LITHUANIA-BELARUS-RUSSIA-POLITICS-ECONOMY-TRANSPORT
LITHUANIA-BELARUS-RUSSIA-POLITICS-ECONOMY-TRANSPORT
الاقتصادية

موارد الطاقة في القرن الـ21 .. هل حانت نهاية عصر النفط؟

25 سبتمبر 2020
25 سبتمبر 2020

الإيكونومست

ترجمة : قاسم مكي

زوّدَ النفطُ القرنَ العشرين بالوقود. غذَّى سياراتِه وحروبَه واقتصادَه وجغرافيتَه السياسية. والآن العالم وسطَ صدمةِ طاقةٍ تعجِّل بالانتقال إلى نظام جديد. فمع الضربة التي وجهها كوفيد- 19 للاقتصاد العالمي أوائل هذا العام هبط الطلب على النفط بأكثر من 20% وانهارت الأسعار. ومنذ ذلك الوقت كان هنالك تعافٍ قلِق.

لكن العودة إلى العالم القديم مستبعدة. فمنتجو الوقود الأحفوري يجبرون على مواجهة ضعفهم. لقد تم إقصاء أكسون موبيل عن مؤشر داو جونز الصناعي وهي التي كانت أحد أعضائه منذ عام 1928. وتحتاج الدول البترولية مثل السعودية إلى سعر للنفط يتراوح بين 70 إلى 80 دولارا للبرميل لضبط موازناتها. وهي اليوم تدبر أمورها بحوالي 40 دولارا فقط للبرميل.

كانت هنالك تراجعات في سعر النفط في السابق. لكن التدهور هذه المرة مختلف. فمع شروع الناس والحكومات والمستثمرين في الانتباه للتغير المناخي تكتسب صناعة الطاقة النظيفة زخَما. لقد حدث تحول في أسواق رأس المال باتجاهها للاستثمار في شركات الطاقة النظيفة التي ارتفعت أسهمها بنسبة 45% هذا العام. ومع اقتراب أسعار الفائدة من الصفر، يدعم الساسةُ خططَ إنشاء البنية الأساسية للطاقة الخضراء. فجو بايدن المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية يريد إنفاق تريليوني دولار لتخليص اقتصاد أمريكا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وخصص الاتحاد الأوروبي 30% من أموال خطة التعافي من أزمة كوفيد-19 والتي تبلغ 880 بليون دولار لإجراءات حماية المناخ. ووظفت رئيسته اورسولا فون دير لاين خطاب حالة الاتحاد هذا الشهر لتأكيد أنها تريد من الاتحاد الأوروبي خفض انبعاثات الغاز بنسبة 55% فوق مستوياتها عام 1990 في العقد القادم.

هذا ويَعِدُ نظامُ الطاقة في القرن الحادي والعشرين بأن يكون أفضل من عصر النفط لصحة البشر وأكثرَ استقرارا سياسيا وأقلَّ تقلبا اقتصاديا.

ينطوي التحول في مصادر الطاقة على مخاطر كبيرة. وإذا حدث عشوائيا يمكن أن يضيف إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في الدول البترولية ويمركِز السيطرةَ على سلسلة الإمداد الأخضر في الصين. بل ماهو أخطر من ذلك أنه قد يحدث ببطء شديد.

اليوم تشكل موارد الوقود الأحفوري المصدر الأساسي لحوالي 85% من الطاقة. لكن هذا النظام غير نظيف (بيئيا). فالطاقة مسؤولة عن ثلثي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ويقتل التلوث الناتج عن إحراق الوقود الأحفوري 4 ملايين شخص سنويا معظمهم في المدن الضخمة بالبلدان الصاعدة.

كما أوجد النفط أيضا عدم استقرار سياسي. فبلدان نفطية ليس لديها حافز يذكر لتطوير اقتصاداتها مثل فنزويلا غرقت لعقودٍ في سياسة منح العطايا والمحسوبية. وفي مسعى منها لضمان إمدادات آمنة تنافست القوى الكبرى في العالم لبسط نفوذها على هذه البلدان.

