أفكار وآراء

مخاطر العملات الرقمية المشفرة

07 أكتوبر 2020
07 أكتوبر 2020

د. عبد القادر ورسمه غالب -

سألني الكثير من الأصدقاء عن التعامل بالعملات الرقمية المشفرة واستخدامها، وما أدراك بالعملات الرقمية المشفرة؟ وعندما أفيدهم بالتوقف أو عدم الاستخدام، يقولون هناك الكثيرون ممن يستخدمون هذه العملات الرقمية بشتى أنواعها وصفاتها وأسمائها بل ومميزاتها .. فلماذا لا نستخدمها وهي متاحة أمامنا بضربة زر الجهاز والاستمرار في التعامل. أعود وأقول لهم، ليس كل ما هو متاح نستخدمه بل يجب علينا أن نميز بين الأمور ونفاضل بينهما. وبصفة عامة، أنصح بعدم التعامل أو استخدام العملات الرقمية المشفرة نظرا لأنها محفوفة بالمخاطر القانونية والتشغيلية والمالية وغيره. والتاجر الحذق يبتعد عن المخاطر ويهرب عنها بعيدا.

إن العملات الصالحة للتعامل والمبرئة للذمة «العملات الورقية»، يتم إصدارها بواسطة البنوك المركزية وفق القانون ووفق الكيفية والضوابط المذكورة فيه، وبناء على معايير حقيقية اقتصادية مالية نقدية معينة تؤخذ في الاعتبار عند إصدار العملة. وبهذا، فإن هذه العملات الصادرة عن البنوك المركزية تعتبر هي «العملة الرسمية» للدولة والمعترف بها في كل مكان وفق القانون.

ونظرا لأنها العملة الرسمية للدولة فإنها تعتبر من مقومات السيادة التي تحميها الدولة الحماية القانونية الكافية وتضمنها وتضمن قيمتها وكل ما يرتبط بالتعامل بها. وبالتالي، فإن كل التعاملات الخاصة بالعملة الرسمية «العملة الورقية» تعتبر قانونية وملزمة للأطراف ومبرئة للذمة عند السداد بقوة القانون الصادرة بموجبه. وللمقارنة، فإن العملات الرقمية المشفرة، لا تصدرها البنوك المركزية ذات الاختصاص القانوني ولهذا فإنها تفقد السند القانوني المطلوب وليس لها صفة ولا تعتبر عملة رسمية بل سمها ما شئت، وفي هذا مخاطر كبيرة لا حدود لها.

وفي العادة، الجهات التي تصدر العملات الرقمية المشفرة لا تملك الاختصاص القانوني اللازم وهنا المحك لأن فاقد الشيء، كما يقولون، لا يعطيه. ومصدري هذه العملات لا يخلون من الرغبة الانفرادية في تجسيد فكر تحرري خال من قيود الدولة وهيبتها وما يرتبط بها. وبالتالي، يقوم بتوليد هذه العملات أو إنتاجها أولئك المستخدمون أنفسهم بأنفسهم، وهنا خطر كبير بل مغامرة غير معروفة النتائج. وبالعودة للتاريخ نعرف أن إصدار هذه العملات الرقمية والتعامل بها قد بدأ للظهور، كما هو معلوم، عبر شبكات إجرامية غير قانونية وذلك لعدة أسباب من أهمها تجاوز القانون وخرقه والابتعاد عنه هروبا من المساءلة والمسؤولية والعمل في الخفاء.

واستشرى التعامل بهذه العملات وازدهر لأنه وجد المناخ المناسب وسط عصابات غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب الضريبي إضافة للجرائم القذرة الأخرى ذات الصلة. وهذه العصابات المتشابكة المنتشرة في كل مكان بذلت دورا كبيرا في الترويج لهذه العملات حتى تصبح أمرا واقعا، بل ومقبولا عند الجميع.. وهي سائرة بكل قوتها وزخمها في هذا الاتجاه لتحقيق مآربها السوداء مهما كلف الأمر ومهما تضاعفت المخاطر والخسائر المرتبطة بها.

إضافة لما ذكرنا أعلاه، ونظرا لأن العملية تتم عبر الأثير التقني فإن الأطراف في الغالب الأعم لا يعرفون مع من يتعاملون ومن هو الطرف الآخر الذي يتم التعامل معه وما هي أهدافه أو نيته ومع من يتعامل أو من يقف خلفه، وهكذا تترى الأسئلة، بدون الحصول على إجابات واضحة أو مقنعة. فلماذا، نضع أنفسنا في مثل هذه المواقف الغريبة المريبة بل المخالفة للقانون والممارسات التجارية السليمة المعروفة بشفافيتها المقرونة بالإفصاح الشامل. لماذا؟

والعملات الرقمية المشفرة، تتم عبر تقنية البلوكشين والتقنيات الحديثة، وتكون مخزنة على وسائط تقنية إلكترونية متعددة ومبهمة. وهذه الأصول المشفرة لا تفي بوظائف «العملة الورقية» خاصة وأنها تتعرض إلى تقلبات قوية فورية ومن هذا الواقع لا يمكن استخدامها كمعيار «بنش مارك» أو كوحدة محاسبية.

إضافة لذلك، فإن تقلب سعرها يزيد من صعوبة استخدامها كوسيلة للدفع «بل وسيلة تبادل» وينتج عن هذا أنها لا تقدم أي ضمان للسداد في حالة الاحتيال والغش والتملك الجنائي وغيره. وكذلك، من الضروري أن نشير إلى أن العملات المشفرة لا تعتمد على أي أساس حقيقي ويتم إصدارها في كثير من الحالات عن طريق القوة الحاسوبية بغض النظر عن احتياجات السوق أو الاقتصاد، وهذا لا يتماشى من المعايير الاقتصادية السليمة التي تنبني على أمور ومعطيات واقعية حقيقية.

وللأسباب المذكورة أعلاه، إضافة لغيرها، فإن العديد من البنوك المركزية أصدرت بيانات واضحة للجمهور عن مخاطر العملات الرقمية المشفرة وعن ضرورة التوقف عن استخدامها لأنها لا تضمنها وأن من يتعامل بها يتحمل المسؤولية الشخصية المباشرة عن عمله. ومن ضمن الدول التي قالت إنها لا تتحمل المسؤولية نجد ألمانيا وكندا وبعض المحاذير من الاتحاد الأوروبي. ولقد أصدر البنك المركزي العماني العديد من هذه البيانات التحذيرية التي يجب الانصياع لها. وعلى من يتجاوز هذه التحذيرات الرسمية أن يتحمل النتائج مهما كانت.

وفي الختام نقول، الكثيرون في العالم يعتقدون أن الوقت ما زال مبكرا في الحكم على التعامل بالعملات الرقمية ومآلاتها ونتائجها، ونتفق معهم، وبالتالي ننادي بالابتعاد والحذر التام للعمل بأمان.