أفكار وآراء

نماذج أعمال مهددة

03 نوفمبر 2020
03 نوفمبر 2020

مصباح قطب -

منذ نشأة علم بناء السيناريوهات، واستخداماته فى توسع لحظي تقريبا، في حياة الأمم والمنظمات والأفراد، باستمرار، بحثا عن «اللؤلؤة» المخفية بين سيناريوهات مختلفة، يضم كل منها الفرص والتهديدات المصاحبة لكل احتمال، وعوامل بناء الترجيحات من أجل اختيار هذا السيناريو أو ذاك. الصحافة، والميديا عمومًا ليست بدعا بين الصناعات المختلفة، بل ربما كانت باجتياح أكثر من غيرها إلى محترفي بناء السيناريوهات هؤلاء، نظرًا للتقلبات الشديدة في نماذج أعمالها، والتباين الكبير في نسب اعتمادها على الإعلانات والاشتراكات والمبيعات والخدمات الخاصة الخ في محفظة إيراداتها، وهي تقلبات ضاعفت منها العوامل التي تعرفونها جيدا وعلى رأسها تطور التكنولوجيا وتغير الأذواق. لقد أذهلت التطورات الراديكالية الصحافة عن ذاتها، وأفلس من أفلس وأغلق من أغلق وتحول إلى العالم الافتراضي من تحول، وأعاد كل من بقي على الساحة هيكلة وتحديث أدواته ومستهدفاته، ومع ذلك بقي طائر القلق محلقا فوق الرؤوس، ثم جاء الرئيس ترامب، مدشنا بكراهيته لمعظم الصحف الكبرى، عهدا ظن كثيرون في البداية أنه معول هدم آخر جدار في كيان الصحافة الكلاسيكية بما فيها تلك التي حاولت إعادة التموضع. استخدم ترامب كما رأينا أداة وحيدة هي تويتر، واظهر في النهاية أنه قادر بها على مقارعة عتاة الفرسان المؤسساتيين في مهنة الصحافة، بل وصب جام سخريته عليهم، لكن لم يمر وقت طويل حتى اكتشفت الميديا برمتها كما أن لترامب فضلًا كبيرًا في إعادة جمهور غفير إلى متابعة مصادر الأخبار والتحليلات والصور، بل ورسوم الكاريكاتير التي اجتذبها وجه ترامب كالحاوي، ولا يزال. نشطت صحف ورقية كانت تترنح أو عل الأقل أجلت موعد إغلاق الورقي أو التحول إلى الإلكتروني فقط، وازدهرت الأنشطة الصحفية كافة انطلاقا من الرغبة في مبارزة ترامب وتحديه أو من أجل مساندته ودعمه. في المحصلة أصبح هناك بالتأكيد ما يمكن قياسه كميًا من أفضال ترامب على الصحافة وصناعة الميديا كلها وخاصة من الناحية المالية. الآن يقف الجميع على حافة الخطر، مع انتهاء الاقتراع الأمريكي وانتظار النتيجة... ترامب ذاته والصحافة التي أنعشها، لكن غاب عن المشهد صناع السيناريوهات وكان ينبغي أن يعملوا منذ أشهر ويقدموا نصائحهم. لا تزال فرصة ترامب بالفوز باقية كما نرى، وفي هذه الحالة لن تحدث تغيرات دراماتيكية، أو قد تحدث تغيرات دراماتيكية أخرى غير التي جلبها ترامب بمجيئه، حيث من المتوقع أن يتعمق الانقسام أو الاستقطاب الأمريكي بقوة، سواء فاز أم خسر وهذه حالة ستنعش الميديا بجرعة تحفيز الصافية لكن لها تكلفتها السياسية. في الجانب المقابل يبدو بايدن بهدوئه وعدم وضوح لونه، مختلفا تماما في قدرته على إلهام الميديا أو تحديها أو طلب مساندتها. الميديا في المجمل ستعود معه لتواجه ذاتها وأسئلتها الوجودية والتراجيدية، هل تصمد أم تختفي أم تبحث عن نموذج لم يوجد بعد للعمل والتوازي أو الربح مجددا، غير أن الجانب الذي قد يمنحها مددًا آخر بغض النظر عن قبولنا أو رفضنا له، هو احتمال حدوث انفجارات عنصرية كبيرة مناهضة إذا فاز بايدن، وفي تلك الحالة ستستفيد الميديا، ويزداد طلاب الأخبار والصور والفيديوهات، من الجانبين، لكن يا له من مكسب، فالكل سيخسر في نهاية المطاف في أجواء صراعية كتلك، والأمر نفسه يقال وأكثر عن احتمالات رفض ترامب النتيجة أو تعليق إعلانها انتظارًا لحكم المحكمة العليا...