أفكار وآراء

الاعتراف الدولي ضرورة للسلام العادل

03 نوفمبر 2020
03 نوفمبر 2020

عوض بن سعيد باقوير -

رغم بعض العلاقات الرسمية بين الكيان الإسرائيلي وعدد من الدول العربية ذات العلاقة المباشرة بالصراع العربي الإسرائيلي خاصة مصر والأردن بعد توقيع معاهدتي كامب ديفيد ووادي عربة إلا أن العلاقات الشعبية ظلت لا قيمة لها واستمرت الشعوب في مطالبتها بحقوق الشعب الفلسطيني وأن السلام الحقيقي هو مع الشعوب.

تمر خلال هذه الأيام الذكرى الأليمة لوعد بلفور المعلن عام 1917 من قبل وزير خارجية بريطانيا حول إقامة وطن لليهود في فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني ولعل التخطيط لإقامة الوطن اليهودي المزعوم سبقته مخططات في بازل في سويسرا، حيث المؤتمر الصهيوني العام الذي تطور مقرراته إلى إعلان ذلك الوعد الظالم الذي شرد شعب فلسطين من أرضه وأقام كيانًا استيطانيًا تم تكريسه من الدول الكبرى خاصة بريطانيا، وبعد ذلك الولايات المتحدة الأمريكية في حدث يعد الأول من نوعه في تاريخ البشرية الحديث الذي أدى إلى زرع الكيان الإسرائيلي، ليس بهدف إقامة الكيان الحالي ولكن كانت هناك أهداف استراتيجية ضد الأمة العربية ومشروعها القومي في الوحدة والتعاون لإقامة منظومة عربية، ومن هنا فإن زرع الكيان الإسرائيلي يلبي ذلك المخطط الصهيوني الذي أصبح شوكة في قلب العالم العربي.

السلام العادل

بعد اندلاع حروب عدة بين العرب والمحتل الإسرائيلي منذ عام 1948 كانت هناك وقفة ودعم غربي وأمريكي وأيضًا من خلال الجماعات اليهودية التي تكونت في أرض فلسطين وارتكبت أعمالا إجرامية يعاقب عليها القانون الدولي خاصة عصابات الهاجانه وأرجون وليحي وشتيرن والبالماخ وغيرها من العصابات التي عاثت فسادًا في فلسطين ونحن نتحدث اليوم عن تلك الذكرى الأليمة من خلال وعد بلفور، ومن هنا فإن المجتمع الدولي وخاصة الدول الغربية مطالبة بتصحيح الوضع المأساوي الذي تسببت فيه ضد الشعب الفلسطيني من خلال، أولًا الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وحل قضايا ملايين اللاجئين في أرض الشتات ووضع الكيان الإسرائيلي تحت ضغط تلك الخطوة السياسية المهمة، كما أن الاعتراف الأوروبي سوف يرسل رسالة قوية إلى الكيان الإسرائيلي بأن السلام العادل والشامل هو السبيل الوحيد لإقرار الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وبدون ذلك السلام فإن الصراع سوف يتواصل ليس فقط سياسيًا ورسميًا ولكن من خلال نضال الشعوب وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني وأيضًا مساندة الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.

إنَّ سياسة إسرائيل العنصرية والاستيطانية على مدى سبعة عقود أفرزت الكراهية لهذا الكيان الغاصب الذي لا يقيم لقرارات الشرعية الدولية وزنًا ويواصل سياسة قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة المزيد من المستوطنات مستغلًا الضعف والخلافات العربية ومساندة إدارة ترامب التي قد تغادر البيت الأبيض إذا هزمت في الانتخابات مع ظهور هذا المقال، وقد تستمر سياسة الكيان الإسرائيلي إذا بقي ترامب لفترة ثانية، ومن هنا فإن الدول الغربية وخاصة بريطانيا عليها مسؤولية تاريخية وقانونية وأخلاقية من خلال خطوة الاعتراف بدولة فلسطين لأن ذلك سوف يشكل منعطفًا مهمًا في سبيل وضع إسرائيل أمام الواقع السياسي وأن السلام الحقيقي ينبع من خلال استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الذي عانى الأمرين تجاه الظلم وعدم الإنصاف الذي سببه ذلك الوعد الظالم.

الشعوب هي الفيصل

رغم بعض العلاقات الرسمية بين الكيان الإسرائيلي وعدد من الدول العربية ذات العلاقة المباشرة بالصراع العربي الإسرائيلي خاصة مصر والأردن بعد توقيع معاهدتي كامب ديفيد ووادي عربة إلا أن العلاقات الشعبية ظلت لا قيمة لها واستمرت الشعوب في مطالبتها بحقوق الشعب الفلسطيني وأن السلام الحقيقي هو مع الشعوب، حيث تظل العلاقات الرسمية في حدود بروتوكولية وتعاون محدود كما في الحالتين المصرية والأردنية، ومن هنا فإن أمام الكيان الإسرائيلي حاجز الشعوب العربية التي يتخطى عدد سكانها 400 مليون عربي وهناك أكثر من مليار ونصف المليار مسلم لهم مشاعر جياشة تجاه القدس والمسجد الأقصى المبارك وقد رأينا الحملة الشعبية في العالم الإسلامي والعربي ضد المواقف الفرنسية كنموذج على دور الشعوب على صعيد الوقوف مع الحق والعدل.

