عبدالرزاق
عبدالرزاق
أعمدة

ألحان في فخر الأوطان

25 نوفمبر 2020
25 نوفمبر 2020

هوامش .. ومتون

عبد الرزّاق الربيعي

قبل سنوات حضرت حفلا أقامه طلبة عمان في لندن، بمناسبة العيد الوطني، قدّموا، خلاله، عدّة فقرات، وبعد انتهاء الحفل شاهدت عددا من الطلبة الأجانب الذين حضروا الحفل يردّدون مقطعا علق بأذهانهم، من بين كلّ الفقرات، كان ذلك المقطع من نشيد (صوت النهضة) الذي كتبه الشاعر الراحل عبد الله بن محمد الطائي،وقد عزفت موسيقاه الأوركسترا، على مدى (20) دقيقة، ذلك المقطع هو:

صَوتٌ للنهضةِ نَادى

هُبُّوا جَمعَاً وفُرَادَى

قَابُوسٌ لِلمَجدِ تَهادى

فابنُوا مَعهُ الأَمجَادَا

يا أبناءَ عُمَانَ الأجوادا

لقد لفت هؤلاء الطلبة البريطانيون أنظار من كان في القاعة، وهم يردّدون نشيدا بلغة عربيّة تحاول أن توصل المعاني، وتركّز على اللحن، بكلّ ما تستطيع، مع التشديد على جملة"يا أبناء عمان"، ومدّ ألف (عمان)، مع رفع الصوت ، عند نهاية المقطع، لذا قام المصوّر الذي كان برفقتنا بتوثيق تلك الدقائق، فكان خير صيد لعدسته، وتساءلت حينها: ما السرّ الذي جعل هذا النشيد راسخا في الأذهان رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على أداء النشيد الذي يتألّف من ثماني لوحات، مقدمة، وخاتمة هي تكرار للمقدّمة، وما بين البدء، والختام تتوزّع ست لوحات حملت العناوين: العمال، الفلاح، المرأة، التلميذ، تراث الأجداد، التاريخ، وهي مرتكزات استندت عليها النهضة، ومن خلال هذه المرتكزات تحدّث بلغة بسيطة، خالية من البلاغة التقليديّة، والألفاظ القاموسيّة، والتراكيب المعقّدة، وهذه سمات معظم القصائد التي كتبها الطائي، فجاءت هذه اللوحات لتختزل مشهد النهضة، وما أحدثته من تحوّلات في السلطنة.

إنّ اختزال الحدث، وأحاطته من جوانبه العديدة، واعتماد الشاعر على الجمل القصيرة، وطرح موضوعه بمفردات قريبة من مدارك جميع الفئات، جعل النص يعبّر عن الحدث خير تعبير، وقد ساهمت الموسيقى ، والآلات التي أدّتها، وبها امتزجت الآلات الشرقيّة، والغربيّة، بإضفاء الروح الحماسة على اللحن، فجاء الأصوات هادرة، لتعكس روح النص، وهذه أسباب كفيلة بأن تردّد الحناجر النشيد ، إذ جاء تعبيرا عن الفرحة، ليظلّ راسخا في الذاكرة، وصرنا نسمعه في كلّ مناسبة وطنية، وخصوصا في عيد النهضة، واليوم ونحن في غمرة فرحتنا بالعيد الوطني الخمسين، والنهضة المتجدّدة، نستحضر هذا النشيد، وسواه من الأناشيد الوطنيّة، والأوبريتات التي تغنّت بعمان، بعضها جديد، من بينها أوبريت "عمان قصّة فخر"، لنجوم الغناء الخليجي الذين اجتمعوا على حبّ عمان في مبادرة فنّيّة تكتسب أهمّيتها من أهميّة المناسبة، لذا فالأوبريت الذي كتب كلماته: علي الخوار، وحسان العبيدلي، ووضع ألحانه: فايز السعيد، أدّاه عدد من نجوم الغناء الخليجي، يقف على رأسهم فنان العرب محمد عبده، ومعه :نبيل شعيل، وحسين الجسمي، وأحلام، وفؤاد عبدالواحد، والعماني طارق المرهون، مؤكّدين أن الفن يجمع القلوب، ويؤثّق للأحداث الكبرى في تاريخ الشعوب، وليقول كلمته، ويبعث رسالته للأمّة، والأجيال المقبلة، كما نرى لدى فناني الغرب الذين يلتحمون مع قضايا مجتمعاتهم، ويوثّقون الأحداث المهمّة بأغانيهم التي تبقى في الذاكرة، ومثلما كانت الأغنية حاضرة في الأحداث العربية الكبرى، حضرت في المناسبات العمانية الهامة كالأغنية التي لحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب في عام الشبيبة العماني (1983) من كلمات الراحل عبدالله بن صخر العامري، وجاء في مقطعها الأوّل:

"عام الشبيبة في بلادي للمروءة والحمى

عام به الآمال ترقى سلّما

عام سما فتبسّما

يحكي لأهل الأرض أن عمان ترقى الأنجما"

وطبعا نترك للزمن الكلمة الفصل في جودة هذه الأناشيد، فهو خير مصفاة، وأعدل حكم، "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" وهو الذي سيقول من سيبقى صامدا في الذاكرة الجمعيّة العمانيّة، عالقا، مثلما علق نشيد" صوت النهضة " في أذهان الطلبة الأجانب فور سماعه، فرفع منسوب الفخر لدى الطلبة العمانيين للأعلى، كيف لا؟ والطلبة الأجانب يتغنّون بوطنهم، فخر الأوطان!