أفكار وآراء

بين التحديات الاقتصادية والوحدة المجتمعية

20 أكتوبر 2020
20 أكتوبر 2020

عوض بن سعيد باقوير -

إن بلادنا -والحمد لله- بخير وسوف تظل كذلك وان التكاتف والوحدة المجتمعية هي من طبيعة الشعب العماني الأصيل، والتحديات الاقتصادية تبقى في حدودها التي سوف تجد لها الحلول وأيضا تنتهي معها أزمة فيروس كورونا التي تعد التحدي الأهم في هذه المرحلة.

تواجه السلطنة كغيرها من دول العالم الأخرى تحديات اقتصادية نتجت عن عوامل خارجية تمثلت في انخفاض أسعار النفط لعدة سنوات وانتشار جائحة كورونا منذ بداية هذا العام، وقد شملت تلك التحديات الاقتصادية دول العالم ومنها الدول الصناعية الكبرى في العالم. وعلى ضوء تلك التحديات فإن التاريخ البعيد والقريب يشير إلى حقيقة مهمة تتمثل في التناغم والوحدة المجتمعية لمواجهة كل تلك التحديات وهي أساسا وقتية، حيث إن فيروس كورونا سوف يختفي يوما ما كما أن أسعار النفط قد تعاود الارتفاع مع تنامي الاقتصاديات الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والصين ودول الاتحاد الأوروبي ودول جنوب شرق آسيا، لأن مصالح العالم الاقتصادية أصبحت متشابكة، وأظهرت أزمة كورونا مدى ارتباط الأسواق العالمية وسوق النفط مع وجود التأثيرات السياسية نتيجة الأزمات الإقليمية.

الوحدة المجتمعية

عندما تحدث أزمة اقتصادية لأي دولة أو تحدٍ خارجي، فإن الدور المجتمعي يعد هو صمام الأمان والشعب العماني هو نموذج حي للوقوف مع وطنه منذ قرون فكما يقال المحن والتحديات تظهر معدن الشعوب الحية، ومن هنا فإن التحدي الاقتصادي الذي يواجه السلطنة هو أمر حقيقي ومع ذلك فإن هناك خططا حكومية وإجراءات ومتابعات متعددة للتخفيف من تلك التحديات الاقتصادية، ولذلك فإن الوقفة الوطنية تعد أمرا حيويا حتى يمكن عبور تلك التحديات.

دول العالم شرقها وغربها تعاني الأمرين من الأوضاع الاقتصادية وبالتالي فإن مسألة تخفيض التصنيف السيادي للدول أو مسألة الانكماش هي مسألة طبيعية تعلن عنها المؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين وحتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تواجه أمريكا وهي اكبر اقتصاد في العالم مشكلات كبيرة بسبب فيروس كورونا وهناك أرقام سلبية تتحدث عنها المؤسسات النقدية الدولية وحتى المملكة المتحدة تم تخفيض تصنيفها السيادي وتمر بأوضاع اقتصادية صعبة.

السلطنة إذن تمر بتحديات اقتصادية ومع ذلك فإن هناك مبشرات جيدة من خلال تصدير شحنات الغاز من حقل غزير وجاهزية ميناء الدقم وهناك الأرقام الجيدة التي تحققها الموانئ العمانية في صحار وصلالة مع استكمال منظومة الطرق وهي الشبكة الأهم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكذلك التركيز على منظومة المناطق الصناعية علاوة على الكوادر الوطنية التي تلعب الدور الحاسم في التنمية المستدامة في السلطنة.

إن الكل أصبح يفتي في مجال الاقتصاد وتحليل الأزمات بعيدا عن المختصين وأصبحت هناك رؤية من عدم اليقين تواجه الساحة المحلية من تحليلات غير موضوعية ومبالغات غير منصفة، ومن هنا فإن الوقوف إلى جانب الوطن في وقت الأزمات وفي وقت الازدهار هي مسألة حيوية تتعدى مسألة التحديات الاقتصادية وهي تحديات تأتي من خلال دورات اقتصادية وأزمات تواجه الاقتصاد العالمي، فالسلطنة هي ذات ارتباط اقتصادي بالعالم والتأثيرات متبادلة.

الثوابت السياسية

هناك خلط يتحدث عنه البعض بين الثوابت السياسية للسلطنة وبين المصالح الاقتصادية لها، حيث إن التحديات الاقتصادية تواجه دول مجلس التعاون الخليجي وتم نشر الأرقام من خلال المؤسسات الاقتصادية الدولية، صحيح هناك دول لديها احتياطات نقدية كبيرة ولكن التحديات الاقتصادية موجودة.

من هنا فإن الربط بين التنازل عن الثوابت السياسية ومسألة الحلول الاقتصادية هي مسألة غير واقعية كما في القضية الفلسطينية على سبيل المثال، حيث إن السلطنة أعلنت أكثر من مرة أنها مع السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط من خلال تطبيق قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية وهي تشترك في هذا النهج مع دولة مهمة في المنطقة كالمملكة العربية السعودية التي ترتبط بالسلطنة بعلاقات تاريخية مميزة، ومن هنا فإن بعض التعليقات تنطلق من أهداف خبيثة مرصودة هدفها زعزعة الثقة وخلق مناخ سلبي وهذا الأمر ثبت فشله في محطات عديدة.

