أعمدة

لماذا غرامات أمريكية كبيرة على بنك جي بي مورجان ؟

01 أكتوبر 2020
01 أكتوبر 2020

د. عبد القادر ورسمه غالب -

بنك جي بي مورجان سيدفع غرامات مالية كبيرة تصل إلى مليار دولار في قضية التلاعب في أسواق المعادن وسندات الخزانة. حيث اتهم عدد من الموظفين الحاليين والسابقين في البنك ومن المتداولين الرئيسيين في مكتب المعادن الثمينة. ولقد تم الكشف عن القضية مؤخرا عندما نشرت لائحة اتهام جنائية مؤلفة من (14) تهمة ضد موظفين يعملون في نيويورك ولندن وسنغافورة، من ضمنهم الرئيس العالمي لتجارة المعادن الأساسية والثمينة. وتشير لائحة الاتهام إلى أنهم شاركوا في مؤامرة ابتزاز تتعلق بمخطط استمر للعديد من السنوات هدفه التلاعب بأسواق المعادن الثمينة والاحتيال على الزبائن. ووراء هذا الاتهام الخطير عدة وكالات من الحكومة الأمريكية منها وزارة العدل إضافة لهيئات أسواق المال والسندات والسلع والمعادن. ومن المثير حقا، أن بنك جي بي مورجان اعترف بخطئه ووافق على دفع مليار دولار كغرامة تسوية لإنهاء التحقيقات الأمريكية بشأن هذه الصفقات المزيفة في المعادن الثمينة وسندات الخزينة والتلاعب بالسوق لتحقيق مآرب إجرامية دنيئة.

ووفق القانون، يقوم هذا الاتهام على قيامهم بممارسات احتيالية (سبوفينق) مقصودة، وفي العادة يقوم بها كبار المتعاملين (سفوستوكيتد تريدرز) عندما يغرقون السوق بطلبات كثيرة للبيع أو الشراء وهم لا يرغبون فعلا في تنفيذها، وبسبب هذا الإغراق تتغير الأسعار سريعا وترتفع. والمقصود هو توجيه السوق نحو «أصول» معينة تعود في نهاية الأمر بالفائدة للمضارب المتلاعب ويتضرر من كان يتعامل بحسن نية وأمانة. ومثل هذه الممارسات الإجرامية المفتعلة تضر بالأسواق والمستثمرين فيها. ولقد تم منع «السبوفينق» كليا بعد أزمة 2008 المالية، وأصبحت الجهات الرقابة تمنح الأولوية «برايورتي» في معاقبة هذه الممارسات. وهنا، نحتاج لخبرة الرقابة والإشراف والحاسة السادسة، لأن العملية في ظاهرها «حق» ولكن أريد به باطل.

وللتأكيد على مدى خطورة وجسامة ما قام به بنك جي بي مورجان وموظفيه، تم اتهامهم بقانون ممارسي الابتزاز الإجرامي المبرمج (راكيتير انفولونسد آند كوربت أوقنآيزيشنس آكت - ريكو)، وهو القانون نفسه الذي تحاكم به عصابات المافيا الخطيرة في جرائمها الشنيعة. ومن دون شك، فان هذه الصرامة من وزارة العدل الأمريكية والجهات الرسمية الأخرى، تبين مدى الحرص على سلامة العمل في أسواق المال والسلع والمعادن النفيسة حتى تستقر هذه الأسواق بفعل خطوات ثابتة لردع المتلاعبين الجشعين، وفي نفس الوقت العمل على راحة نفوس ومشاعر المستثمرين في هذه القطاعات الهامة المؤثرة على الاقتصاد الوطني وحركة الاستثمار.

ومن الغريب فعلا، ان جي بي مورجان وهو من أكبر البنوك الأمريكية وعلى مستوى العالم، يقوم بمثل هذه الممارسات الضارة بالمهنة والمخلة بالعمل المصرفي السليم. ولقد سبق أن دفع هذا البنك غرامات طائلة للحكومة الأمريكية عندما تورط في أنشطة غير مشروعة ومخالفة للقانون خاصة في مجال «الرهن العقاري» والذي سبب خسائر فادحة لأمريكا تكبدتها بسبب «أزمة الرهون العقارية» والتي أضرت أيضا بالعديد من دول العالم غربا وشرقا والآثار موجودة. وكذلك أوروبا لم تسلم من ممارساته غير القانونية، لأن من المعلوم أن بنك جي بي مورجان وافق على دفع غرامات قدرتها هيئات مالية بالاتحاد الأوروبي بمئات الملايين من الدولارات وذلك على خلفية التلاعب في مشتقات مالية وهوامش سعرية ذات صلة بأسعار الفائدة بين البنوك. وتأتي هذه العقوبات في إطار الغرامات التي فرضها الاتحاد الأوروبي مؤخرا على بنوك كبرى في فضيحة عالمية طالت أيضا عدة شركات مالية.

من الواضح، أن هناك من يستهدف أسواق المال والسندات والمعادن الثمينة والسلع، وذلك لشيء في «نفس يعقوب» كما يقولون. ومن الخطورة بمكان أن بعض من يقوم بمثل هذا الاستهداف يعتبر من كبار المستثمرين والمتعاملين بمبالغ لا تحصى ولا تعد. وهم، ولسوء الحظ، لديهم الدراية الفنية والمعرفة المهنية لتنفيذ أفعالهم وأعمالهم الإجرامية وهم موجودون في هذه الأسواق وساحاتها منذ ضرب «الأجراس» حتى قفل الأعمال. ومن هنا، يأتي الخطر، لأن المجرم يسكن معك داخل البيت وأنت قد تكون نائما ولا تدري ما يفكر فيه وما يعمله. ولهذا، هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الجهات الرقابية والقانونية والتنفيذية لأن من أهم واجباتهم كشف مثل هؤلاء الأشرار وفضح أعمالهم ثم إيقاع أقصى العقوبات عليهم.. وبالعدم ستنهار الأسواق لأن ثقة المستثمر ستنتهي وإذا لم يحضر المستثمر علينا قفل الأسواق بأغلظ المفاتيح.

أعتقدـ أن ما قامت به السلطات الأمريكية تجاه بنك جي بي مورجان، يعتبر خطوة شجاعة إيجابية في الاتجاه الصحيح لتحقيق الأهداف المرجوة في هذا المجال الاستراتيجي الحيوي. ولنستفيد من هذه التجربة لبناء المستقبل الآمن لأسواقنا ومستثمرينا.

Email: AWARSAMA-WARSAMALC.COM