aasim
aasim
أعمدة

نوافذ : الوبـاء الحقـيقـي يبـدأ الآن

26 سبتمبر 2020
26 سبتمبر 2020

عــاصـم الشـــيدي -

[email protected] -

في حوار مترجم يعود إلى شهر إبريل الماضي قال أستاذ علم الأوبئة في جامعة هارفارد الدكتور مارك لبستيتش، وهو من كبار علماء الأوبئة الأمريكيين، متحدثا عن وباء كورونا «كوفيد19»: «هناك موجة أولى ثم يأتي الوباء بالكامل»، ويستند مارك في حديثه في تلك المرحلة المبكرة من عمر الوباء على نظريات علمية في علم الأوبئة ويدلل عليها بما حدث خلال وباء الانفلونزا الإسبانية عام 1918. والآن بعد مضي 5 أشهر من ذلك الحوار و9 أشهر منذ بدء الجائحة يبدو كلامه دقيقا، مع الأسف الشديد، في أن الوباء بالكامل يأتي بعد الموجة الأولى. ولذلك يرى البعض أن حجم الوباء الحقيقي «يصل الآن» وأن الموجة الأولى وإن كانت قد تسببت في وفاة مليون إنسان إلا أنها لا تعطي الحجم الحقيقي للوباء. والأعداد اليومية المعلنة لحالات العدوى تدعم هذا الاعتقاد بالأرقام وتثبت مسار توقعه. ورغم أن الفترة الزمنية الماضية قد كشفت الكثير عن الوباء وطرق انتقاله إلا أن الأعداد العالمية في تزايد سريع جدا، وإذا ما علمنا أن الأعداد المعلنة لا تشكل إلا جزءا بسيطا مما هي في الحقيقة «في بعض الدول لا تشكل الأرقام المعلنة إلا 10% من الحقيقة» فإن الأرقام الحقيقية تبدو وفق تقدير علماء الأوبئة مفزعة جدا. صحيح أن العلماء يقولون إن الأعداد لا تعطي المؤشر الأهم لضراوة الوباء وقوة فتكه بقدر ما تعطيه أعداد الوفيات وأعداد المنومين في غرف العناية المركزة، لكن حتى أعداد الوفيات تناهز اليوم مليون وفاة في العالم خلال 9 أشهر فقط وفي ظل تقدم علمي غير مسبوق في الطب وفي ظل إجراءات عزل وصفت في بعض الدول بالقاسية. وقالت منظمة الصحة العالمية، الجمعة، إن العدد مرشح للتضاعف في وقت قياسي!

وفي السلطنة كشفت المرحلة الثانية من مراحل المسح الوطني الاستقصائي لانتشار الوباء عن نسبة انتشاره بين أفراد المجتمع بلغت 11% وفق التقديرات المبدئية، وهذه النسبة تشير إلى إصابة أكثر من نصف مليون شخص بالوباء. ورغم ارتفاع النسبة بشكل كبير إلا أنها ليست ذات أهمية في سياق الحديث عن المناعة المجتمعية «تعرف علميا بمناعة القطيع» إذْ يتحدث علماء الأوبئة عن نسبة إصابة تتراوح بين 40 و70% من أجل أن يتشكل لدى المجتمع مناعة من شأنها أن توقف انتشار الوباء في أي مجتمع. والملاحظ أن الأعداد عادت ترتفع كثيرا بعد فتح المزيد من الحزم الاقتصادية وعودة الموظفين إلى أعمالهم بنسبة 70% وهذا أمر طبيعي يحدث في كل دول العالم، فكلما عادت الحياة إلى طبيعتها كلما زادت أعداد الإصابات، وجميع الدول التي قالت إنها استطاعت السيطرة على الوباء عادت لتعلن أعداد إصابات ووفيات تجاوزت الذروة السابقة.

إذن الدول أمام أزمة حقيقية. هل تأخذ برأي الطب وتبقي كل شيء مغلقا، أم تأخذ برأي السياسة وتعيد فتح الحياة بالتدرج مع الأخذ بالإجراءات الاحترازية من أجل أن تعود الحياة، وتعود مصالح الناس وأرزاقهم إلى طبيعتها؟!

هذا هو السؤال الجوهري الذي تحاول كل دول العالم أن تخلق من طرفيه موازنة. فهي تنظر إلى الصحة باعتبارها الخيار الأول ولكن تنظر إلى الاقتصاد باعتباره اكسير الأزمة خاصة في ظل حقيقة أن التكلفة الاقتصادية لمقاومة الوباء باهظة جدا جدا.

لكن الحقيقة التي على الجميع أن يعيها هي أن التوازن لا يمكن أن يصنعه القرار السياسي وحده، ولكن هو خيار الجميع وبالتالي على الجميع أن يعي متطلباته وآلياته.

على الناس أن يعلموا، وفي عُمان مثل في بقية العالم، أننا شركاء في الخروج من هذه الجائحة بأقل الخسائر. وفكرة أن ننتظر الحلول تأتي من الدولة وحدها فكرة ليست سديدة في هذا الوقت بالتحديد. وبعد هذه المدة الزمنية من الوباء ومن توعية الناس بأخطاره لا خيار أمامنا كأفراد إلا أن نكون في خندق مكافحته، لا أن نقدم نماذج مسيئة تدل على عدم وعي وعدم مسؤولية.. والمعركة الحقيقية مع الوباء آتية في الأسابيع القادمة.