر البوسعيدي رئيس قسم قسم التحقيق بدائرة المخطوطات أن الدائرة أنشئت بمرسوم سلطاني لجمع المخطوطات في عام 1976، وتضم حاليا خمسة آلاف مخطوطة، عمر أقدمها يصل إلى أكثر من تسعمائة عام.

ويضيف البوسعيدي: استطعنا أن نجمع خمسة آلاف مخطوط أقدمها يعود تاريخه لأكثر من تسعمائة عام تمت عنونته بـ "الجوابات والسير" وهو الأقدم في السلطنة، ويحتوي على جوابات فقهية وسير لمجموعة كبيرة من علماء عمان، مبينا أن للكتاب أهمية كبيرة تبرز في كونه الأقدم، ويحوي سيرا لا توجد في أي مصدر آخر، ونقوم حاليا بإخراج النص ليرى النور قريبا، ويقوم بتحقيقه الشيخ سلطان الشيباني وهو متخصص في ذات المجال.

وعن بقية المخطوطات التي تحويها الدائرة يقول بأنها مختلفة المواضيع، فهي تتناول: الفقه والتاريخ والفلسفة والطب واللغة العربية وعلوم الحديث وعلوم القرآن، كما أنها مقسمة ولها فهارس خاصة، منوها بأن الفهارس تسهل على الباحث الوصول للمخطوط الذي يحتاجه بالأرقام، كما تتوفر في القاعة مجموعة من أجهزة الحاسب الآلي، حيث قمنا بتصوير جميع المخطوطات رقميا، وتم تحويلها إلى صيغة رقمية ليطلع الباحثون على المخطوطات دون المساس بالمخطوط الأصلي، ولحفظه من التلف والضياع.

موضحا أن الباحث أو المهتم يستطيع أن يدخل إلى الموقع الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت ليجد خانة خاصة بالمخطوطات العمانية، وعند الدخول إليها سيجد جميع المخطوطات، كما يمكن الاشتراك في الموقع باشتراك رمزي، ويمكن تحميل المخطوط بمبلغ رمزي.

المخطوطات الأخرى

ويشير نصر البوسعيدي أن السلطنة تمتلك إرثا كبيرا، وهناك مكتبات أخرى تضم مخطوطات عمانية، كما أن إحدى المكتبات تضم أكثر من ستة آلاف مخطوط، فضلا عن المكتبات الأهلية، ويوجد بعض المهتمين ممن يمتلكون مخطوطات، وعن مجهودات الدائرة فقد تمكنت من اقتناء المخطوطات التي بحوزتها عن طريق الشراء وبلغت خمسة آلاف مخطوطا، والقليل من قام بإهداء المخطوطات، وما يميز دائرة المخطوطات أننا استطعنا الحصول على أقدم مخطوط في السلطنة حتى الآن.

ويتابع البوسعيدي أن الدائرة تضم أقساما أخرى، فهناك قسم آخر يحتوي على مخطوطات مصورة لم نتمكن من الحصول على النسخ الأصلية منها وعددها لا تجاوز ألفي مخطوطة.

ومن أهم المخطوطات المتوفرة المخطوطات التاريخية التي تضم كل ما يعتبر أمهات المصادر وتتناول تاريخ عمان إلى ما قبل فترة الإسلام.

أقسام الدائرة

ويشير البوسعيدي أن الدائرة تشتمل على ثلاثة أقسام، قسم حفظ المخطوطات ونطلق عليه "خزينة المخطوطات"، وقسم التصوير الرقمي، وقسم الترميم الذي يعتبر من أهم الأقسام، لأن أغلب المحفوظات إن لم تتم المحافظة عليها تكون عرضة للتلف، وتحتاج دائما إلى الترميم، وحتى المخطوطات التي وصلتنا من الأهالي أكثرها تالف، ومعنى التلف أنها تحوي العديد من الثقوب أو التشققات، أو عدم اكتمال الأوراق، أو أن الأوراق تتكسر نتيجة الحموضة والرطوبة، ونقوم في معمل الترميم بترميم المخطوطات بما لا يمس من أصل النص في المخطوط لترميم الأوراق، كل ورقة على حدة، وقد تستغرق بعض المخطوطات في ترميمها أربعة أشهر، لأنها تضم ألف ورقة أو خمسمائة ورقة بحسب حجم المخطوط، ويتم ترميمها وتعقيمها. كما أن التعقيم لا يقل أهمية عن الترميم لأن المخطوطات مليئة بالجراثيم والطفيليات والفيروسات التي يقوم بتعقيمها بالجهاز المخصص للتعقيم، ويتم استخدام بعض المواد الكيميائية للترميم وبعض المواد الطبيعية في اللصق، وأدوات الترميم مكلفة ماديا وعمليا.

