1522384
1522384
العرب والعالم

القوات الأرمينية الانفصالية والجيش الأذربيجاني يتبادلان التهم على وقع «هدنة إنسانية هشّة »

11 أكتوبر 2020
11 أكتوبر 2020

بعد قصف ليلي استهدف «ناغورني قره باغ » ومدنًا أذربيجانية وتسبب بسقوط ضحايا -

ستيباناكرت (أذربيجان)-(أ ف ب) - تبادلت القوات الأرمينية الانفصالية في ناغورني قره باغ والجيش الأذربيجاني أمس الأحد التهم بقصف ليلي استهدف مناطق مدنية وتسبب بسقوط ضحايا، ما يعكس واقع هدنة إنسانية لم تُثبت بعد.

أكد الزعيم الأرمني لإقليم ناغورني قره باغ الانفصالي أمس الأحد أن الوضع «أكثر هدوءًا» من اليوم السابق على جبهة القتال بين قواته والقوات الأذربيجانية، في اليوم الثاني من هدنة هشّة.

وقال الرئيس الانفصالي أرايك هاروتيونيان في مؤتمر صحفي ستيباناكرت عاصمة الإقليم، «أمس لاحظنا ذلك جميعًا، لم يكن هناك وقف لإطلاق النار. يبدو أن منذ هذا الصباح الوضع أكثر هدوءًا، لكن ذلك يمكن أن يتغيّر بسرعة».

وأضاف «في الوقت الحالي، ليس هناك قصف جارٍ. ثمة تبادل لبعض الطلقات وقذائف الهاون على خطّ الجبهة، سنرى إلى متى سيستمرّ ذلك.. لا نعرف كيف سيمرّ النهار»، في حين استُهدفت ستيباناكرت بما لا يقلّ عن ثلاث جولات قصف خلال الليل.

وكان الهدوء يسود في المدينة صباح أمس الأحد.

وحذّر هاروتيونيان الذي كان يرتدي كنزة كاكية اللون وسراولًا عسكريًا، من أنه «طالما الطلقات مستمرة، لن يحصل تبادل للأسرى».

وتهدف الهدنة الإنسانية التي جرى التفاوض بشأنها في موسكو الجمعة الماضية إلى تنظيم تبادل سجناء وجثث جنود.

وأكد هاروتيونيان مجددًا أن جميع الأرمن سيمارسون «حقّهم بالدفاع عن النفس» في حال حصل هجوم أذربيجاني، مشيرًا إلى احترام وقف إطلاق النار من جانبه.

وحذّر الزعيم الانفصالي أيضًا من أنه في حال استمرّ القتال فسيطلب من أرمينيا الاعتراف باستقلال إقليمه، الأمر الذي سيفاقم النزاع مع أذربيجان.

وقال هاروتيونيان (47 عامًا) الذي يظهر كل يوم إلى جانب جنوده على الجبهة، إن «أرتساخ (الاسم الأرمني لناغورني قره باغ) لن تكون أبدًا جزءًا من أذربيجان».

وتابع «أذربيجان تستخدم صواريخ سميرتش وبولونيز وطائرات مسيّرة، ضد السكان المدنيين في أرتساخ».

وندد بما أسماه «التحالف الدولي » الذي أقامته بحسب قوله باكو وأنقرة فيما أشاد بـ«تعبئة وتضامن» أرمينيا والجاليات الأرمنية.

وشكر أيضًا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على «جهوده من أجل عودة السلام» إذ إن المفاوضات التي جرى التوصل خلالها إلى وقف إطلاق النار، كانت برعاية موسكو.

وفي ما يخصّ مفاوضات سلام محتملة مقبلة مع باكو، عبّر الرئيس الانفصالي عن تخوفه، متهمًا أذربيجان بأن لديها «هدف تنفيذ إبادة لكل أمّتنا وشعبنا وثقافتنا وتاريخنا».

وانفصل إقليم ناغورني قره باغ عن أذربيجان ما تسبب بحرب مطلع تسعينيات القرن الماضي أسفرت عن ثلاثين ألف قتيل. ورغم وساطة دولية استمرت ثلاثين عامًا، لم يصلوا إلى حلّ للنزاع إطلاقًا.

