assem
assem
أعمدة

نوافذ: سـلام عـليـك فـي الـخالـديـن

03 أكتوبر 2020
03 أكتوبر 2020

عــاصـم الشـــيدي -

[email protected] -

لم أتشرف بلقاء الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد بشكل مباشر رغم تغطيتي الصحفية للكثير من الأنشطة التي حضرها سواء في السلطنة أو في الكويت وخاصة القمم الخليجية، ولكن قرأت الكثير من مآثره خلال توليه مقاليد الحكم في الكويت أو عندما كان وزيرا للخارجية منذ ستينات القرن الماضي وإلى توليه الحكم في عام 2006، وعرفته جيدا عبر كل ذلك، وعبر متابعتي المستمرة للشأن الكويتي وحضوره القريب من كل تفاصيلها؛ فآلمني رحيله كثيرا، وتيقنت أننا فقدنا أميرا عربيا أصيلا محبا للسلام والوئام بين الشعوب، وقائدا مخلصا في عمله الوطني والعربي دون أجندات خاصة أو ضيقة، اللهمّ إلا إذا كانت في خدمة القضايا العربية. وفقدنا برحيله قائدا إنسانا كرّس قيادته لخدمة الإنسانية بشكل مجرد دون أي تصنيفات.

وكنت قد استمعت وقرأت الكثير من حوارات الشيخ صباح، طيب الله ثراه، والكثير من كلماته وبشكل خاص إلى الكثير من مواقفه العروبية التي تنم عن شخصية تستحق كل تقدير واحترام في مرحلة تفتت فيها مصطلح «العروبة» و»القومية العربية» على حساب مصطلحات جديدة في كولونيالية حديثة. وبرز دور الأمير الراحل، طيب الله ثراه، خلال العقد الماضي عندما أخذ على عاتقه الدعوة إلى السلام والوئام بين شعوب المنطقة العربية والخليجية وأطفأت يداه نيرانا كادت أن تُشعل المنطقة.

وإذا كانت الكويت عروبية الهوى في مرحلة الستينات حيث تسلم الأمير الراحل دبلوماسية بلاده فإن ذلك ساهم في دعم القضايا العربية، وإطفاء نيرانها. ولا ينسى التاريخ دوره في التقريب بين وجهات نظر كل من جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية حين كان القتال بينهما قائما في أراضي اليمن وقادت وساطات الشيخ الصباح إلى حلول ناجحة وتاريخية. وساهم الشيخ صباح مع آخرين في إنجاح الاستفتاء الأممي على عروبة البحرين وهذه مساهمة لا يمكن أن ينساها التاريخ العربي في مرحلة ملتبسة من مراحله.

وإذا كان السياق عن مساهمات الراحل القومية ودوره في نزع فتيل الأزمات فلا يمكن أن نتجاوز هنا دوره كوزير خارجية في احتواء تداعيات «أيلول الأسود» هو ووزير الدفاع الكويتي الشيخ الراحل سعد العبدالله. وفي تلك الأحداث أُخرج الشهيد ياسر عرفات من عمّان في عملية سرية بعد أن ارتدى ثوبا كويتيا وعقالا.

لكن مساهمات الأمير الراحل لا يمكن حصرها في هذه النماذج رغم أهميتها في لحظة توهج «القومية العربية» بل كانت مساهماته في نفس السياق مستمرة حتى وهو في التسعين من عمره ولا يمكن أن ينسى أبناء الخليج رحلاته اليومية في شهر رمضان قبل 3 سنوات بين العواصم الخليجية لرأب الصدع بين الأشقاء.

رحل الصباح وترك أثرا عربيا لا يمكن تجاوزه أو نسيانه، ولكنه مع ذلك ترك أثرا في الكويت نفسها: في تنميتها وفي تطورها وفي النظر إلى الكويتيين بمنظور المواطنة وحدها وهو ما عزز الوحدة الوطنية في الكويت وجعل جبهتها الداخلية على الدوام جبهة قوية ومتماسكة تجاه التحديات التي تمر بها المنطقة. ولا نستطيع أن ننسى في السياق الثقافي أن الراحل وراء دعم الكثير من المطبوعات الثقافية الكويتية مثل مجلة العربي وعالم الفكر وعالم المعرفة وجميع مطبوعات المجلس الوطني للثقافة والفنون، كما أنه صاحب مشروع دار الأوبرا الكويتية التي توجت المشاريع الثقافية في بلد عرفت قوته الناعمة عبر الفنون وعبر السلام. سيترك الراحل فراغا عربيا كبيرا في مرحلة رحل عنها القادة الكبار. فسلام عليك يا صباح الأحمد في الخالدين.. سلام عليك في الخالدين.