إذا الرهان على النظم السياسية وحدها لا يخلق السلام العادل والشامل ومن هنا فإن إسرائيل لابد أن تدرك هذه الحقيقة فهناك قطاع غزة فهو مثال حي على قوة وصمود الشعوب في وجه الاحتلال، فقطاع غزة هو شريط ضيق مساحته محدودة وملاصق للكيان الإسرائيلي ومع ذلك صمد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وأصبح هناك توازن في مجال الردع العسكري فيما يخص المواجهات على طول الحدود وعلى ضوء ذلك فإن نتانياهو لا يريد استيعاب مقدرات الشعوب ودورها النضالي في التاريخ البعيد والقريب وهو يراهن على دعم أمريكي قد يتغير مع تغير الإدارات، كما أن الشعب الفلسطيني هو شعب حي ومناضل ولا يستطيع نتانياهو أن يخترق جدار الشعوب الصلب فصمود الشعب الفلسطيني على أرضه وإيمانه بمشروع الوطني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967 سوف يتحقق عاجلًا أم آجلًا وهذه هي طبيعة الشعوب الحرة، كما رأينا ذلك في نموذج جنوب إفريقيا، وفي حالة فيتنام وغيرها من ميادين الصراع والكفاح الشعبي خلال القرن الماضي والحالي. والاستعمار الإسرائيلي هو آخر استعمار واحتلال في التاريخ الحديث، كما أن المجتمع الدولي وخاصة الأوروبي من خلال دور البرلمانات والمجتمع المدني قد ملّ من سياسات إسرائيل العنصرية والاستيطانية وانه لابد من حل سياسي عادل يحقق للشعب الفلسطيني آماله وطموحاته المشروعة وهناك حتى في إسرائيل دعوات للسلام العادل من قبل اليسار والمجموعات الليبرالية علاوة على الشعب الفلسطيني داخل أراضي الخط الأخضر، ومن هنا فإن إسرائيل سوف تظل محاصرة من قبل الشعوب العربية، وسوف تظل كيانًا غير مقبول في المنطقة على الصعيد الشعبي، كما أن قرارات الشرعية الدولية تفرض على الكيان الإسرائيلي الانصياع لتلك القرارات وأن وجودها في الأراضي الفلسطينية هو وجود غير شرعي وغير قانوني.

الأمم المتحدة.. دور أساسي

مرور ذكرى وعد بلفور لابد أن تستوقف الضمير الإنساني للوقوف مع الشعب الفلسطيني الذي ظلم وشرد من أرضه من خلال جريمة إنسانية لا تزال شواهدها حاضرةً في كل مدينة وقرية فلسطينية في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وفي حيفا وعكا ويافا وكل أرض فلسطين التاريخية، والتي سوف تظل في قلب كل فلسطيني وعربي، وأمام هذا المشهد فإن للمجتمع الدولي فرصة لتصحيح الأوضاع في حدها الأدنى من خلال، أولا: الاعتراف بدولة فلسطين كاملة السيادة وعضو كامل في الأمم المتحدة وفتح سفارات عربية وقنصليات في رام الله وبقية المدن الفلسطينية وتكثيف الزيارات والتعاون الاقتصادي، وهنا نسجل موقفًا لبلدنا السلطنة التي افتتحت سفارة لها في فلسطين علاوة على الموقف الرسمي الثابت لقيادتنا الحكيمة التي يقودها باقتدار وحكمة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وأيضًا من خلال الهبة والوقفة الكبيرة من الشعب العماني مع شقيقه الشعب الفلسطيني ومع تأييد حقوقه المشروعة وعلى ضوء ذلك يظل النموذج العماني مواكبا لضرورة السلام العادل والشامل الذي ينهي الصراع في منطقة الشرق الأوسط ويخلق التعاون بين شعوب المنطقة، هذا هو المنطق السياسي الموضوعي الذي ينبغي أن يحدث وعلى الكيان الإسرائيلي أن يختار بين السلام العادل والاستقرار وبين تواصل الصراع مع الشعوب العربية.

دور الأمم المتحدة يبقى دورًا محوريًا من خلال التذكير بتلك الحادثة التاريخية، وهي وعد بلفور الذي خلق صراعًا كبيرًا ممتدًا لعدة عقود، كما أن الأمم المتحدة لابد أن تطبيق قرارات الشرعية الدولية ولعل الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين سيكون خطوةً مهمةً في إطار الضغط على الكيان الإسرائيلي حتى ينصاع للإرادة الدولية ومتطلبات السلام العادل والمحافظة على الاستقرار والأمن في العالم كما ينص على ذلك ميثاق الأمم المتحدة وكما يقال لا يضيع حق ومن خلفه شعب مناضل مؤمن بعدالة قضيته ومشروعه الوطني، وإن إسرائيل في نهاية المطاف لا يمكن أن تحتفظ بالأرض والأمن معًا فالشعوب هي التي تنتصر ولنا في التاريخ عبرة.