أفكار وآراء

الانتخابات الأمريكية: مراجعات وهواجس الأيام الأخيرة

02 نوفمبر 2020
02 نوفمبر 2020

د.صلاح أبونار -

تنطلق اليوم الثالث من نوفمبر الانتخابات الأمريكية، وعندما ننظر إلى المشهد الإعلامي الأمريكي العام خلال الأيام القليلة السابقة على يوم الانتخابات، سنجد أمامنا حالة من اليقين في مواجهة الكثير من المراجعات والهواجس.

يقين أن المعركة الانتخابية الدائرة سوف تنتهي بانتصار بايدن، وهواجس تتواجد داخل مشهد اليقين ذاته وترى أن هناك من المفارقات ونقص المعرفة ما قد يكفي لهدم المشهد رأسا على عقب.

هناك عدة مواقع مرموقة متخصصة في رصد وتحليل مسيرة الانتخابات، سنستخدم منها موقع مجلة الايكونوميست البريطانية المخصص للانتخابات الأمريكية وموقع فايفثيرتي ايت وموقع ريل كلير بوليتيكس وموقع كوك بوليتيكال ريبورت، في رصد ما دعوناه بحالة اليقين. لكننا سنجعل مادة موقع فايفثيرتى إيت بؤرة تحليلنا، لأنه يمنحنا تنبؤات بنسب فوز محددة رقميًا وفقًا لنظام مركب وليس مجرد تصنيف لمستويات التأييد تحت عناوين عامة، ولأنه الموقع الذي يقف على رأسه نات سيلفر أحد أبرز خبراء قياس الرأي العام الأمريكيين، وبلغ درجة من القوة والتأثير دفعت صحيفة نيويورك تايمز للدخول في شراكة معه ونشر تحليلاته دوريا. وفقًا لتحليلنا للتقديرات التي يقوم بتحديثها دوريا والمنشورة بتاريخ 27 أكتوبر، وفقًا للموقع هناك شريحة أولى من 15 ولاية تفضل بايدن على ترامب بهامش يبدأ من82,2 نقطة وحتى 18 نقطة، ويصل إجمالي ناخبيها إلى183 ناخبا. ويليها شريحة ثانية من عشر ولايات تفضل بايدن بهامش يبدأ من 13,1 نقطة حتى 5,3 نقاط، ويصل إجمالي ناخبيها 95 ناخبا. وإذا اعتبرنا الشريحتين مؤيدين مؤكدين لبايدن سيصبح إجمالي ما ستمنحه من ناخبين 278 ناخبا، أي أعلى من معدل الفوز بالمجمع بثمانية أصوات. ولا يشكل هذا رصيد ناخبي بايدن الوحيد، فهناك شريحة ثالثة من 6 ولايات تمتلك 73 صوتا آخر محتمل التأييد، وبفارق لصالحه يتراوح بين 0,2 و4,6 نقاط، وبمتوسط 2,2 نقطة في فلوريدا ونورث كارولينا وأريزونا التي يبلغ عدد ناخبيها 55 ناخبا. ولو حالفه الحظ في الولايات الثلاث سيرتفع رصيد ناخبيه إلى 333.

ماذا بشأن ترامب؟ لديه أيضا شريحة أولى مؤيدة من عشر ولايات تمنحه 54 ناخبا، بهامش تأييد عال ولكنه أضعف من هوامش بايدن يتراوح بين46,4 و17,4 نقطة. وشريحة مؤيدة ثانية من 12 ولاية تمنحه 64 ناخبا، بهامش تأييد يتراوح بين 17,3 و7,8 نقاط. وبالتالي يصبح إجمالي ناخبيه المؤكدين 118 ناخبا. وكما هو شأن بايدن هناك شريحة ثالثة تشكل مصدرًا محتملًا لتأييده، وتتكون من ثلاث ولايات تمنحه 62 ناخبا، بهامش تأييد يتراوح بين 2,5 و 0,1 نقطة. ولو حالف الحظ ترامب وكسب ولايات الشريحة كلها، فسوف يرتفع عدد ناخبيه إلى 180.

وقد تبدو تلك التقديرات محابية للديمقراطيين، ولكن المواقع الثلاثة الأخرى تنتهي أيضًا إلى فوز بايدن، وإن بهوامش أعلى أو أدنى. تراوحت تقديرات موقع الايكونوميست بين 333 ناخبا لبايدن و205 لترامب في الأول من سبتمبر، و340 ناخبا لبايدن و198 لترامب في 24 أكتوبر.