مقتل 7 مدنيين وإصابة 33 شخصًا

وأعلنت أذربيجان مقتل 7مدنيين وإصابة 33 شخصًا بجروح في قصف ليلي على غاندجا، ثاني مدن البلاد الواقعة على بعد ستين كيلومترًا من الجبهة التي كانت استُهدفت مرات عدة منذ أسبوع.

وأوضح مكتب المدعي العام أن المبنى الذي استُهدف يضمّ شققًا منددًا بهجوم «متعمد على السكان المدنيين».

وأفاد صحفيون في وكالة فرانس برس في المكان أن رجال إنقاذ يعتمرون خوذات حمر كانوا يبحثون بأيديهم العارية بين أنقاض المبنى. وشاهدوا أيضًا جثتين جرى إخراجهما من بين الركام.

وكانت نساء يجهشن بالبكاء يشاهدن عملية البحث عن ضحايا.

في المجمل، تدمّرت تسع شقق بحسب شهود عيان، جراء ضربة عند الساعة 02,00 بالتوقيت المحلي (22,00 ت غ).

وقال زاغيت علييف أحد سكان المنطقة ويبلغ 68 عامًا، «كل ما عملت من أجله طوال حياتي تدمّر».

« اتهامات واتهامات مضادة »

وروت جارته أكيفا بايراموفا (64 عامًا) التي تظهر كدمة حول عينها، أن «حجرة سقطت على وجهي، غطيت عينيّ فسقطت حجرة أخرى. قلت في نفسي، ما هذا ولم أتمكن من رؤية شيء، كان كل شيء مغطى بغيمة من الغبار».

وأضافت «على أرمينيا أن تعرف وعلى العالم بأسره أن يعرف أنكم لن تخيفوا الأذربيجانيين بأسلحة».

وندّد حكمت حاجييف، مستشار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، بـ«عمل إبادة» محذّرًا من أنه «إذا استمرّ ذلك، سنضطر إلى اتخاذ تدابير مضادة».

من جهتها، نفت وزارة الدفاع التابعة للانفصاليين الأرمنيين في ناغورني قره باغ قصف غاندجا.

وقالت «إنها كذبة مطلقة» مؤكدةً أنها «تحترم اتفاق وقف إطلاق النار الإنساني» الذي دخل حيّز التنفيذ ظهر السبت (08,00 ت غ).

وأشار الزعيم الأرمني الانفصالي إلى وضع أفضل على جبهة القتال أمس الأحد، إلا أنه رأى أنه من غير المؤكد احترام الهدنة التي يُفترض أن تتيح تبادل جثث جنود وسجناء بين الطرفين.

وقال «لا نعرف كيف سيمرّ النهار»، في حين استُهدفت عاصمة الإقليم ستيباناكرت بما لا يقلّ عن ثلاث جولات قصف خلال الليل، وفق صحفيين في فرانس برس.

وحذّر هاروتيونيان من أنه «طالما الطلقات مستمرة، لن يحصل تبادل للأسرى».

وسبق أن تبادل الطرفان أمس الأول السبت التهم بانتهاك وقف إطلاق النار.

وتفاوض بشأن الهدنة الإنسانية وزيرا خارجية أرمينيا وأذربيجان في روسيا برعاية الخارجية الروسية.

من جهته، قال البابا فرنسيس بعد صلاة الأحد في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان «أقدّر جدًا واقع أن أرمينيا وأذربيجان توافقتا على وقف إطلاق نار لدوافع إنسانية، من أجل التوصل إلى اتفاق سلام دائم، رغم أن الهدنة تبدو هشة جدًا».

وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها مستعدة لتنظيم تبادل جثث وأسرى مقرر بموجب الاتفاق.

وانفصل إقليم ناغورني قره باغ، الذي يشكل الأرمن غالبية سكانه، عن أذربيجان بعد حرب مطلع تسعينات القرن الماضي أسفرت عن ثلاثين ألف قتيل. ومذاك تتهم باكو يريفان باحتلال أرضها وتحصل جولات عنف بشكل منتظم.

والمعارك التي تتواجه فيها منذ 27 سبتمبر قوات ناغورني قره باغ المدعومة من يريفان والقوات الأذربيجانية، هي الأخطر منذ وقف إطلاق النار المعلن عام 1994.

«مئات القتلى «

وأُحصي سقوط أكثر من 500 قتيل في المعارك الأخيرة، بينهم ستون مدنيًا تقريبًا، في حصيلة قد تكون في الواقع أكبر بكثير، إذ إن أذربيجان لا تعلن عدد القتلى في صفوف جنودها وكل معسكر يدّعي أنه قتل آلاف الجنود من المعسكر المقابل.

