أفكار وآراء

معركة بشرية خارج الكرة الأرضية

29 سبتمبر 2020
29 سبتمبر 2020

إميل أمين كاتب مصري -

ذات مرة من القرن الماضي نصح أمير الشعراء أحمد شوقي البشر بأن يطلبوا العلم في الفضاء، إن هم ضاقت بهم الأرض، وقد كانت نصيحته تهدف إلى الاستفادة العظمى من البر والبحر والجو دفعة واحدة.

على أن ما يحدث في العقود الأخيرة هو بمثابة قراءة في المعكوس من الأجيال البشرية المعاصرة، ذلك أنها تنظر إلى السماء نظرة مغايرة، للتنافس وليس للتكامل، وللموت والحرب، وليس للحياة والنماء. لم يعد سرا أن الفضاء الخارجي الآن بات موقعا وموضعا لتنافس أممي محموم، والصراع جار على قدم وساق بين أمريكا وروسيا والصين لعسكرة الفضاء. ليس سرا القول إن واشنطن أخرجت من أدراجها برنامج حرب الكواكب أو النجوم، ذاك الذي كانت قد بدأته في أوائل ثمانينيات القرن المنصرم في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، وإن وضع مؤقتا على الأرفف بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، غير أن صحوة روسيا الاتحادية بنوع خاص، دفعت الأمريكيين إلى إعادة نسج خيوط حرب الفضاء من جديد، فيما كان الروس يتسابقون، وهم لهم سبق كبير في الفضاء إلى الشراكة الجدية عبر الأقمار الاصطناعية والمحطات الردارية.

هل كانت الصين بعيدة عن الاثنين؟ بالقطع لا يمكن أن يكون ذلك، لا سيما من قبل قوة كبرى قادمة بخطوات ثقيلة جدا، وهي تعلم أن الآخرين يترصدوها برا وبحرا، وعليه فقد بدأت من حيث انتهى الآخرون، أي بالبرامج التي تحميها من الفضاء قبل أن تجد سماواتها مكشوفة لموسكو وواشنطن بنوع خاص.

ما الذي جدد الحديث عن هذا الإشكال مرة جديدة؟ ربما عدة أمور وليس أمرًا واحدًا، منها إعلان الجانب الروسي عن صاروخ نووي عملاق جديد يستطيع أن يقوم بالدوران حول الكرة الأرضية لأشهر عديدة من غير توقف، واستخدامه عندما يريد صانعه، وتوجيهه إلى أي بقعة أو رقعة على البسيطة أو في البحر، وهو بهذا يعد تهديدا استراتيجيا مخيفا للقوى الكبرى على الأرض.

من أسباب الاشتباك الجديد، ما جاء على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حواراته مع الصحفي الأمريكي الشهير «بوب وودوارد »، خلال تجهيزه لكتابه الأخير المعنون «غضب»، حيث أشار إلى امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية لسلاح جديد ومثير ولا يخطر على قلب أو عقل الروس أو الصينيين.

ورغم أن ترامب لم يكشف أبعاد هذا السلاح ونوعيته إلا أن تحليلات عديدة تؤكد انه شبكة ليزر فضائية تعمل بمثابة غطاء لسماوات الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث تعترض أي صاروخ يطلق عليها من أي ناحية من نواحي أو نواصي الكرة الأرضية، وهذا هو الغرض الحقيقي الفعلي من برنامج حرب النجوم أو الكواكب.

على أن الأيام الأخيرة حملت ملامح ومعالم صراع جديد ومثير حول ملكية الفضاء، فقد كتب الباحث البارز في معهد أبحاث الفضاء التابع لأكاديمية العلوم الروسية « ناثان إيسمونت » يقول: «إن روسيا والمجتمع الدولي قطعا، لن يدعموا إنشاء الأمريكيين نظاما قانونيا جديدا لاستكشاف القمر، لأن مثل هذه القرارات لا يمكن أن تتخذها دولة بمفردها، وأن الفضاء يجب أن يعمل بشكل مشابه لاستخدام القارة القطبية الجنوبية». هل فكرة تطبيق القوانين الوطنية الأمريكية في الفضاء تتعارض مع الاتفاقيات الحالية حول استكشاف الفضاء خارج كوكب الأرض المؤكد أن ذلك كذلك، والمعروف أيضا أن هناك لجنة ضمن لجان الأمم المتحدة للاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي، حيث يجري اتخاذ جميع هذه القرارات التنظيمية.