ويرى كوك بوليتيكال ريبورت أن بايدن سيحصل على 290 ناخبا مقابل 163 لترامب، وسيتنافسان على 85 ناخبا في خمس ولايات متأرجحة، وبافتراض اكتساح ترامب لها كلها فلن يتعدى ناخبوه 248 ناخبا. ويري ريل كلير بوليتيكس أن بايدن يضمن 232 ناخبا مؤكدا مقابل 125 لترامب، ويوسع دائرة الولايات المتأرجحة فيجعلها 13 ولاية بإجمالي 181 ناخبا. ولو نظرنا إلى متوسطات حساباته لتوازنات الولايات المتأرجحة للفترة من أوائل أكتوبر حتى 22 منه، سنجد إمكانية عالية لفوز بايدن بأربعين ناخبا في 3 ولايات بفارق نقاط من 4,6 إلى 6 نقطة، وإمكانية محدودة لحصوله على 40 ناخبا من 5 ولايات أخرى بفارق نقاط من 0,8 إلى 2,4 نقطة، مقابل إمكانية عالية لحصول ترامب على 45 ناخبا في 3 ولايات بفارق نقاط من 5,2 إلى 5 نقطة، وإمكانية محدودة لحصوله على 18 ناخبا من ولاية واحدة بفارق 0,6 نقطة.

ولكن هذا اليقين لا ينعم طويلا بالطمأنينة، وسوف نجده عامرا بالهواجس. ما هي تلك الهواجس؟ يمكننا تنظيم أهمها في مجموعتين.

تتشكل المجموعة الأولى من الهواجس المرتبطة بخبرة انتخابات 2016 المريرة. لم تفشل كتائب متخصصي قياسات الرأي العام بالتنبؤ بنتيجتها فقط، بل أسرفت في التأكيد على هزيمة ترامب أمام كلينتون.

وكان من الطبيعي أن يشكل هذا الإخفاق مصدرَا أساسيًا للهواجس. وفي مواجهة تلك الهواجس يُولد نمطان من التفاعل. أول ينبه لحدود خطأ قياسات 2016. لم تفشل القياسات في التنبؤ بنتائج التصويت القومي العام، بل إن نتائجها وفقًا للتقرير العلمي الصادر عن الجمعية الأمريكية لأبحاث الرأي العام في 4 مايو 2017، تعتبر من أكثر القياسات القومية دقة على مدى 80 عاما. توقعت فوز كلينتون بالتصويت القومى بنسبة 3% وفازت بها بالفعل بنسبة 2,1%، وهو ما يعني نسبة خطأ مطلق 2,2% أي نصف متوسط الخطأ المطلق لتلك القياسات منذ 1936 والبالغ 4,4%. وثانٍ يقرر أن ما أخفقت فيه القياسات هو قياس نسب التأييد على مستوى الولايات وبالتالي التنبؤ بنتائج المجمع الانتخابي.