التحقيق

وعن التحقيق يطلعنا البوسعيدي بالجهود القائمة بقوله أن هماك أكثر من ثلاثمائة وستة وعشرون إصدارا أغلبها محققة، وتمر عملية التحقيق بعملية دقيقة، وتم تشكيل لجنة برئاسة سماحة المفتي الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، ومؤخرا تمت إعادة تشكيل اللجنة برئاسة الشيخ كهلان الخروصي مساعد المفتي. وتعنى اللجنة مع أعضائها بتحديد المخطوطات التي تستحق التحقيق، والتي من المهم أن يتم تحقيقها، فاللجنة تحدد بعض المخطوطات وتقوم باختيار المحققين بحسب الموضوع.

ويعتبر مخطوط "بيان الشرع" الذي يتكون من ثلاثة وسبعين جزءا أهم مشروع لأنه يتضمن الجوانب الفقهية، وهو المرجع الأساسي لأهل عمان في المسائل الفقهية، وتم اختيار فريق ضخم لتحقيق هذا المخطوط والعمل قائم فيه.

وتم الانتهاء من مشروع مؤخرا وهو تحقيق "الصحيفة العدنانية"، وله اسم آخر وهو "المؤتمن في ذكر نزار واليمن"، وهو مخطوط تاريخي ضخم جدا يتكون من عشرة أجزاء، تم الانتهاء من تحقيقه، والآن هو في طور الطباعة.

مشيرا إلى أن عملية تحقيق الكتاب الواحد قد تستغرق سبع سنوات لتحقيق مخطوط واحد فقط، وخاصة المخطوط الموسوعي، لأن أغلب المحققين يواجهون صعوبات في قضية التفرغ، وعملية التحقيق عملية مجهدة وصعبة وتأخذ وقتا كبيرا، ونحن نحاول الموازنة بين التوقيت المتفق عليه في العقد بين الدائرة والمحققين، ومراعاة ظروف المحققين وعدم تفرغهم، ووجود مخطوطات أخرى وصعوبة قراءة المخطوط أو الوصول إلى النص الأقرب لعصر المؤلف، ويتم التعاون مع محققين متخصصين ذوو خبرة سواء عمانيين أم عرب.

ويؤكد نصر البوسعيدي أن هناك تعاون وثيق مع المتحف الوطني، لعرض بعض المخطوطات الأصل، ويوجد لديهم ركن خاص بالمخطوطات في المتحف وهذه المخطوطات تم جلبها من هذه الدائرة، لأن المتحف الوطني هو الواجهة الرئيسية للسلطنة، كما يقوم المتحف باستبدال المخطوطات بشكل متجدد لعرض أكبر عدد من المخطوطات التي توثق التاريخ العماني. ويزور المتحف أعداد كبيرة من الباحثين سواء من السلطنة أو خارجها، عربا وأجانب.

المخطوطات المتوفرة

من أهم المخطوطات التي توفرت وتم حفظها في الدائرة:

إصدارات المخطوطات:

تم إصدار العديد من المخطوطات بعد تحقيقها وضبطها وطباعتها، واحتوت على مواضيع متنوعة منها: فهارس المخطوطات بمختلف علومها، وفي التفسير تم إصدار كتاب "تيسير التفسير لمحمد أطفيش، وفي رحاب القرآن مختصر تفسير الشيبخ بيوض للناصر بن محمد المرمومي، وفي الحديث النبوي كتاب أبواب من السنة مختصرة للإمام محمد بن محبوب الرحيلي، والرسالة الحجة للإمام الربيع بن حبيب الفراهيدي، وفي الفقه إرشاد الأنام في الأديان والأحكام لسالم بن حمود السيابي، والإيضاح لعامر بن علي الشماخي، وفي العقيدة كتاب السير لأحمد بن سعيد الشماخي، والدليل والبرهان لأبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني، وفي الوعظ كتاب الأخبار والآثار لسالم بن عبدالله البوسعيدي، وكتاب قناطر الخيرات لأبي طاهر إسماعيل الجيطالي.

وفي اللغة العربية كتاب الأمالي العمانية لعيسى بن إبراهيم الربعي، وشرح بلوغ الأمل في المفردات والجمل لنور الدين عبدالله بن حميد السالمي، وفي الأدب ديوان أبي مسلم البهلاني لناصر بن سالم الرواحي، وديوان السيف النقاد للأبي محمد إبراهيم بن قيس الحضرمي، وفي التاريخ الأزهار الرياضية لسليمان بن عبدالله الباروني، وإطلالة على بعض المواقع الأثرية في عمان، وكتاب الأنساب لسلمة بن مسلم العوتبي الصحاري، وسلسلة تراثنا عن مجموعة الآثار العمانية، ودراسات حول بلدان وأعلام، والفلك والبحار والطب والبيئة.