صيصي
صيصي
الثقافة

بعد تاريخ حافل بالعطاء والإنجاز ممتد لأكثر من 40 عاما.. مصور عمان العريق فاضل الحمداني.. رحلت وهذا الأثر

02 أكتوبر 2020
02 أكتوبر 2020

كتب – عامر بن عبدالله الأنصاري

أسجل اعترافا قبيل البدء، مهما بلغت الكلمات هنا، ومهما قيل في حق الراحل، فلن توفيه الكلمات ولن ترد جزءا يسيرا من فيض جميله، ذلك الجميل المهني، والإنساني، والأخلاقي، والفني، ما سنأتي لذكره تاليًا.

بينما الأرق يلازمني منذ أيام، ونوم متقطع لا يهدأ له بال، أراجع رسائل مواقع التواصل الاجتماعي في كل لحظة، ليأتي نبأ وفاة العم فاضل بن عبدالواحد الحمداني فيقطع النوم من جفني نهائيا، رسالة مقتضبة عبر مجموعة (الواتس أب) تجمع زملاء مهنة الصحافة والإعلام، تقول "السلام عليكم، انتقل إلى رحمة الله، والدي العزيز، فاضل بن عبدالواحد الحمداني"، تلك رسالة ابنه "عبدالواحد" في يوم الجمعة 2 أكتوبر، يومٌ لم تشرق شمسه بعد.

رحل مصور جريدة عمان العريق عن عالمنا بعد صراع ومعاناة مع الفيروس المستجد، الذي نأمل أن نسميه بالقديم ذات يوم يملؤه التفاؤل، فيروس كورونا صرفه الله عنا وعن العالمين، مصورٌ شهدت له عدسته ومن ثم معامل التحميض ومن ثم الصور التي لا زالت حاضرة منذ أواخر سبعينات القرن الماضي إلى يومنا هذا في أرشيف جريدة عمان، الذي أغناه المصور فاضل وزملاؤه في تلك الأيام بالصور المختلفة من داخل السلطنة بربوعها المختلفة وخارج السلطنة بالمهمات الرسمية، ليتبعهم المصورون بعد ذلك ويواصلون بناء الأرشيف، ذات الأرشيف الذي أسسه الراحل فاضل الحمداني بحبكة مهني وحرفة محترف.

لم أعاصر بدايات المصور الراحل فاضل الحمداني، إذ لم أكن مولودا حينها، إلا أنني التقيت به بداية عملي في جريدة عمان عام 2014، فكان العم الفاضل –اسما على مسمى- الذي يكسر حواجز السنين الفارقة بينه وبين كل من يلقاه، فيعامل الجميع بود، وبابتسامة -يشهدها الجميع- لا تفارق محياه.

ولكي ألملم تاريخ العم فاضل بن عبدالواحد، استعنت بالمصور الصحفي بجريدة عمان، زميلنا وزميل الراحل القديم سالم بن مبارك المحاربي الذي التقاه بمهنة التصوير عام 1983، فيلخص لي المحاربي تاريخا حافلا بالإنجازات المهنية تركها خلفه الراحل.

جميل مهني

يخبرنا سالم المحاربي بأن الرحال فاضل الحمداني بدأ في جريدة عمان عاملا في قسم الأرشيف، أو مؤسسا له إن صح التعبير، ومنذ النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، حوالي عام 1978، ليصنع أرشيفا دقيق المعايير، وافي الشروع، وسهل الرجوع إليه والاستعانة به للحصول على صورة محددة من بين كومة هائلة من الصور، ويمكن القول بأن أول أرشيف صور محكم في سلطنة عمان هو من تأسيس الراحل فاضل الحمداني.

وأذكر ذات مرة إذ جالست الراحل، فتحدث عن ذلك الأرشيف، الذي انتقل من اليدوي بملفاته وصناديق الأفلام إلى الإلكتروني بنفس التقسيم والفهرسة، إذ أخبرني بأنه قد قسم بداية المجلدات إلى محافظات، ثم جزأها إلى ولايات، ثم إلى تواريخ، ومما انتجه كذلك مجلدات عن الطبيعة، وأسماء الشخصيات، والأحداث، موثقا كل ذلك بتواريخ، وبطبيعة الحال لا يمكن اختزال الجهد الجهيد بهذا الوصف، لأننا أمام أرشيف يحوي ملايين الصور منذ بداية عمله في الأرشيف، حتى يومنا هذا، إذ لا زال قسم الأرشيف بجريدة عمان يتبع نفس النهج الذي حدده ووضعه العم فاضل الحمداني، رحمه الله.

كما يخبرني المصور الصحفي فيصل البلوشي، أن قسم الأرشيف حتى فترة قريبة كان يستعين بالعم فاضل لتصنيف صورة قديمة، قد تكون سقطت سهوا من أحدى التصنيفات، ليكون العم فاضل ذاكرة صور عمان، فإضافة إلى الأرشيف المادي، فهو أرشيف بذاكرته الفولاذية، التي تذكر الصور والملامح رغم مرور السنين، بل وحتى الشخصيات التي في تلك الصورة.