إن الوقفة المجتمعية تعد سلاحا مهما في تطور الأوطان ومواجهة التحديات، كما أن السلطنة في نهضتها المتجددة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - ماضية في رسم الخطط والآليات التي من شأنها النهوض بالوطن في كل مجالات الحياة، والتحديات التي تواجه الدول هي أمور طبيعية فانخفاض أسعار النفط في منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي وصل إلى اقل من عشرة دولارات ومع ذلك تواصلت التنمية على كل المستويات.

إن الأمر المهم هو ضرورة التلاحم بين القيادة والشعب وهو أمر متحقق وأن تكون هناك يقظة مجتمعية في عالم تسوده الكثير من الضبابية، وعلى ضوء ذلك فإن بلادنا وفق توجهات قيادتنا الحكيمة تواصل نهجها السياسي الثابت في مساعدة الآخرين وفي الأزمات كما في اليمن وضرورة وقف تلك الحرب، وهناك تنسيق متواصل مع الشقيقة السعودية وحتى على صعيد حل الخلاف بين الأشقاء في دول المجلس، وهذا الدور العماني المحوري سوف يتواصل حتى الحوار بين واشنطن وطهران.

أمر آخر وهو أن مواجهة جائحة كورونا والتغلب على التحديات الاقتصادية هي الأساس لخروج دول العالم من تلك التحديات الاقتصادية، ولذلك نتطلع أن تكون التحليلات الاقتصادية موضوعية ويتصدر لها أصحاب الاختصاص، لأن ذلك يعطي مصداقية لتلك التحليلات والبعد عن المبالغات بهدف زيادة المتابعين في شبكات التواصل الاجتماعي.

محدّدات المستقبل

على الجميع أن يقوم بدوره، فالعمل والإنجاز اكبر من الكلام في كثير من الأحيان وهذه دعوة للعمل والتركيز على تحسين المؤشرات في الوحدات الحكومية وأيضا تنشيط الاقتصاد، وأن يكون هناك المزيد من التعاضد والمشاركة بين القطاعين الحكومي والخاص والمجتمع المدني، كما أن التفرغ للعمل سوف يعطي الفرصة للإبداع وتنفيذ محددات المستقبل من خلال تنفيذ خطط رؤية عمان 2040 وأيضا انطلاق الخطة الخمسية الجديدة مطلع العام الجديد، أما فيما يخص تحسين أوضاع المواطنين في مجال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فهناك إجراءات حكومية للتخفيف من تأثيرات جائحة كورونا كما أن قرارات البنك المركزي بالتخفيف على المتقاعدين والتي أتت بمباركة سامية تصب أيضا في توفير السيولة للمواطنين وتحريك الأسواق، ومن هنا فإن محددات المستقبل واضحة والشعوب ذات البعد الحضاري كالشعب العماني الأصيل سوف تقف مع وطنها وقيادتها حتى تنتهي أعراض تلك التحديات الاقتصادية كما أن الحكومة الجديدة لديها عمل كبير، من خلال إنجاز مؤشرات واضحة وهذا أمر مهم تم التطرق إليه في مقال سابق، وكما يقال إن تلك التحديات ستبقى من الماضي وتكون هناك رؤية تنطلق من ضرورة تحقيق اهم إنجاز وهو التنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد بشكل شبه مطلق على سلعة النفط في المستقبل، حيث إن التحدي الاقتصادي ارسل رسالة إلى دول مجلس التعاون الخليجي لإعادة أولوياتها الاقتصادية في المستقبل، كما أن هناك مؤشرات إيجابية لحل الأزمة الخليجية بين الأشقاء وهذا سوف يكون حدثا مهما للمّ الشمل وانطلاق منظومة مجلس التعاون الخليجي لتحقيق أهداف شعوب هذه المنطقة في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية وفي مجال تطوير التعليم والتقنية لأجيال جديدة تتطلع إلى النهوض بأوطانها والدخول في عالم سوف يتسم بالتحديات الحضارية والسباق في ميدان العلوم الحديثة.

إن بلادنا -والحمد لله- بخير وسوف تظل كذلك وان التكاتف والوحدة المجتمعية هي من طبيعة الشعب العماني الأصيل، والتحديات الاقتصادية تبقى في حدودها التي سوف تجد لها الحلول وأيضا تنتهي معها أزمة فيروس كورونا التي تعد التحدي الأهم في هذه المرحلة، ولذلك فإن السلطنة وثوابتها السياسية باقية وسوف تتواصل نهضتها المتجددة بعون الله أولا ثم من خلال حكمة القيادة وتصميمها على بلوغ الأهداف الوطنية وسوف يظل الشعب العماني الأصيل عضدا لوطنه كما كان دوما ومساندا لقيادته تحت ظل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه -.