آخر الأخبار

الصناعات الفخارية العُمانية.. الأشكال التقليدية والثراء الزخرفي

26 سبتمبر 2020
26 سبتمبر 2020

  • - الكشوفات الأثرية تعود إلى الألف الرابعة مقبل الميلاد وتدل على صناعة منتشرة للأواني الفخارية

    - مقتنيات صناعة الفخار في المتحف الوطني تعكس استخدام العُمانيين للمهارات المتطورة

العمانية: يعرض المتحف الوطني بمسقط في العديد من قاعاته عددا من الأواني الفخارية والحجرية أو جذاذات منها اختلفت أشْكالُها وأنماطها الزخرفية، حيث احتوت الأَوعية الشائعةُ من الأَواني الحجرية مع بداية العصر الحديدي بشكل كبير على جوانب مستقيمة بأَطراف بارزة، كما تشابهت تلك الأَواني المفوهة في شكلها مع الأَواني الفخارية التي من الفترة نفسها، واستبدلت الأَشكال الدائرية المحفورة بأَنماط متعرجة، وخطوط عمودية، ومثلثات بخطوط رفيعة، وتظهِر تلك الأَوانِي مع نهاية هذه الفترة سيادة الخطوط المتعرجة، وتتضمن أَحيانا أَشكالا بدائية.

وكانت الكشوفات الأثرية في كل من قرية بات قرب ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، والعرجاء بوادي الجزي قرب ولاية صحار بمحافظة شمال الباطنة، وقرية الأخضر بوادي سمد بولاية المضيبي في محافظة شمال الشرقية، التي تعود إلى الألف الرابعة مقبل الميلاد، قد دلت على أن هناك صناعة منتشرة للأواني الفخارية، ووصفت بأنها كانت صناعة متطورة وراقية كمثيلاتها في المنطقة في تلك الفترة، وأنها كانت معاصرة للحضارة السومرية القديمة ببلاد الرافدين مثل مناطق "أور" و "جمدت نصر"، وقد تأثرت بأساليب صناعة الفخار القائمة آنذاك بجنوب فارس، وهذا يدلنا على وجود صلات تجارية قديمة بين عُمان وهذه المناطق. وعثر بتَل قرب بسياء الواقعة إلى الجنوب من ولاية بُهلا بمحافظة الداخلية على قطع أوانٍ فخارية، منها آنية جدرانها سميكة شبيهة بتلك التي عثر عليها بحفريات ميناء رأس الحد، الذي يشبه بدوره ما وجد في جيدي ومجموعة جزر لامو في شرق إفريقي، أو سيراف المطلة على بحر فارس، وتدل الآنية التي كُشف عنها في بهلا على تشابك الصلات والمصالح المتبادلة بين داخلية البلاد وسواحلها، كما عثر على مجموعة من قطع الفخار عند مصب وادي بني خروص على ساحل جنوب الباطنة ما بين مدينتي المصنعة وبركاء تشبه الفخار الذي عثر عليه بسامراء في العراق وسيراف ببلاد فارس، واليمن، وهذا يدلنا على أن عُمان كانت ملتقى تجتمع فيها تأثيرات حضارات مختلفة، فتصهرها في بوتقتها، فمثلا نجد بمصنع بهلا أن عجلة الفخار والقالب الذي تصب فيه شبيه بالنمط السومري القديم، بينما مصنع سور السوادي بولاية صحم في محافظة شمال الباطنة، قد تأثر بالنمط الفارسي، من حيث القالب و"المهبة "الموقد الذي يحرق فيه الفخار، ويجمع مصنع مسلمات ( قرية بوادي المعاول) النمطين السومري والفارسي كما عثر على قطع أوان فخارية لونها أخضر مشوب بزرقة، وآنية أخرى مزججة. وتتميز المصنوعات الفخارية المعروضة في المتحف الوطني بزخارف متنوعة، تؤكد قدرة الفنان العُماني على الابتكار وغزارة الأفكار والحلول التشكيلية التي يمتلكها للتعبير عن مضمون ثقافته، والغنى في استخدام المفردات التشكيلية التي شغلت مختلف المساحات بعدة وحدات زخرفية منها؛ الحز على السطح وهو رطب، وقد تملأ الحزوز بألوان، وكان من الزخارف التي استخدمت أيضاً الزخارف التي اعتمدت على الوحدات الهندسية والنباتية والعناصر الكتابية أو الزخارف المستمدة من التراث الإسلامي كالزخارف المفرغة وكتابة الآيات القرآنية حيث استخدم الحرفي العُماني منذ القدم أنواعا من الطين في الصناعات الفخارية التي امتازت بأشكال تقليدية وثراء أسطحها الزخرفية القائمة على الخط والنقطة والملامح البصرية المرتبطة ببساطة التنفيذ.