انتقل العم فاضل الحمداني -رحمه الله- من قسم الأرشيف إلى قسم التصوير، ليبدأ مسيرة التصوير منذ عام 1979 تقريبا، مستخدما أنواع الكاميرات القديمة مثل "هازلبلاد" ذات الأفلام أحادية اللون "الأبيض والأسود"، التي يتطلب العمل بها معامل خاصة للتحميض، ثم إلى الكاميرات الأحدث، وغالبا ما كانت من شركة "نيكون" ذات الأفلام الملونة بداية من عام 1985، ومن ثم كاميرات الديجيتال التي سهلت الكثير وأغنت المصورين عن معامل التحميض وعقود تحميض الأفلام الملونة من معامل التحميض التجارية، وذلك منذ بداية عام 2000 تقريبا، وكانت "نيكون" رفيقته منذ عام 1985 إلى أن ترك التصوير متقاعدا، لما توفره الشركة من عدسات مختلفة وخدمات صيانة وتقنيات حديثة أولا بأول.

عاصر العم فاضل –وبقية زملائه المعاصرين له- سلسلة التطور في التعامل مع آلات التصوير بكافة فئاتها العامة والجزئية المتمثلة في أنواع الأفلام ومساحاتها، ليقدم في كل حقبة طاقته وإبداعه تاركا أعمالا تتحدث إلى اليوم.

جميل إنساني

وبعيدا عن المهنية والأعمال، ترك العم الراحل فاضل الحمداني انطباعا حسنا في نفس كل من تعامل معه، ليكون فقده أليما في نفوس جميع من يعرفه، فاتحين له أبواب التضرع والدعاء بأن يتقبله الله بواسعة رحمته، فقد كان بشوش المحيا، مبتسم الوجه، هادئ الطباع، يعامل الجميع كأخوة، لا يفرق بين صغير أو كبير، لم يحدث أن مرَّ علي، أحد دعاه بسوء، أو وجد عليه مأخذ، رحمه الله كان إنسانا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولا نزكي على الله أحدا.

جميل أخلاقي

تدرج العم فاضل الحمداني -رحمه الله- بوظيفته، ليتولى –قبل أن يحال إلى التقاعد- رئيس قسم التصوير بجريدة عمان، تعامل مع زملائه المصورين بسلطة الأخلاق لا سلطة الرئيس، إذ تفرض أخلاقه على الجميع احترامه وتلبية تكليفاته لزملائه، لا زال الكثير من زملاء قسم التصوير يطلقون عليه، العم فاضل، خاصة من هم بعمر أبنائه، فكان لهم بمثابة العم والوالد، محبا لزملائه، مدافعا عنهم، ولطالما تبنى وجهة نظر أن المصور لا يلزمه الحضور إلى المؤسسة والقيام ببصمة الحضور والانصراف، فالمصور مكانه الميدان، وعمله يكمن خارج المؤسسة.

وهذا لا يعني أنه لم يكن حازما في كثير من الموافق، بل كان كذلك في مواجهة المنتقدين لقسم التصوير، ورغم حزمه لا تسمع له نبرة غضب أو كلمة سيئة، كانت الأخلاق الفطرية فيه تحكمه، فيوصل رسالته إلى الجميع، تاركا المكان في سكون وقد طوى صفحة خلاف بكل هدوء.

جميل فني

لطالما كنت أعتقد أن المصورين القدامى –ومنهم العم فاضل الحمداني- يركزون على التصوير التوثيقي أكثر من الفني، ليغير العم فاضل الحمداني وجهة نظري هذه، حينما أقام في ممر جريدة عمان معرضا للصور، مستعرضا أعماله أحادية اللون بطبيعتها، فتلك الأعمال ما بين عامي 1979 إلى 1984، لأجد الكثير من الصور الفنية، مستخدما مختلف عدسات التصوير، فتلك صورة طبيعية ملتقطة بعدسة "وايد انجل" ما تسمى بالعدسة الواسعة، وأخرى ملتقطة بعدسة ذات فتحة كبيرة تصنع عزلا بين الهدف وما خلفه وأمامه، وصور فنية غيرها التقطها العم الفاضل الحمداني من مختلف ولايات ومحافظات السلطنة، ليسجل بذلك المعرض جزءا يسيرا من فيض أعماله الفنية، التي تعكس رؤية فنية وذائقة رفيعة في اختيار زوايا التصوير المختلفة، ليقدم تغذية بصرية عديمة الألوان في حينه بحكم الأدوات، وبعد ذلك قدم الكثير من الأعمال الفنية الملونة، ولم تبرح الكاميرا يده إلى أن تقاعد من عمله –رئيسا لقسم التصوير بجريدة عمان- في حوالي العام 2018.

صفحة طويت ولم تطوى!

رحل العم فاضل الحمداني، وطويت صفحة حياته المليئة بالإنجازات والعطاء والمغامرات والتحديات، إلا أن أثره باقٍ، وصوره حاضرة، وابتسامته دائما في مخيلتنا، فلا نتذكر ملامحه إلا وهو مبتسم، وخير ما يقال عن العم فاضل، "رحل وهذا الأثر"، طيب الله ثراك.

صورة من الأرشيف الذي أسسه فاضل الحمداني لافتتاح مصفاة النفط عام 1982[/caption]

مطرح أيام الثمانينيات[/caption]

افتتاح ميناء السلطان قابوس 1973[/caption]

صورة جوية من الأرشيف الذي أسسه فاضل الحمداني في الثمانينيات[/caption]

صور ة من الأرشيف الذي أسسه فاضل الحمداني لافتتاح ميناء السلطان قابوس 1973[/caption]

من تصوير فاضل الحمداني من آثاء اعصار جونو 2007[/caption]

من تصوير فاضل الحمداني من آثاء اعصار جونو 2007[/caption]