أفكار وآراء

الحكومة الجديدة وضرورة قياس المؤشرات

06 أكتوبر 2020
06 أكتوبر 2020

عوض بن سعيد باقوير -

في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والمنافسة القوية على صعيد التنمية المستدامة وتفعيل اقتصاديات الدول ونجاح رؤيتها فإن مسألة قياس المؤشرات أصبحت من الآليات الأساسية لقياس نجاح الحكومات خاصة في الدول النامية، ومن هنا بدأ عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - بإجراء مراحل رؤية عمان ٢٠٤٠ وهي هيكلة الجهاز الإداري للدولة وتشكيل حكومة جديدة يرأسها جلالته.

وفي ظل المعطيات والتحديات التي تواجه دول العالم في هذه المرحلة مثل تفشي فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط والمديونية فإن هناك آليات للحكومة الجديدة لابد من تحقيقها، من خلال المعطيات تأتي في مقدمتها تحقيق المؤشرات المطلوبة لكل مرحلة زمنية وأن يكون هناك رقابة ومتابعة دقيقة في هذا الإطار لأن الوقت يمضي بسرعة وهناك حالة من عدم اليقين حول متى سوف يختفي الفيروس وتبعاته في المجال الاقتصادي، كما أن أسعار النفط سوف تظل متذبذبة بعد أن دخلت هذه السلعة الاستراتيجية اللعبة السياسية للدول المنتجة الأكبر في العالم.

إن المسؤولية الوطنية تقتضي في هذه المرحلة الدقيقة أن تكون تلك المؤشرات لكل الوحدات الحكومية ضرورة لابد منها للخروج من إشكالات المرحلة والانطلاق إلى أولى سنوات الرؤية العام القادم بكل ثبات وأرض صلبة وأن يكون هناك خلال سنوات قليلة تغيير ملحوظ على الأداء الحكومي وتحسن ملحوظ في كافة المؤشرات التي ترصد خارجيا من خلال المنظمات الدولية ذات العلاقة بالتنافسية.

نحو مرحلة الشفافية

إن مرحلة الحكومة الجديدة هي مرحلة مفصلية في العهد الجديد والنهضة المتجددة فهناك تحديات حقيقية تمت الإشارة إلى بعضها فالحقيبة الوزارية لم تعد وجاهة اجتماعية بقدر ما هي تكليف سلطاني ومتابعة شعبية نحو الارتقاء بالعمل الوطني وتحقيق المؤشرات المطلوبة في ظل وجود المعطيات التي تميز السلطنة على صعيد الموقع الاستراتيجي والاستقرار السياسي والعلاقات الدولية المتميزة ووجود الإمكانيات الطبيعية والبشرية، ومن هنا فإن وجود تلك المعطيات المحفزة تحتاج إلى إدارة حكومية ذات ابتكار وإنتاج مميز وخدمة راقية ونزول للميدان بعيدا عن المكاتب.

وفي تصوري أن التقييم السنوي للوحدات الحكومية أصبح من الآليات الأساسية من خلال الوقوف على المؤشرات المتحققة على ضوء الأهداف الوطنية المرسومة ليس فقط في المجال الاقتصادي ولكن على صعيد كل المجالات التي تهم المجتمع، وعلى ضوء ذلك لابد من وجود الشفافية الكافية لإطلاع الناس على تلك المؤشرات لأن ذلك يجعل المراقبة والتقييم من أساسيات المرحلة خاصة وأن الخطاب السامي الثاني لجلالته أكد على أهمية الشفافية والمحاسبة ومحاربة الفساد وهذه نظرة متقدمة في آليات التقييم على الوحدات الحكومة. إن الجميع يشعر بالتفاؤل نحو المرحلة الجديدة في ظل القدرات الوطنية وفي ظل المناخ الإيجابي نحو تحقيق مؤشرات جيدة خلال السنة القادمة، ولعل مسألة التقييم وقياس المؤشرات هي آليات يعمل بها في الدول المتقدمة لأن ذلك يجعل أي دولة تتعرف على مستوى الإنتاجية وعلى مستوى الأداء ويمكن من خلال ذلك اتخاذ الإجراءات والقرارات التي تحسن من ذلك الأداء وإصلاح الضعف في الإنتاجية والتي تعد أحد المؤشرات الأساسية فزيادة الإنتاجية يعني انتعاش الاقتصاد الوطني ويعني انتعاش الأسواق وتوفر المعروض من فرص العمل وزيادة الدخل ومن هنا فإن الآليات الجديدة في عمل الحكومة لابد أن يبني على أرقام ومؤشرات ونسب حتى يمكن التعرف على مسار الأداء الحكومي.

تغيير المنهجية

مسألة تنويع الاقتصاد الوطني هو شعار مرفوع منذ ثلاثة عقود ومن هنا فإن مراجعة الأداء الاقتصادي ومسألة التنويع هو أمر مهم حيث لايزال النفط يشكل قاطرة الدخل الوطني، ومن هنا فإن المنهجية في مسألة آليات التنويع الاقتصادي تحتاج إلى مراجعة شاملة من خلال فكر متجدد واستغلال الموقع الاستراتيجي للسلطنة على البحار المفتوحة، فوجود الاستقرار السياسي والموقع الفريد ليست كافية إذا لم يكن هناك منهجية صحيحة في السلوك الاقتصادي. ومن هنا فإن أمام وزارة الاقتصاد ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، بالإضافة للمناطق الاقتصادية وغيرها من الوحدات ذات العلاقة بالاقتصاد مرحلة في غاية الأهمية على اعتبار أن هذه المرحلة هي مرحلة اقتصادية بامتياز ليس فقط في السلطنة ولكن على صعيد دول العالم في ظل المنافسة بين دول العالم وهي منافسة اختلطت فيها مفاهيم سياسية واستراتيجية.

