أفكار وآراء

باسم عمان.. خمسون عاما وهي الصوت الذي استمع لنا

17 نوفمبر 2020
17 نوفمبر 2020

حمدان بن علي البادي -

خمسون عاما وإذاعة سلطنة عمان هي الصوت الذي استمع لنا بوضوح ولامس شغفنا بما يجود به من مواد منوعة، وملاذنا الوحيد في حالات كثيرة بحثا عن الأخبار والموسيقى والترفيه، وقد ظهرت في فترة زمنية مبكرة قلت فيها وسائط الوصول إلى مصادر المعلومات برغم زخم الأحداث السياسية التي كان يعج بها العالم في ذلك الوقت ونحن البعيدون عن كل هذا ونحاول أن نعرف أكثر عما يدور حولنا عبر إذاعتنا المحلية.

أدركت الإذاعة في وقت مبكر من حياتي كصوت يبدد صمت الليالي ونحن نفترش الأرض في مكان قصي من جبال الحجر الغربي، وقت مبكر بالنسبة لعمري حينها أما عمر الإذاعة كان في حدود عقدين من العمل المستمر والتجارب التي اشتغل عليها نخبة من الرواد الأوائل الإعلاميين العمانيين وبدعم من الخبرات العربية المتمرسة في العمل الإعلامي.

كان الصوت ينساب بوضوح عبر مذياع جدي ذي الغطاء الجلدي وهو يحاول أن يضبط مؤشر شعرته على أقرب إشارة تلتقط التردد وما أن ندركه حتى نحبس أنفاسنا كي لا تصيبه الوشوشة ولا يتداخل مع إذاعات أخرى، هي الصوت الأقرب والأكثر ألفة لنا بنجومه من المذيعين الذين عشقنا أصواتهم ولم نرَ ملامح وجوهم، صوت استمعنا من خلاله لساسة العالم وقادته، لأشخاص مثلنا، ولشعراء القبائل وأيضا لنجوم الفن والغناء لأكتشف أن هناك أصواتا كثيرة تنافس ميحد حمد وعلي بن روغة.

الإذاعة العمانية هي الصوت الرسمي الأول في نهضة عمان الحديثة، جاءت في وقت مبكر من نهضة ٢٣ يوليو من عام ١٩٧٠ وذلك بعد أسبوع من هذا التاريخ وهو التاريخ الذي لا يزال محل خلاف بين المشتغلين والمؤسسين والباحثين في الإذاعة حتى وإن كانت وزارة الإعلام قد اعتمدت يوم 30 يوليو من عام 1970 تاريخا يوثق أول بث رسمي مع أن أحمد المنصوري أول رئيس لإذاعة سلطنة عمان قال في أكثر من مناسبة: إن أول بث رسمي للإذاعة كان يوم الاثنين الموافق ٢٧ يوليو ١٩٧٠ وقد وثق ذلك بتسجيل صوتي من مطار بيت الفلج حينذاك لمراسم وصول جلالته قادما من صلالة وقد تم بثه عبر الإذاعة في مساء نفس اليوم.

وقفت الإذاعة كصوت إعلامي وحيد في محطات كثيرة لعل أهمها بث أول خطاب رسمي للمغفور له بإذن الله السلطان قابوس في ٩ أغسطس من عام ١٩٧٠ في أول خطاب موجه للشعب عبر الإذاعة العمانية قال فيه: «إنه لمن دواعي سروري أن أتحدث إليكم هذا المساء، عبر إذاعتنا العمانية، وقصدنا أن نتأكد من أنكم تعرفون عن كثب، خطط الحكومة للمستقبل والخطوات التي تتخذها لتحقيق الاطمئنان والتقدم لشعبنا والازدهار والأمن لبلدنا، لدينا الآن محطة إذاعية وهي التي أتحدث إليكم منها هذه الليلة وقد أمرنا الحكومة أن تجري مسحا لاحتياجات البلاد لإذاعات الراديو والتليفزيون، لا لمواجهة الاحتياجات الترفيهية المشروعة فحسب، بل لما هو أهم ألا وهو أن نجلب لشعبنا فوائد التعليم العام».

وقد آمن السلطان قابوس -طيب الله ثراه- منذ البداية بالإعلام وأهميته في أن يكون شريكًا رئيسياً في مسيرة التنمية الحديثة وهو العائد من المملكة المتحدة بعد أن أنهى تعليمه الأكاديمي وما أتاحته تلك الفترة من فرصة للاطلاع على التجارب الإعلامية المتقدمة ودورها في النهوض بالشعوب لهذا كان هدفه واضحا من البدء بوسائل الإعلام بصورة مستعجلة «لا لمواجهة الاحتياجات الترفيهية المشروعة فحسب، بل لما هو أهم ألا وهو أن نجلب لشعبنا فوائد التعليم العام».

