أحمد الفلاحي
أحمد الفلاحي
أعمدة

بين سؤال وتساؤل

06 نوفمبر 2020
06 نوفمبر 2020

أحمد بن سالم الفلاحي

كثيرا ما نقع بين حيرة الإجابة حول السؤال المطروح، ولكن الحيرة تكبر أكثر عندما نقع في مأزق الإجابة عن التساؤل المطروح، فهل هناك ثمة مفارقة معرفية موضوعية تفصل بين السؤال والتساؤل؟ عندما يسألك محدثك عن موقع إقامتك، فإنه بذلك يطرح عليك سؤالا؛ ربما تكون الإجابة عنه سهلة، ولكن عندما يتساءل عن مميزات هذا الموقع، فإنه ينقلك مباشرة من سهولة الإجابة إلى تعقيداتها ويدخلك في مظان إجابات لا تود تفصح عنها، فلربما تسكن في مكان حساس لا تريد أن يعرف الآخرون عنه بالصورة المفصلة، ولذلك جميعنا يقع في مصيدة تساؤلات الأطفال، ولا أقول أسئلتهم؛ فالأطفال لا يسألون أسئلة تكون الإجابة عنها بنعم؛ أم لا، وإنما يتساءلون عن حيثيات حقيقة ما، ولذلك فكثيرا ما نكون مصدومين من تساؤلاتهم، ومحرجين عن الإدلاء بالإجابة عنها، والأخطر في هذا الجانب؛ كما يؤكد علماء التربية؛ أن تترك تساؤلات الأطفال حائرة دون إجابة واضحة، ومقنعة.

في بيئة العمل الصحفية والإعلامية؛ كثيرا ما يقع الصحفي أو الإعلامي في مأزق الحيرة، فلا يقدر أن يواصل الحديث، ولا هو تحصل على كثير من المعرفة من الشخصية التي يجري معها الحوار، والسبب أنه يطرح أسئلة مباشرة يمكن الإجابة عنها بنعم، أو لا، ولا يطرح تساؤلات تجبر الشخصية على الشرح والتعليل والتبرير، وهناك شخصيات شديدة الذكاء، فقد يرد السؤال على الصحفي/ الإعلامي، فيرتبك الأول، ولذا فالمسألة تحتاج إلى كثير من الحرفنة والذكاء، والاستعداد التام قبل التوجه إلى محاورة شخصية ما، ولذلك فهناك ما يطلق عليه "دراسة الشخصية" والمحاور الحذق هو الذي يستطيع محاصرة الشخصية؛ موضع الحوار، من خلال طرح تساؤلات أمثال: كيف، لماذا، هل من الممكن، وليس أسئلة أمثال: هل، ألا، متى، مع أهميتها.

من يعي هذه الحقيقة في مسألة السؤال والتساؤل، فإنه عندما يطرح سؤالا، فإنه؛ ربما؛ يبحث عن موقف من المسؤول، أما عندما يطرح تساؤلا، فإنه يبحث عن معرفة متضمنة تفاصيل كثيرة من هذا المسؤول، فالمواقف يمكن الإجابة عليها بنعم، أو لا، فهل أنت تؤيد الفكرة المطروحة؛ على سبيل المثال؛ فالإجابة البديهية بـ (نعم/ لا) ولكن عندما يصاغ السؤال بصيغة: ما رأيك في الفكرة المطروحة؟ فهنا تذهب الإجابة إلى كثير من الشرح والتعليل، والتبرير، والمحصلة منها (معرفة) وليس موقف، وقس على ذلك أمثلة كثيرة.

لذا من الحكمة عندما يقابل أحدنا شخصية لها وزنها وقيمتها، فلا يحبذ سؤالها؛ عندما تتاح لك فرصة ذلك، بصيغة السؤال المعبرة عن موقف ما، بقدر ما يفضل طرح تساؤل عن ذات الموضوع، لأن الهدف – كما يفترض غالبا – البحث عن معرفة، فهذه شخصية ليس يسيرا التقاؤها بصورة مستمرة لتسأل في كل مرة، فالموقف المعبر عنه بـ (لا/ نعم) لا يعطي رصيدا معرفيا مهما عن موضوع ما، ولكن عند طرح التساؤل، فمن خلال الإجابة المتحصلة يمكن استشفاف المواقف والرؤى، وبناء المواقف، ولذا يلاحظ أن البعض، وهم قلة مما تجرى معهم أحاديث صحفية، أو إعلامية تراه يعدل من صيغة السؤال، ويقول؛ مثلا؛ لو طرحنا السؤال بالصيغة التالية، فهو هنا يريد أن يتحدث أكثر، ويفضي بمعلومات أكثر، وهذه من المحاسن الطيبة بالطبع، لأن حدوثها نادرا، حيث أن أغلب من تجرى معهم الحوارات يحاولون الهروب سريعا، خاصة إذا كان غير متمكنين من موضوع الحوار.

تتموضع التساؤلات؛ كما ألاحظ أحيانا؛ عند طرح الأسئلة الفجائية أو الصادمة، من أمثالها: (كيف ذلك؟).

ومن وجهة نظر شخصية؛ أرى أن طرح صيغة الـ "تساؤلات" أجدى للمعرفة من طرح صيغة الـ "أسئلة"وحتى من يجرى عنده الحوار، لو سئل أيهما يفضل لاختار الأولى، لما فيها من إبراز للإمكانيات المعرفية عنده، ولما فيها من تشاركية بين طرفي الحوار.