إن السلطنة بها ميزات عديدة وبها ثروات طبيعية وبها سكان محدود العدد وبها نسبة سكان من الشباب وهذا أمر مهم لمرحلة رؤية ٢٠٤٠ وأمام هذه المعطيات فإن الأمر الملح هو تطبيق الآليات التي نصت عليها الرؤية لتحقيق تلك المؤشرات بكل حزم وتصميم، وكما تمت الإشارة فإن الوقت يمضي بسرعة والتنافس على الفرص الاستثمارية كبير ولعل الاستغلال الأمثل للمطارات والمرافئ البحرية والمناطق الاقتصادية في محافظات السلطنة يظل من الأمور الأساسية.

إن تجارب عدد من الدول خاصة في جنوب شرق آسيا تتحدث عن تحول جذري في المنظومة الاقتصادية من خلال حزم وآليات وسرعة اتخاذ القرارات والبعد عن البيروقراطية والمركزية لتحقق تلك الدول مؤشرات كبيرة أصبحت بموجبها نمور اقتصادية يشار لها بالبنان، ومن هنا فإن التقليدية في الأداء الحكومي لم يعد متماشيا مع آليات الاقتصاد الحديث ولاشك أن الخطاب السامي لجلالة السلطان هيثم - حفظه الله ورعاه - ركز على آليات المرحلة الجديدة وهي التقنية والابتكار والدفع بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى الأمام لأنها تشكل الذراع الاقتصادي للناتج المحلي وخلق فرص العمل، ومن خلال هذا المفهوم فإن الجميع يترقب تغيرا نوعيا في الأداء الحكومي بعيدا عن التقليدية والروتين والبيروقراطية مع وجود طاقات شابة سوف يكون لها دور كبير بالدفع بالعمل الوطني إلى الأمام في ظل وجود التحديات التي تواجه دول العالم.

المنظور المستقبلي

إن مسألة التقييم للوحدات الحكومية سوف تكون حاضره خلال كل عام وهذا شيء مهم كما أن مسألة المؤشرات لا بديل عنها كما أن المرحلة تفرض تغيير المنهجية في المجال الاقتصادي وبقية القطاعات الإنتاجية الأخرى، وعلى الجميع من المسؤولين الحكوميين أن يدركوا هذه الحقيقة لأن المرحلة تتطلب هذه الروح الوطنية لأن المنظور المستقبلي يتحدث عن جملة من المعطيات التي لابد من تحقيقها وعلى الحكومة الجديدة دور وطني هام في تحقيق الرؤية وتحقيق الأهداف متوسطة المدى وقصيرة المدى وصولا إلى تحقيق الرؤية الشاملة بعد عقدين من الآن.

ومن جملة القضايا الملحة التي تتماشى مع المنهجية الجديدة هو ضرورة تطوير التعليم بكل مراحله لأن ذلك هو المدخل الصحيح نحو الارتقاء بالوطن بكل جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي مجال الإبداع والابتكار ومواكبة الثورة الصناعية الرابعة وإنترنت الأشياء، ومن هنا فإن المنظور المستقبلي سوف يعتمد على التعليم الراقي الذي سوف يكون العامل الحاسم نحو تحقيق الرؤية الشاملة.

إن الحكومة الجديدة أمام تحديات حقيقية ومع ذالك فإن هناك مؤشرات إيجابية تساعد على نجاح مهمتها من خلال تطوير العمل والمنهجية الجديدة وفي ظل آليات جديدة وفي ظل مناخ إيجابي سوف يكون عنوان ما بعد جائحة كورونا وفي ظل تصاعد إنتاج الغاز وضرورة الدفع بالقطاع الصناعي إلى الأمام وأيضا أن يكون دور المناطق الاقتصادية متطورا ويسهم بدور كبير في الناتج المحلي الإجمالي، علاوة على دور القطاع السياحي الذي يمكن أن يلعب دورا كبيرا خاصة على صعيد توفير فرص العمل.

إن قطاع المعادن هو ثروة كبيرة لابد من استغلالها بشكل غير تقليدي حتى تكون أحد القطاعات الإنتاجية ذات العائد المهم للدخل الوطني ومن هنا فإن المنهجية في التعامل مع القطاعات الإنتاجية وتغيير مفهوم الأداء الحكومي والتقييم المستمر هو عنوان المرحلة لأن تحقيق نقلة في ذلك الأداء هو ضرورة وطنية لا يمكن التساهل بشأنها. وعلى ضوء ذلك فإن التطوير في مجال الإدارة المحلية خاصة قانون المحافظات هو خطوة في غاية الأهمية والذي سوف تساعد على تطوير المحافظات وإيجاد مزيد من التقدم والازدهار والتنمية، ومن هنا فإن الجميع ينظر بإيجابية وتفاؤل للمرحلة الجديدة لتحقيق المزيد من التطور والازدهار للوطن والمواطن في ظل العهد الجديد والنهضة المتجددة التي يقودها بحكمة واقتدار جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه -.