أعمدة

أهمية الأمن الدوائي وتحديات صناعة الدواء

18 أكتوبر 2020
18 أكتوبر 2020

سالم بن سيف العبدلي

  كاتب ومحلل اقتصادي

توفير الغذاء والدواء لجميع أفراد المجتمع ينبغي أن يكونا متلازمين ولا بد أن يكونا من أهم أوليات الدول فبالغذاء يحيا الإنسان وينمو وبالدواء يبرأ من العلل والأسقام وبالتالي تستمر الحياة فكلا الأمرين يرتبطان بحياة الإنسان وضمان بقائه وسلامته.

وقد تحدثنا كثيرا عن الأمن الغذائي بحكم قربنا منه ومعرفتنا التامة بتفاصيله وتشرفنا بأن نكون جزاء من منظومته، أما الأمن الدوائي ربما لأول مرة نتحدث عنه في هذه الزاوية وطبعًا العديد من الكتاب والصحفيين كتبوا عنه الكثير ورأينا أن نسلّط الضوء عليه لما له من أهمية كبيرة خاصة في أوقات الأزمات وعند انتشار الأوبئة والأمراض التي تفتك بالبشر.

الأمن الدوائي تعريفه واسع وكبير فهو يتجاوز توفير الكمية الكافية من الأدوية الأساسية في الوقت المناسب وبالأسعار العادلة وفي متناول الجميع، إلى توفير الأدوية التي يحتاجها الإنسان بكميات تكفي الاستهلاك لفترات طويلة قد تمتد إلى سنوات، إضافة إلى توفير المواد الأولية للصناعة الدوائية المحلية وتشجيع ودعم تلك الصناعة بحيث تكون قادرة على المنافسة والتطوير والتوسع ضمن سوق دوائي يعتبر الأصعب في المنطقة العربية بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص.

السلطنة ما زالت تعتمد على الخارج وعلى استيراد معظم احتياجاتها من الأدوية والأمصال والمستلزمات الطبية الأخرى فلا توجد لدينا حتى الآن صناعة حقيقة للأدوية، وتظهر المؤشرات والأرقام الصادرة عن وزارة الصحة بأن نسبة الإنفاق الشخصي ومساهمة القطاع الخاص على الصحة لا تتجاوز 20% من الإنفاق العام بينما يصل الدعم الحكومي لهذا القطاع إلى 80%، كما أن نسبة الصناعة الدوائية في السلطنة ضعيفة جدًا وما زالت تستورد بعض الأدوية والمعدات بنسبة 100%.

الصناعة الدوائية في السلطنة قليلة جدًا فما زلنا نستورد ما نسبته 95% من المنتجات الدوائية والأدوات الجراحية و100% من الأدوات المختبرية، حيث تنتج المصانع المحلية حوالي 5% من إجمالي الأدوية المتداولة في السلطنة، وتوجد حاليا في السلطنة فقط أربعة مصانع لإنتاج الأدوية تتمثل في مصنع واحد لإنتاج المواد الخام ومصنع واحد لإنتاج الأدوية في شكلها غير النهائي، ومصنعين لإنتاج الأدوية في شكلها النهائي.

بالنسبة لصناعة المنتجات الطبية والصيدلانية والمتمثلة بالأدوية والأدوات الجراحية والأجهزة الطبية وأدوات المختبرات تعتبر محدودة حيث تصل نسبتها 5.6% فقط من حجم السوق الدوائية في دول مجلس التعاون الخليجي والبالغة 8.5 مليار دولار هذه المؤشرات تظهر لنا بأننا فعلا محتاجين إلى تشجيع الاستثمار في هذا القطاع المهم للغاية والذي يزداد الطلب عليه بزيادة عدد السكان وبظهور أمراض وأوبئة غير منتشرة حاليا.

ينبغي تسخير البحث العلمي والابتكار لهذا القطاع فصناعة الأدوية لا تتم بين يوم وليلة ولا من خلال استيراد مواد خام ومركبات كيماوية ومزجها مع بعضها البعض فحسب وإنما من خلال ابتكار أدوية جديدة وأمصال تتوافق مع طبيعة ونوع الأمراض وهذا لا يتم إلا من خلال إجراء البحوث المكثفة والتي أحيانا تستغرق سنوات، فالأدوية التي نستخدمها حاليا مرت بسنوات من البحث والتجربة حتى وصلت إلينا.

البيئة العمانية مليئة بالعديد من المواد الخام التي يمكن أن تقوم عليها صناعات دوائية كثيرة ففي الجبال والبراري والسهول توجد العشرات من الأشجار والشجيرات الطبية التي تبحث عن من يستخرج منها مواد يمكن أن تكون نافعة وجيدة لعمل تركيبات من الأدوية التي تعالج العديد من الأمراض، لذا فمن الضروري إقامة مراكز أبحاث الدواء لمجاراة التقدم العلمي في العالم وربطها بالجامعات من أجل تحقيق الأهداف المرجوة.

ينبغي تقديم حزم من التسهيلات التي تجذب المستثمر المحلي والأجنبي المتخصص في إقامة مصانع الأدوية والعقاقير والمستحضرات الطبية الأخرى لتوفيرها للسلطنة من أجل تغطية احتياجات السلطنة من هذه المنتجات وتصدير جزء منها إلى الخارج، وزارة الصحة وحسب تصريح لها تقدم مجموعة من التسهيلات للاستثمار في القطاع الصحي.

تم عمل خارطة بأولويات المشروعات الصحية وتحديد الأولويات والاحتياجات في القطاع الصحي في المحافظات حسب السكان ومؤشرات الأمراض، وتحديد قاعدة بيانات للمشروعات الصحية والطبية الاستثمارية وحصر الأراضي الجاذبة وتخطيط المؤسسات الصحية الحكومية لإقامة مرافق خاصة مساندة وتقديم المعلومات والدعم الفني في دراسات الجدوى.

تقوم الوزارة حسب البيان بتسهيل الإجراءات للمستثمرين من خلال فتح تراخيص المؤسسات الصحية الخاصة ومصانع الأدوية من خلال البوابة الصحية وقامت بإصدار دليل موسع وشامل «دليل المستثمر» الاستثمار في القطاع الصحي بهدف مساعدة الأفراد والمؤسسات التي تتطلع للاستثمار في القطاع الصحي في السلطنة، ويعتبر مرجعًا استرشاديًا للمستثمرين في القطاع الصحي الخاص للتعرف على الأنظمة واللوائح والإجراءات العامة للحصول على التراخيص والجهات التي تمنح الموافقات طبقًا للأنشطة المطلوب ممارستها.

ما زلنا نرى أهمية تقديم حزم وتسهيلات أكثر لجذب القطاع الخاص للاستثمار في هذا القطاع المهم للغاية كما أنها فرصة للشركات الحكومية التابعة للصندوق العماني للاستثمار الدخول في شراكة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي للاستثمار في هذه الصناعة واستغلال الفرص والمزايا المتوفرة في السلطنة.