الموروثات الفخارية

وفي هذا الصدد يقول ناصر بن سيف الحاتمي فنان تشكيلي ومصمم في الحرف التقليدية: إن "موروثات الفخار منذ نشأتها الأولى تمتاز بالرشاقة والجمال الذي يحدد قوتها الأصيلة وفوائدها المطلقة، حيث تمتاز هذه الموروثات الفخارية بأشكالها التقليدية وثراء أسطحها الزخرفية القائمة على الخط والنقطة والملامح البصرية المرتبطة ببساطة التنفيذ والقائمة على بعض المهارات البسيطة والبصمات الخطية والنقطية باستخدام الأدوات البسيطة مثل الحبال وقطع الخشب التي تترك أثرا على الفخار وتضيف له اللمسة الجمالية التي نراها في الفخار القديم". ويضيف الحاتمي إن "الفخاريين العُمانيين استخدموا نوعين من الطين من خلال العينات الموجودة في المتحف الوطني وهي تشير إلى أنه استخدم طينة المدر وهي متوفرة الآن بسهولة ويسر في الكثير من محافظات السلطنة، وتمتاز بتحملها لدرجات الحرارة ومساميتها ومرونتها بفضل الجزئيات المكونة لخواص هذا النوع من الطين، ولونها يتراوح ما بين الأبيض الكريمي والوردي الباهت ويمكن مشاهدتها في العديد من قاعات المتحف الوطني في المباخر والمجامر والأواني المستخدمة في حفظ الماء، واستخدم صانعو الفخار العُمانيون أيضا تربة الصربوخ وهي تربة حجرية ملساء وتستخدم بعد طحنها وتمتاز بالصلابة ومقاومتها للحرارة في درجات عالية جدا، حيث تم استخدامها في صنع أواني الطبخ والأواني التي تحفظ اللبن". وأوضح "أن الموروثات من الفخاريات يمكن ملاحظة أنها تمتاز بتشابهها من حيث الشكل والتسميات مع وجود اختلافات بسيطة وظيفية تميز كل منتج عن الآخر، ومن أمثلة ذلك "الجحلة" وهي إناء فخاري معروف لحفظ وتبريد الماء، فالمسمى واحد ولكنها تختلف من حيث الشكل، فالجحلة المصنوعة في ولاية بهلا بمحافظة الداخلية عبارة عن انتفاخ كروي في بطن الجحلة، بينما المصنوعة في ولاية صحم بمحافظة شمال الباطنة والولايات الساحلية تمتاز باتساع أكبر في نقطة البطن بحيث تميل إلى الشكل البيضاوي، وهندسيا لم يأتِ هذا الشكل عشوائيا، فالحرفي قصد الشكل من حيث إيجابية تدفق الماء أثناء سكبه منها، وكذلك صفة التبريد من حيث المساميات الموجودة في هذا الإناء عند تعليقها".

المهارات المتطورة

ويقول إنه: "من خلال مشاهدة المقتنيات الموجودة في المتحف الوطني والمرتبطة بصناع الفخار واستخدام الفخاريين العُمانيين لمجموعة من المهارات المتطورة جدا آنذاك رغم بساطة أشكال الفخار حيث تم استخدام التشكيل بالدولاب أو العجلة والحبال والشرائح والبصمة عن طريق قطع القماش أو باستخدام قوالب تصنع بواسطة أوراق الأشجار أو من قطع القماش، وهذه التقنية رغم استمرارية هذه الحرفة إلا أنها في التشكيل والتصنيع تتوارث حتى الآن، أما من حيث التقسيمات المتعلقة بالشكل ظهرت من خلال الأشكال الموجودة في المتحف بعض الأواني مثل الخروس والجرار والمجامر، واستخدم العُمانيون طرقا بدائية بسيطة في الزخرفة القائمة على النقش بالأدوات البسيطة مثل اللف الحلزوني باستخدام الحبال أو استخدام الدولاب، واستخدام الزخرفة المباشرة عن طرق السطل والتلوين بصبغات طبيعية تميل إلى الحمرة في بداية ظهور الفخار والخزف، وتقرب إلى صبغات قد تصل إلى البريق المعدني أو الكليزات في الطلعات الزجاجية، ومن خلال هذه الأشكال الفخارية سواء كانت الأشكال كاملة مثل الأواني الفخارية التي تستخدم استخدامات نفعية لحفظ الماء أم لحفظ الحبوب مثل الجرار والجحال والخروس والمقتنيات الأخرى. ويضيف: من حيث تقنيات وطرق حرق الطين فمن خلال ما تم العثور عليه من مقتنيات استخدم العُمانيون طرقا بسيطة في الحرق فقد استخدموا أفران الحرق أو الشيّ المباشر في الطين وتقنيات صناعة الأفران التي تحتوي على بيت النار والرماد وبيت المشغولات وغيرها من التقنيات في الحرق، وأيضا في تقنيات التشكيل ومن خلال ما تم العثور عليه من الموروثات الفخارية انعكس تأثر الإنسان باختلاف البيئات في عُمان، ولو لاحظنا أشكال الفخار العُماني فنجد مثلا المبخر العُماني في مسندم وجد على شكل طبقات فهو في المظهر من شكل واحد ولكن في ثلاث طبقات وأحيانا في طبقتين وأيضا من مقبضين وأحيانا يتعدى إلى 3 مقابض ويحتوي على نفس الزخارف التي وجدت في المبخر الذي وجد في ظفار، على أن الأشكال في ظفار اختلفت فتأخذ الشكل الدائري المرن والشكل المربع بالزوايا الحادة المكون من الصروج العلوية، وانعكست نفس الوحدات الزخرفية على نفس أسطح المباخر الموجودة في ظفار والموجودة في محافظة مسندم، بينما نلاحظ المباخر المستخدمة في شمال عُمان تمتاز بصغر حجمها وبساطة النقوش التي عليها والقائمة على التأشيرة، وهي من التقنيات الكثيرة في عمل الفخار".