لا يزال الواقع على الأرض غير واضح إذ إن كل معسكر ينفي بشكل قاطع التقدم الذي يزعم المعسكر الآخر أنه حققه. وتؤكد أذربيجان أنها سيطرت على عدد كبير من القرى، فيما تقول قوات ناغورني قره باغ أنها تصدّ الجيش الأذربيجاني.

وجرى التوصل إلى الهدنة في موسكو بعد عدة دعوات وجهها المجتمع الدولي وخصوصًا مجموعة مينسك التي ترأسها روسيا وفرنسا والولايات المتحدة وهي تؤدي دور الوسيط في هذا النزاع.

وحذّرت أذربيجان التي تحظى بدعم تركيا، من أن عملياتها العسكرية لن تتوقف نهائيًا إلا في حال انسحاب الأرمن من ناغورني قره باغ.

وثمة مخاوف من تدويل النزاع إذ إن أنقرة تشجّع باكو على الهجوم وموسكو مُلزمة بمعاهدة عسكرية مع يريفان.

وتركيا متهمة أيضًا بإرسال مقاتلين موالين لها من سوريا للقتال في صفوف الأذربيجانيين، الأمر الذي تنفيه باكو.

واعتبر الرئيس الأذربيجاني في مقابلة نُشرت الأحد في روسيا، أن أنقرة «يجب أن تلعب دورًا متزايدًا في المنطقة وفي حلّ النزاع».

سبعيني يزور منزله المدمّر

في شارع سارويان رقم 28 في عاصمة إقليم ناغورني قره باغ الانفصالي، كان هناك منزل كبير وجميل مؤلف من عدة طبقات ويضمّ باحة خارجية خشبية وكرمة تحمل عنبًا أسود. لكن لم يبقَ شيء تقريبًا من هذا البيت الفخم الواقع في شارع فاخر في ستيباناكرت.

يقول صاحب المنزل غينادي أفانيسيان «لقد جدّدت هذا البيت بيدي على مدى عامين، (رئيس أذربيجان إلهام) علييف دمّره في ثانيتين بقنابله».

وتمكن الرجل السبعيني ذو الشاربين من تسلق كومة الركام الهائلة وهي ما تبقى من منزله الذي انهار على ما في داخله.

يحاول الرجل الذي يعتمر قبعة صوف داكنة اللون ويحمل رفشًا بيده، البحث عن أغراضه في الأنقاض بين قطع من الصفائح المعدنية الملتوية وبقايا سقف المبنى وذكريات حياته الماضية.

لقد تعرّض المنزل منذ أسبوع لقصف القوات الأذربيجانية. يزوره غينادي للمرة الأولى مذاك، لمحاولة استعادة بعض ممتلكاته.

ويروي «كنت هنا عندما سقطت القذيفة. سمعت صفيرًا، فهرعت إلى القبو». صهره كان في المنزل أيضًا وقد أُصيب بجروح. يمكن القول إنه نجا بأعجوبة عند رؤية الكارثة التي حلّت بالمنزل.

ويضيف غينادي «أن صاروخ سمرتش تسبب بذلك»، وهو أحدث جيل من صواريخ الكاتيوشا من نوع تلك التي تسقط منذ أسبوع في كل أنحاء المدينة.

ويتابع «أين سأعيش الآن؟ في الهواء الطلق، تحت المطر؟ كان لدي كل شيء، لم أعد أملك شيئًا، لم أعد أجد شيئًا. كل شيء أصبح ركامًا. الغرض الوحيد الذي تمكنت من استعادته هو حقيبة تحتوي على ثياب أطفال».

ويسأل الضابط المتقاعد في الشرطة، «كيف يمكن لرجل أن يفعل ذلك لرجل آخر؟ علييف، تقول إن قره باغ هي في أذربيجان. إذا أعيش في أذربيجان، لماذا قصفتَ منزلي؟».

ويؤكد «بنيت هذا المنزل للعيش بسلام، فدمّروه! الأذربيجانيون يقصفون المدنيين. إنهم مجرمون متطرفون!».

ويقول لمصوّر وصحفي في وكالة فرانس برس «انظرا إلى ما فعلوا، انظرا حولكما!