ضبصثبض
ضبصثبض
الاقتصادية

« في أول أيام موسم الخطلة » .. 4 آلاف رأس من النوق النجاب يدوي حنينها بين جنبات وادي نحيز

23 أكتوبر 2020
23 أكتوبر 2020

منذ أكثر من 120 عاما موسم الاحتفال بخطيل الإبل لم تتوقف إلا هذا العام بسبب الجائحة

خطيل الإبل إلى وادي نحيز له طابع خاص وفريد يحظى بترقب وشغف من قبل المواطنين في ظفار

زار وادي نحيز- أحمد بن عامر المعشني

بدأت أيام موسم رحلة خطيل الإبل من السهول إلى الأودية في جبال محافظة ظفار من ضلكوت غربا إلى سمحان شرقا حيث تسرح هذه النوق في العديد من الشعاب والأودية الخصبة التي تتوفر فيها المراعي الخصبة والتغذية الجيدة ولعل حليب النوق برغوته البيضاء كالثلج يمثل عنوانا لهذه الوفرة وبالتالي انعدام المصروفات اليومية التي تثقل كاهل مربي هذه الثروة الحيوانية. وتشير كلمة "الخطيل" إلى تحرك قطعان اﻹبل من السهول إلى قمم الجبال بعد أن مكثت ثلاثة أشهر في السهل أو القطن. حيث إن الإبل تكون حينها تواقة لانجلاء موسم الخريف ليتسنى لها التمخطر في الجبال والأودية. حيث يشكل إياب الإبل من المرعى قبيل المغيب لوحة إبداع متفردة الجمال، حيث خيوط الشمس المنعكسة على بساط الخضرة الذي تتحرك عليه آلاف الإبل وسط غابات من الأشجار في اتزان وانتظام لتصل إلى مباركها دونما عناء. فتبدو الصورة كأن الأرض هي التي تتحرك، كما يقول المثل الشعبي الريفي (أتيبغود شيسن ديني). ورغم أن الخطلة متشابهة في عموم المحافظة إلا أن خطلة الإبل إلى وادي نحيز بنيابة حجيف في ولاية صلالة تختلف كثيرا عن بقية الخطلات إذ لا يزال ملاك الإبل محافظين على ذلك الموروث الشعبي الأصيل مما يجعل من سكان محافظة ظفار مدينة وريفا يترقبون وبشغف كبير عملية خطيل الإبل إلى وادي نحيز لما لها من طابع خاص وفريد حيث يقيم ملاك الإبل عند وصول أبلهم إلى وادي نحيز من السهل والتي تستغرق يوما كاملا بمرافقة مجموعة من الرعاة الذين يحملون على ظهورهم مستلزماتهم الضرورية احتفالية تتضمن فن الهبوت والمشعير والنانا في الليالي المقمرة. كما يتمتع ملاك الإبل بسعة صدورهم كسعة واديهم الشهير في استقبال تلك الأفواج من المواطنين التي تحضر لمشاهدة خطيل الإبل.

زيارة وادي نحيز

جريدة (عمان) زارت وادي نحيز منذ ظهور خيوط الفجر الأولى لتلتقط الصور للإبل وهي في مباركها قبل بدء عملية الحلب وبالتالي انطلاقها إلى المرعى وذلك للتعرف عن قرب مع ملاك الإبل على عملية الخطيل والعادات الشعبية التي تصاحبها. والحقيقة استمتعت كثيرا بحنين النوق المتزامن مع شروق الشمس الذي كان يدوي بين جنبات وادي نحيز الشهير ويردد بأنغام شجية هي أقرب إلى أوتار الموسيقى التي تشعرك بروح الحنان والمحبة.

وتحدث عامر بن سالم لقحيت قطن فقال. نقوم سنويا نحن ملاك الإبل في وادي نحيز بإبعاد الإبل عن الجبال إلى السهل الذي يعرف محلياً (بالجربيب) خلال موسم الخريف كون طبيعة الإبل لا تتأقلم لتمكث في الجبال والأودية أثناء موسم الخريف من ناحية، ومن ناحية أخرى الحفاظ على البيئة وإعطاء فرصة للمراعي في الجبال والسهول لتنبت وتنمو ، حيث تقضي الإبل مدة 3 أشهر داخل الحظائر ، ويتم تغذيتها بالأعلاف طوال هذه المدة حفاظا على حياتها من مخاطر الأمطار والانزلاقات، فقد تتسبب رطوبة التربة جراء هطول الأمطار والرذاذ إلى تزحلق الإبل، وبالتالي إصاباتها بإصابات بليغة قد تؤدي إلى النفوق أحيانا فنحن بهذا نحميها من الأذى.