قام التقرير المشار إليه بمراجعة 423 قياسًا للولايات خلال الأسبوعين السابقين على الانتخابات، فوجدت أن متوسط الخطأ المطلق 5,1% ومتوسط الخطأ الموقع 3%، بينما كان متوسط المطلق في الانتخابات الرئاسية الأربع السابقة ما بين 3,2% و4,6%. ولم يجد التقرير أي أدلة تفيد أن خطأ تقدير الولايات ناتج عن تحيز سياسي، وبدلا من ذلك تمكنوا من رصد عدة أخطاء تورطت فيها القياسات، وأصبحت هاجسا لقياسات 2020 تسعى للإفلات منه. هناك هاجس الفشل في تكوين العينات الإحصائية بما يجعلها معبرة إحصائيا عن التركيبة الديموغرافية للفئات المؤيدة لترامب. تولد هذا الهاجس من خطأ قياسات 2016 في تقدير البيض غير الحاصلين على مؤهل جامعي في عيناتها الإحصائية. وفقًا لتحليل كورتينى كيندي رئيس اللجنة المعدة لتقرير الجمعية، تشكل موازنة عامل التعليم ومستوياته أحد القواعد التقليدية لتشكيل العينات، ولكن مراجعة قياسات الولايات أثبت أنها قللت من وزن غير ذوي التعليم الجامعي من البيض، الذين صوتوا بكثافه لترامب على الأخص في شمال الغرب الأوسط. وكان الخطأ نفسه موجودا في قياسات الانتخابات السابقة، ولكن لم يثر اهتمام أحد لأن المتعلمين تعليما عاليا ودون العالي كانوا يصوتون بأسلوب واحد، وهو ما تغير في انتخابات 2016. ولم ينتبه إلى هذا الخطأ سوى 18% من الجهات الماسحة، وأنتج نقص نسبة غير الجامعيين في العينات تحيزًا لهيلاري، بينما منح هؤلاء الناخبون ترامب عمليا 7 نقاط على المستوى القومى و37 نقطة تبعًا لقياسات ما بعد التصويت. وهناك هاجس ثانٍ مصدره الخوف من الفشل في رصد التغيرات التي يدخلها الناخبون في الأسبوع السابق على الانتخابات. ونجد مصدر هذا الهاجس في تصويت فريق من الناخبين لترامب خلال هذا الأسبوع، على عكس نواياهم السابقة التي رصدتها القياسات وأدخلتها في توقعاتها. ولا يمكن اكتشاف نسبة هؤلاء إلا من خلال قياسات ما بعد التصويت، ووفقًا لدراسة الجمعية وصلت في بنسلفانيا وويسكونسن ومتشيجان وفلوريدا إلى 15% من المصوتين لترامب. ولا يعتبر هذا خطأ في منهج القياس، بل ظاهرة حتمية ومتوقعة يمكن تقديرها نسبيا ومسبقا، من خلال مواصلة القياس حتى يوم الانتخاب واستخدام نموذج لرصد نمط ومعدل تحول الخيارات. وهناك هاجس ثالث مضمونه الخوف من الإخفاق في رصد قسم من القواعد المؤيدة لترامب. ومصدر الهاجس هو خطأ افتراضي وضعته الدراسة وسعت لاختبار مدى وقوع قياسات 2016 فيه. وشدد التقرير على بحثه عن أدلة على وجود تلك القواعد داخل المناطق الأكثر ريفية المؤيدة لترامب وفشله في الوصول لها، ومع ذلك يظل هذا الهاجس حاضرًا مثيرًا للمخاوف والتحسب.

وتتشكل المجموعة الثانية من الهواجس من وعى المشكلات التقنية التي تواجهها عمليات القياس وتؤثر على كفاءتها.

يشار إلى مشكلة أولى تتعلق بتراجع الموارد الموجهة للقياسات، وتأثيرها المتفاوت على قياسات الولايات بالمقارنة بالقومية. أضحت القياسات القومية تحظى بالقدر الأكبر من الموارد، ومعها الأساليب الأكثر إحكامًا والكوادر الأكثر عددا ومهنية، بينما تتراجع موارد قياسات الولايات ومعها جودة وتكامل المناهج لتزداد رغبه في السرعة وتوغلا في أساليب القياس الآلي بكل سلبياته، الأمر الذي سيؤثر سلبا على مدى موضوعيتها. ويشار إلى مشكلة ثانية تتعلق بالتوازن والتكامل المطلوب، بين الأساليب التقليدية لاختيار العينة والأساليب الحديثة المعتمدة على تقنيات التواصل الإلكتروني، وبين أساليب إجراء القياس التقليدية مثل المكالمة الحية والأساليب الحديثة مثل المكالمات الآلية أو البريد الإلكتروني، بما يتيح أكبر قدر من الكفاءة والتنوع في أساليب القياس وبالتالي النجاح في محاكاة مكونات الواقع. ويشار أخيرًا لمشكلة ثالثة تتعلق بمدى تأثير وباء الكورونا والتصويت البريدي على كفاءة القياس وتوقعاته. ترتبط عملية بناء العينة والتوقعات الإحصائية بحجم الإقبال التصويتي، ومع التصويت البريدي أصبح هذا غاية في الصعوبة ويؤثر على مدى صلابة التوقعات. وحتى لو توصل المتخصصون لبناء نماذج لتوقع حجم الإقبال يمكن للقياسات المبنية عليها أن تواجه تحديات ضخمة، من واقع المشاكل التي ستواجهها عمليات فرز الأصوات والتي لا نعرف حدودها.