أفكار وآراء

الإسلاموفوبيا بين التحريف والتعريف

04 نوفمبر 2020
04 نوفمبر 2020

عبد الله العليان -

لا تزال الصورة النمطية للعرب والمسلمين، أو الخوف من الإسلام كما يسميها البعض، يتم الترويج لها من بعض المؤسسات الإعلامية والفكرية، ومن بعض الأحزاب اليمينية في بعض دول الغرب، ومنها فرنسا على وجه الأخص، سواء من خلال الأفلام الكاريكاتيرية الصحفية، أو من خلال تشويه شخصيات إسلامية بارزة وفق أفكار سلبية عنها، من أجل ترسيخ أفكار وأنماط غير واقعية يتم إلباسها لبوس العنف والهمجية، ومن أجل تكريس الكراهية، وصناعة الأخر المختلف صورة العنيف والكاره للحضارة والتقدم الغربي.

والحقيقة أن هذه الإسلاموفوبيا لمن تكن مجرد حالة عابرة أو عفوية، بل لها منطلقات ثقافية وفكرية قديمة، يتم استحضارها بين الحين والآخر، وهي بلا شك لها خلفيات سياسية. كما أشرت آنفًا، وأحكام مسبقة ترتدي أحكامًا عصريةً، يتم تغذيتها بصورة معدة ومرتبة، لاستهداف مقصود في ظروف بعينها، وحتى يتم إيجاد مبررات عقلانية وواقعية من هذا الاستفزاز لما أقدموا عليه، ومنها الرسوم الكاريكاتيرية للرسول -صلى الله عليه وسلم- والتي أصر الرئيس الفرنسي ماكرون على أنها حق للفرنسيين، وأنها ضمن حرية التعبير إلخ: وإن كان مؤخرًا نفى أن يكون قال هذا القول، وانه تم تحريف ما قاله في وسائل التواصل، ومن خلال الصحافة والترجمات! وهذا الحدث ربما سبب ردة الفعل الكبيرة من العرب والمسلمين، عندما قال: «(إن الإسلام في أزمة)، إلى جانب العديد من التصريحات التي تبرز وكأنه مؤيد لهذه الرسوم المسيئة، والتي فتحت الباب لمقاطعة البضائع الفرنسية، ويرى البعض أن هذا الذي جرى هدفه القيام بخطة لإبعاد بعض المهاجرين، وهذا مقاله منذ أيام وزير الداخلية الفرنسي، بأنه سيتم: «طرد 231 أجنبيًا مسجلين على قائمة التطرف الإرهابي. ويوجد من بين هؤلاء 180 شخصًا في السجن حاليا، بينما سيتم اعتقال 51 آخرين في الساعات المقبلة، بحسب المصدر نفسه».

والحقيقة أن الأمر يحتاج رؤيةً حصيفةً وهادئةً من النخب السياسية والفكرية، ومن كل الأطراف، وبعيدًا عن التجريح والإساءة، وعن التعصب الفكري والنظرة البعيدة عن الواقع وعند الكتابة عن النقاش الذي يجري حول احترام الأديان والهويات الخاصة، ذلك أن إثارة الخلاف والتوتر بين الثقافات، وخصوصًا المساس بالرموز الدينية، كمن يشعل الحرائق بين القيم المختلفة، بدلا من إقامة جسور التواصل والتفاهم، بين الحضارات، لذلك ما جرى في فرنسا من إعادة أو تشجيع الرسوم المسيئة، لنبي الإسلام، فسره البعض، كأن الأمر مرتب ومعد، لاستغلال ردة الفعل، لأهداف ومرامي غير صحيحة، ولإعادة الرهاب من الإسلام ومن المسلمين، مع أن الأمر قد توقف كثيرًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهذه بلا شك مدعاة لإعادة مثل هذه المفاهيم الفكرية التي تستخدم، من خلال النظرة غير الموضوعية، وجعلها أحكامًا ثابتةً، دون التمييز بين جماعات بعينها تمارس التطرف والإرهاب، وبين الغالبية من المسلمين التي ترفض ذلك تمامًا وتستنكره.

والإشكالية أن بعض المؤسسات الإعلامية والأحزاب المتطرفة ومؤسسات أخرى دائرة في فلك التشويه والنظرة السلبية، تركز على إدانة الدين الإسلامي نفسه، وليس بعض الجماعات التي يصدر عنها التطرف والإرهاب، وهذه أحكام غير عادلة؛ لأن أفعال المتطرفين من بعض المسلمين لحقت بالمسلمين، أكثر مما لحقت بغيرهم، وهذه مسألة معروفة من خلال بعض الحوادث الكثيرة التي جرت في بعض البلدان العربية والإسلامية، قد يقول البعض أن انتشار الإسلام في الغرب، وهذه اعترف به بعض السياسيين البارزين في الغرب قبل عقدين تقريبًا، ومنهم الرئيس بيل كلينتون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق، وتوني بلير رئيس وزراء الأسبق أيضًا، وكان له صدىً سلبيًا في بعض الدوائر الكنسية في الغرب، وربما ساهم أيضًا في جعل الفاتيكان لا يعامل العرب المسلمين مثلما كان لليهود.