وقال عامر قطن: بعد انتهاء موسم الخريف يبدأ موسم الرعي الربيعي (خطيل الإبل) وهي مناسبة سنوية يعقد فيها أصحاب الشورى من ملاك الإبل اجتماعا يتم فيه تحديد اليوم الذي تتحرك فيه الإبل جماعيا من السهل ( الجربيب) منطقة كزيت حيث يقدر أعداد الإبل التي تخطل إلى وادي نحيز بحوالي (4000) رأس من النوق وكذلك قسم آخر من الإبل تخطل إلى وادي (رشم) وتقدر بأكثر من ألف رأس. وعادة يتم تأخير الخطلة حتى تتمكن النباتات من النمو وتصبح الأرض يابسة لسهولة وصول الإبل للوادي حيث تكون الإبل في حالة أقرب إلى الهستيريا رغبة لدخول الوادي ويمكن وصف حالتها كالسجين الذي تم الإفراج عنه فهو بلا شك تواق للحرية فلإبل كذلك تشعر بانجلاء موسم الخريف ليتسنى لها التمخطر في الجبال والأودية لتبدل الأجواء. في موسم الربيع تسرح الإبل على شكل قطعان ويتم مرافقتها من قبل مجموعة من الرعاة وهم ملاكها ولمدة شهر إلى شهرين، حيث تنتقل فيها هذه القطعان من مكان إلى آخر ويسود فيه جو المتعة والترحال وهو أشبه ما يكون بالرحلات السياحية الخلوية في الطبيعة الخضراء، فيتركون صخب الحياة اليومية الاعتيادية إلى نوع آخر من الحياة بين أحضان الطبيعة بمنظر بديع وصور جمالية لا يشعر بها سواهم.

انطلاق الخطلة من كزيت

من جانبه تحدث علي بن بخيت قطن فقال. عندما تبدأ الإبل في الخطلة من منطقة (كزيت) وهي النقطة التي تنطلق فيها الإبل إلى وادي نحيز ووادي رشم يكون ذلك عادة في الصباح الباكر ويقوم ملاك الإبل بتجزئة الإبل إلى قسمين حيث تتقدم في العادة النوق التي ليس لها صغار والتي يطلق عليها باسم ( إنجاز) بعدها بقية الإبل وذلك منعا للتدافع لضيق الممر وكثرة الإبل ووعورة الطريق لأن مدخل بوابة الوادي تكون عادة مغلقة طيلة موسم الخريف ويتم فتحها مع الخطلة .

وأضاف علي قطن فقال: عندما تصل الإبل إلى عمق وادي نحيز الذي يتميز عن غيره من الأودية بكثافة الأشجار وخصوبة الأرض تظل أربعة أيام وهى جماعية وتبرك في عدة مواقع منها ( أقات وأطح وعضليت حفرات واكع.)

وأكد علي بن بخيت قطن بانه مازال المجتمع الرعوي في محافظة ظفار يراعي أعراف "الخطيل" وإن استجدت عليها بعض المستجدات فلم تعد الأرض بكرا كما كانت ولم تعد الإبل ترعى طيلة الموسم بل إن قضاء شهر قبل العودة إلى الأعلاف المصنعة يعتبر مدة طويلة بمقاييس اليوم.

وقال علي بن بخيت قطن: بعدها يستقر أصحاب الإبل في وادي نحيز بعد رحلة طويلة يتبادلون الحديث ما بينهم عن موسمهم وتفاصيله الكثيرة والجميلة التي صاحبت الخطلة محتفين بمن رافقهم مع ابلهم الأصائل إلى مساكنهم الدائمة.

أعراف وقوانين

أما سالم بن أحمد قطن فقد أكد بأن هناك أعرافا متفق عليها بين ملاك الإبل في محافظة ظفار يتقيد بها الجميع فما أن ينزل أهل الإبل من الجبال إلى السهل أو القطن المحاذي للجبل من الشمال بحسب الطبيعة الجغرافية لكل منطقة ويؤذن الخريف بالدخول حتى يتجدد قرار منع الرعي تلقائياً والذي يسمى محليا (التحديد) أي تحديد مكان وزمان الرعي في الجبال والسهول ذات الكثافة النباتية التي تتساقط فيها الأمطار بغزارة وهو أمر لازال معمول به إلى اليوم ولهذا يستمر هذا المنع الذي يقره الجميع طيلة فترة الخريف بحيث لا تؤثر عملية الرعي على نمو الأشجار والأعشاب. وتابع حديثه قائلا: عندما تصل قطعان الإبل إلى وادي نحيز وتنهمك الإبل بين تلك الأشجار المختلفة مستمتعة بثمارها وزهورها يقومون بأداء الفنون الريفية المتعارف عليها، مثل الهبوت والنانا والدبرارات والمشعير وتكون أشعارهم تحمل في مضمون معانيها عبارات الفرح والشكر على النعم التي هم فيها، وكذلك وصف الأجواء والطبيعة التي يعيشون فيها تلك الأوقات الجميلة المصحوبة بليال السمر احتفاء واحتفالا بعودة موسم الصرب وهم في عافية وقد جمعهم الله بباقي أقاربهم في نفس المكان فهي عودة على ميعاد.

بسبب جائحة كفيد19

وأضاف سالم قطن بأن هذه الاحتفالية تقام سنويا في موقع يسمى (اطح) نظرا لتوسط هذا المكان في الوادي حيث تستمر هذا الاحتفالية لمدة أربعة ليالي على ضوء القمر أو يتم استخدام الفوانيس بالإضافة إلى إشعال مواقيد النار بحطب أشجار السقوت اليابسة. وتشهد الاحتفالية حضورا كبيرا من أبناء المنطقة والمناطق المجاورة لها. ولكن بسبب جائحة كفيد19 وتقيدا بتعليمات للجنة العلياء المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا فقد قرر أصحاب الإبل في وادي نحيز عدم إقامة أي احتفالية لموسم خطيل الإبل لهذا العام مما أثر كثيرا على نفوس المعنيين لغياب عادة لم يكتب التاريخ أنها توقفت يوما منذ أكثر من 120 عاما.