بدأ الإعلام العماني بالإذاعة وذلك لسهولة البث الإذاعي عن طريق أدوات مستأجرة بالفريق القائم عليها وبدعم من التجهيزات التي كانت تستخدم للأغراض العسكرية في الاتصال بين القواعد عبر الموجات اللاسلكية وأيضا لبساطة هذه الوسيلة في مخاطبة الشعب بالصوت في فترة زمنية لم يكن فيها التعليم متاحا حيث كانت نسبة الأمية حسب مصادر وزارة التربية والتعليم في حدود 65,7% في عام 1970م منهم 43,9 % ذكور و 88,3% إناث.

بدأت الإذاعة ب 3 ساعات بث وزيدت لاحقا إلى خمس ساعات ومن ثم 14 ساعة وخلال السنوات اللاحقة أدخلت المزيد من التحديثات والإضافات على إذاعة سلطنة عمان مثل زيادة الرقعة الجغرافية والزمنية، والتحديث على مستوى البرامج المقدمة وتنوعها لتلبي مختلف رغبات المستمعين، وحين أتيحت الفرصة للبث عبر الأقمار الصناعية كانت الإذاعة أول من بادر إلى ذلك عرب سات - والقمر المصري نايل سات، ويحسب للإذاعة أنها من أولى المؤسسات التي أدخلت خدمة الإنترنت إلى عملياتها التشغيلية وذلك في العام الأول لدخول الخدمة إلى السلطنة.

وفي الأول من نوفمبر من عام 1998 كانت الإذاعة حاضرة على مدار الساعة مع تشكيلة واسعة من البرامج التي تبث من استوديوهات الإذاعة في العاصمة مسقط وصلالة وتنقل تفاصيل جميع محافظات السلطنة عبر تغطيات حية ومباشرة من شبكة المراسلين المنتشرين في مختلف ربوع عمان لهذا كانت الصوت الذي نقل لنا أصوات المجتمع وموروثهم والكثير من العادات والتقاليد وزف البشرى للناجحين في شهادتي الإعدادية والثانوية ، وقبل ذلك كانت الإذاعة هي الصوت الذي استمع للمواطن حين لم يجد بابا ليطرقه إلا برنامج «البث المباشر « الذي بدأ بثه أول مرة في عام 1984 لينقل بصورة عفوية عتاب المستمعين وشكواهم وشكرهم في آن واحد للجهات الخدمية في فترة زمنية مبكرة من عمر الإذاعة وتوفيرها مساحة من حرية الرأي ليقول المستمع ما يريده.

وقد تم تدعيم الإذاعة العمانية بمجموعة من البرامج المساندة التي تبث وفقا لخارطة برامجية مستقلة ومكملة لما يبث في البرنامج العام تحت مسمى «برامج» وذلك قبل أن تنفصل في عام 2010 لتكون إذاعات مستقلة وتنتمي إلى نفس المؤسسة وهي البرنامج الأجنبي أو الإذاعة الأوروبية التي بدأت في عام 1975 ومن ثم برنامج الشباب في عام 2003 وإذاعة القرآن الكريم في عام 2006 ومن ثم إذاعة الموسيقى الكلاسيكية في عام 2010 مما شكل منظومة متكاملة تلبي حاجة الجمهور المتزايدة للبرامج الإذاعية وترضي جميع الأذواق على اختلاف مشاربهم.

واليوم والإذاعة العمانية تحتفل باليوبيل الذهبي لم يعد المستمع بحاجة إلى ضبط المؤشر على الترددات الكثيرة لالتقاط إشارة البث فمن خلال الضغط على أيقونة صغيرة على شاشة الهاتف يمكن الوصول لإذاعة سلطنة عمان والتفاعل مع البرامج والقائمين عليها.

وإذا كانت السنوات الخمسون الماضية قد تمكنت إذاعة سلطنة عمان من تجاوز الكثير من التحديات لتحافظ على صوتها شامخا فإن الفترة القادمة لن تكون سهلة في ظل الطفرة الرقمية وما يتطلبه ذلك من المواكبة والاستفادة من الإمكانيات التي توفرها المنصات الرقمية لتعزيز حضور الإذاعة كصوت يشكل هوية وذاكرة سمعية لعمان.