لماذا الجميع محموم ومهموم ومسارع إلى الصعود إلى القمر ومحاولة استغلال موارده، وهل القصة مجرد موارد تثري حياة الإنسان على الأرض، لا سيما غاز الهيليوم الذي يمكن أن ينقل البشرية نقلة غير مسبوقة على صعيد وسائل المواصلات وبخاصة الطائرات والمركبات الصاروخية فائقة السرعة؟ قد يكون المشهد أبعد من مجرد التعاون الاقتصادي، لا سيما وأن هذا يمكن ترتيب اتفاقيات لتنظيم شؤونه، مع الأخذ في عين الاعتبار أن أحدًا لا يستطيع أن يقول ما هي موارد القمر التي يمكن استغلالها لصالح الاقتصاديات الوطنية حتى الساعة.

ولعل ما دفع الأمريكيين إلى محاولة وضع اليد على الفضاء الخارجي، هو إدراكهم أن الروس لا يضيعون كثيرا من الوقت في العقدين الاخيرين لتكون لهم يد عليا أخرى خارج الكرة الأرضية.

في اوائل سبتمبر الجاري، بدا أن هناك نشاطا عسكريا روسيا متزايدا في الفضاء الخارجي يستهدف الاقمار الاصطناعية الدفاعية والمخابراتية الامريكية. هذا التحرك استلفت انتباه مسؤولين من قوة الفضاء الامريكية المشكلة حديثا وكذا مكتب مدير المخابرات الوطنية، الذين اطلعوا عدة لجان في الكونجرس الامريكي عما يجري خارج الكرة الأرضية من معركة عسكرية فضائية. اللجان الامريكية في واقع الأمر لم تتحدث عن العدوان الروسي على الفضاء فحسب، بل كذلك توقفت عند الأفعال الصينية في الفضاء التي اسمتها عدوانا، واعتبرت ان الأمر خطير إلى الدرجة التي يتوجب معها إطلاع الكونجرس على مآلات الأمور هناك. الصين بدورها تضع أعينها على نصيب وافر من الفضاء الخارجي، وبرامجها للقمر تبدأ من عند إنزال روادها الفضائيين على الجانب الآخر المعتم من القمر، وتمضي نحو ارتياد المريخ.

وما بين موسكو وبكين من تعاون في مجال الفضاء الخارجي أمر يقض مضاجع الأمريكيين، الأمر الذي استدعى في وقت سابق من العام الجاري، قيام وزارة الدفاع الامريكية « البنتاجون « بإنشاء قوة الفضاء، وهي فرع جديد من الجيش الأمريكي وافق عليه الرئيس ترامب للمساعدة في حماية الأصول الفضائية الأمريكية، وتتولى قوة الفضاء مسؤولية مجموعة من القدرات العسكرية الأمريكية الحيوية في الفضاء، بداية من الأقمار الصناعية التي يعمل بها نظام تحديد المواقع العالمي « جي. بي. اس »، الى أجهزة الاستشعار التي تساعد في رصد إطلاق الصواريخ.

هل لم يعد الفضاء الخارجي المحيط بالكرة الأرضية منطقة آمنة كما كان حتى عقود قريبة؟ ربما هذا ما يؤكده «روبن ديكي»، المحلل في مركز سياسات واستراتيجيات الفضاء التابع لمؤسسة الفضاء الجوي غير الربحية، في تأكيده على ان الفضاء وإن عرف في العقود السابقة نوعا من أنواع التنافسية لا سيما مع الروس، الا انه الآن فقد قدرته التنافسية مرة والى الأبد.

تبدو الآن الأقمار الصناعية العسكرية الروسية والمركبات الفضائية الاخرى تؤدي بشكل متكرر ما يسمى بعمليات « القرب» التي تتضمن الاقتراب من الاقمار الاصطناعية للبحث عن نقاط الضعف أو تحديد القدرات.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تقوم بمسح الشبكات الرقمية بحثا عن عيوب افتراضية في الفضاء الالكتروني.

هل يفعل الامريكيون مثل ذلك ؟، وهل الصينيون خافية عن أعينهم منافسات الطرفين؟ الخلاصة هناك معركة بشرية انطلقت خارج الكرة الارضية وهي مرشحة للتصاعد الى حد التصادم وإن طال الزمن.