ذلك أنه إذا كان الإسلام أوسع الأديان انتشارًا في الغرب في ظل حملات التشويه الإعلامي عنه، والتحذير من خطره المقبل، والترغيب من أصولية أبنائه وإرهابهم وكراهيتهم للغرب، فماذا سيكون عليه الأمر في حالة اعتذار الكنيسة وطلب الصفح عن الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش ؟ ! ولا شك أن ظاهرة انتشار الإسلام في الغرب، وفي فرنسا بالأخص، لا بد من أثر سلبي عند بعض الدوائر السياسية الغريبة، لاسيما الأحزاب اليمينية، التي لها رؤية سلبية مغالية منذ عقود طويلة، وتستخدم أحيانًا للتخويف من المسلمين، لأهداف انتخابية واقتصادية.

ويقول د. محمد حامد الأحمري في كتابه (أيام بين شيكاجو وباريس)، وقد عاش في الغرب عدة سنوات طويلة، أنه مع أحداث الحادي عشر 2001، كثر الحديث عن انتشار الإسلام، بعد هذه الهجمات، وهل هي صحيحة، أم مجرد أقوال غير مبررة الخ: فيقول: «سألني كثیرون: هل قصص إقبال الناس على الإسلام صحیحة بعد أحداث سبتمبر؟ والذي لاحظته أنه صحیح، فقد حدث إقبال كبیر على الإسلام إثر تلك الأحداث، فقد نبهتهم الصدمة للتعرف إلى الإسلام مصدر الخطر، أو الرعب كما هوّل لهم الموقف، فأقبل عدد واسع من الذین لیس لهم موقف مسبق شدید العداوة للإسلام على معرفته فتأثروا به. ولأن هناك قاعدة علمانیة صلبة في المجتمع الغربي ساعدت كثیرًا على الانفتاح والتعرف إلى الإسلام وغیره من الدیانات. وكانت الكتب المنصفة أو شبه المنصفة للإسلام قلیلة للأسف، ولكن مع ذلك فقد كانت هذه القلة مؤثرة وأفادت الناس».

ويضيف د. محمد الأحمري، عن قصة انتشار الإسلام في الغرب، وسبب هذا الانتشار الذي يعتبر ظاهرة لافتة، وقد لا يتم تصديقها، فيقول:»قابلت بعض هؤلاء الذین أسلموا وبعضهم كانت لدیه مقدمات تعرف إلى الإسلام قبل الأحداث، وصداقات أو بحث عن الإسلام، فلما شاهدوا الموقف غیر المعقول في المواجهة للمسلمین وقفوا وقفة وعي وضمیر. ومنهم أقوام صادقون في حریة تفكیرهم لا یأبهون بالمخالفة، وآخرون ناقدون للرؤیة النصرانیة المتعصبة ـ لدى بعض الفرق النافذة في الكنیسة والسیاسة - وارتباط تلك الفرق النصرانیة بالیهود الظالمین الذین انتهكوا حرمات المسیحیة».

فالخوف من الإسلام هذه نظرة قديمة، وليس وليد هذا العصر وتحدياته ومشكلاته، وذلك بحكم الصراع العسكري الذي يمتد لعشرات القرون والسجالات التي تمت بين بعض الدول الإسلامية والغرب المسيحي، وكل هذه الخلفيات تلعب دورًا في الصورة السلبية للإسلام والمسلمين، ولا تزال هذه الصورة يتم تحريكها واستدعائها وفق الظروف والمشكلات التي قد تحدث.

صحيح أن بعض ممارسات الجماعات المتطرفة، أسهمت في في عصرنا الراهن من خلال بعض الأفعال والممارسات المرفوضة، لكنها ليست ردة فعل راهنة، وهذا ما قاله الباحث ثابت عيد، من أن: «خبراء في شؤون الشرق الأوسط « من دون أن يكونوا قد درسوا تاريخ العرب في الإسلام، وفهموا عقلية تلك الشعوب. هذه الفئة تتاجر بتخويف الغربيين من الإسلام، وتستخدم تعبيرات غليظة لإرهاب بسطاء الناس، وإرعابهم من الإسلام، مثل: سيف الإسلام، والزحف الإسلامي، والخطر الإسلامي، والتحدي الإسلامي، والإسلام سيلتهمنا، إلى آخره. وخير ممثل لهؤلاء الصحافي الألماني غيرهارد كونسلمان.

أما الفئة الثانية فهي تتاجر أيضًا بتخويف الغربيين من الإسلام، ولكن عن خبث. وتكاد هذه الفئة تنحصر في الصهاينة، ولعل برنارد لويس خير من يمثل هذه الفئة».

ولذلك الحل أن تكون هناك معايير للإنصاف، وجلسات حوار من دول عربية وإسلامية وبعض النخب الغربية، ويتم الالتقاء بالجاليات المسلمة، وتطرح ما تراه من أسس للعلاقة والتعاون مع دول الغرب التي يعيشون فيها، وطرح رأي الإسلام في الأفعال التي تخالف الدين الإسلامي، وعليهم كجاليات، أن يكونوا أكثر عقلانية، ولا ينجروا إلى استفزازات من البعض؛ حتى يعيشوا في الغرب كما أرادوا، وأن يلتزموا بالقوانين التي لا تمس دينهم وتقاليدهم وهويتهم الفكرية، وهذا هي الوسيلة الإيجابية، للاستقرار الآمن بعيدًا عن التوترات والخلافات بين الثقافات في هذا العصر المتداخل.