أفكار وآراء

أمريكا تعود إلى العالم

25 نوفمبر 2020
25 نوفمبر 2020

محمد جميل أحمد -

يمكن القول، إن الانتخابات الأخيرة التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل ثلاثة أسابيع، وانتهت بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، يمكن القول إنها انتخابات عودة أمريكا إلى العالم! فالولايات المتحدة هي الدولة التي لا يكاد أحد في هذا العالم لا يدرك طبيعتها وتأثيرها في العالم أجمع بأدوات سياسية وغير سياسية.

لقد بدا ذلك واضحًا جدًا في نماذج الفريق الرئاسي الذي اختاره الرئيس المنتخب جو بايدن لقيادة المرحلة الجديدة من الدورة الرئاسية القادمة، فهذا الفريق، وبما عكس في أفراده من تنوع واختلاف، بدا في الكلمات المقتضبة التي ألقاها بعض أعضائه، على هامش كلمة للرئيس المنتخب بايدن، أن هاجسهم الأساس هو تدبير عودة الولايات المتحدة إلى قيادة العالم من جديد، بعد سنوات أربع تم فيها تخريب السمعة الدولية للولايات المتحدة تحت الشعار الشعبوي للرئيس الجمهوري دونالد ترامب: (أمريكا أولًا).

علاقة الولايات المتحدة بقيادة العالم اليوم لن تكون بطبيعة الحال تحت اسم القطب الواحد، وإنما ضمن أقطاب متعددة، لكنها في الوقت ذاته أقطاب تعكس الهوية الديمقراطية والعقلانية للعالم الحديث ضد الهوية الأوتوقراطية الرهيبة التي كادت أن تتوسع على يدي كل من موسكو وبكين وحلفائهما في العالم، كما بدا ذلك واضحًا في الساحة الدولية خلال السنوات الأربع الماضية من الفترة الرئاسية للرئيس الجمهوري دونالد ترامب.

لقد كان التحول الأخطر في السنوات الأربع الماضية من إدارة الرئيس ترامب منعكسًا في التداعيات التي نشأت عبر تجريبه الأوتوقراطي الشعبوي، خلال إدارته الغريبة، في العديد من دول أوروبا الوسطى والغربية وانتعاش اليمين الشعبوي في بعض تلك الدول، ناهيك عن الاستثمارات غير النزيهة لكل من روسيا والصين، والإيحاءات المدمرة لنماذج إدارته الشعبوية والأوتوقراطية على بعض دول العالم الثالث.

إنَّ قوة الولايات المتحدة وقدرتها الموضوعية على تفهم العالم تكمن في أنها بالأساس أمة من المهاجرين، من ناحية، وأمة بلا تاريخ ثقافي موحد لهويتها في العالم القديم، من ناحية ثانية، وبهذه القدرة كانت الولايات المتحدة باستمرار تغذي هويتها الكوزموبلوتية (المنفتحة) في إدارة وقيادة العالم المعاصر.

صحيح، أن في الولايات المتحد بقايا من تفكير محلي يفرض أجندته خلال الانتخابات ويعكس باستمرار هوية مغلقة تبدو باستمرار أقل قدرةً على فهم العالم، إلا أنه حتى مع ذلك، فإن الديمقراطيين (أنصار الحزب الديمقراطي) هم الأكثر قدرةً على مقاومة هذا الانكفاء. كما أن الولايات المتحدة، كقوة كبرى، هي التي ستكون أكثر تعبيرًا على معرفة العالم من أي قوة أخرى كبيرة؛ كالصين أو روسيا.

واليوم، ستبدو مسألة عودة الولايات المتحدة إلى إدارة العالم وقيادته أكثر من واقعية بالنظر إلى الفوضى التي خلفتها إدارة الرئيس دونالد ترامب في الكثير من ملفات المنطقة والعالم.

ذلك أن العلاقة الجدلية بين حضور أمريكا في قيادة العالم وبين هويتها الوطنية كأمة من المهاجرين، هي ما جعلت الولايات المتحدة، منذ الحرب العالمية الثانية، الدولة الأكبر تأثيرًا على العالم بمختلف أنواع القوى المؤثرة، سواءً أكانت قوى رمزية ناعمة أو قوى مادية وعلمية ضاربة.

إن إعادة التوازن إلى العالم ليست مسألة هامشية ولا فائضة عن الحاجة؛ لأن القوى المرشحة لتلك المهمة بخلاف الولايات المتحدة هي قوى شريرة ولن تجعل من العالم جحيمًا فحسب، بل كذلك ستؤطر هوية أوتوقراطية لمسار العالم، وهذا أسوأ كابوس يمكن أن يحدث لمستقبل العالم، وهو كابوس رأينا عينةً مخففةً منه مع سنوات ترامب الأربع في البيت الأبيض!

لقد بدا البعض معولاً على البهلوانيات التي أبداها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأتباعه من رغبة للوقوف ضد الإرادة الديمقراطية الحرة للشعب الأمريكي على خلفية نتائج الانتخابات الأخيرة؛ حين تخيلوا إمكانية لسيناريو الفوضى، لكنهم لم يدركوا أن قوة الدولة والدستور والديمقراطية في الولايات المتحدة هي أكبر بكثير من أي احتمال لذلك السيناريو العدمي.

فالدولة الأمريكية التي قلمت أظافر فوران اليمين المسيحي المتطرف وجماعاته العنيفة بقوة نظامها الدستوري الصارم، وقوضت ذلك الفوران إلى تمثيلات رمزية مدجنة في تعبيرها (كحفلات الشاي)- بحسب تعبير استاذنا رضوان السيد - هي اليوم أكثر قدرةً بنظامها وقانونها وديمقراطيتها العريقة على قطع الطريق على سيناريو الفوضى الذي يعول عليه ترامب وأنصاره!