يتسبب الوقود الأحفوري في التقلب الاقتصادي أيضا. فأسواق النفط يعصف بها تكتل لا يستقر على حال. كما يجعل تركُّز احتياطيات نفط العالم (في مناطق بعينها) الإمدادَ عُرضة للصدمات الجيوبوليتيكية. لذلك لا غرابة في أن سعر النفط تأرجح بما يزيد عن 30% في فترة لا تزيد عن 6 أشهر حوالي 62 مرة منذ عام 1970.

تتشكل الآن صورةُ نظامِ الطاقة الجديد. فباتخاذ إجراءات جريئة يمكن أن ترتفع نسبة كهرباء الموارد المتجددة مثل أشعة الشمس وطاقة الرياح من 5% من إجمالي الإمداد الكهربائي اليوم إلى 25% عام 2035 وإلى ما يقرب من 50% بحلول عام 2050. سيتراجع استخدام النفط والفحم الحجري. لكن سيظل دور الغاز الطبيعي الأنظف منهما مركزيا.

هذه الهيكلة الجديدة لنظام الطاقة ستجلب في النهاية منافع جمَّة. أهمها أن الطاقة المحررة من انبعاثات الكربون ستتجنب فوضى التغير المناخي المنطلق دون قيد، بما في ذلك أوضاع الجفاف المدمرة والمجاعة والفيضانات والنزوح الواسع النطاق. وعندما ينضج هذا النظام ويستوي لسوقه يلزم أن يكون أكثر استقرارا سياسيا أيضا لأن الإمداد سيكون متنوعا جغرافيا وتقنيا.

وسيتوجب على الدول البترولية محاولة إصلاح شأنها. ومع شروع حكوماتها في الاعتماد على فرض الضرائب على مواطنيها سيكون بعضها أكثر تمثيلا (سياسيا).

أما البلدان المستهلكة التي سعت في الماضي لتأمين احتياجاتها من الطاقة بالتدخل في سياسة منتجي النفط ستنظر، بدلا عن ذلك، في تطبيق إجراءات معقولة لصناعة الطاقة الخاصة بها هي نفسها.

أيضا يُفترض أن يكون نظام الطاقة في القرن الحادي والعشرين أقل تقلب اقتصاديا. فأسعار الكهرباء ستتحدد ليس بواسطة قلة من الفاعلين الكبار لكن بالمنافسة ومكاسب الكفاءة التدريجية.

لكن فيما يتشكل نظام أفضل للطاقة يَطِلُّ مهدِّد ضعف إدارة التحول في استخدامات موارد الطاقة. وثمة خطران بارزان في هذا الخصوص. فالصين يمكنها اكتساب نفوذ مؤقت على نظام الطاقة العالمي بسبب هيمنتها في مجال تصنيع مكوِّنات أساسية وتطوير التقنيات الجديدة. فالشركات الصينية تنتج اليوم 72% من وحدات الطاقة الشمسية و69% من بطاريات الليثيوم آيون و45% من توربينات الرياح في العالم. ويسيطر الصينيون أيضا على معظم عمليات تنقية المواد المعدنية الضرورية لإنتاج الطاقة النظيفة مثل الكوبالت والليثيوم.

وبدلا من " الدولة البترولية" ربما تصبح جمهورية الصين الشعبية "دولة كهربية". فقد أعلنت في الشهور الستة الماضية عن استثمارات في البنيات الأساسية للسيارات الكهربائية واختبرت منشأة بترولية في باكستان وفكرت في تخزين الكوبالت. ويعتمد تعاظم نفوذ الصين على مدى السرعة التي تتحرك بها الاقتصادات الأخرى.

أوروبا مَقَرٌّ لشركات عملاقة في مجال تطوير مزارع الرياح والطاقة الشمسية . فشركات أورستِد الدينماركية وإينيل الإيطالية وإبيردرولا الإسبانية تنفذ مثل هذه المشروعات حول العالم.

وتتقدم الشركات الأوروبية السباق من أجل خفض انبعاثاتها الكربونية أيضا.

أما المسار الذي تتخذه الولايات المتحدة في هذا المجال فقد تأثر بظهور النفط (والغاز) الصخري الذي جعلها أكبر منتج للنفط في العالم وكذلك بمقاومة الجمهوريين لإجراءات التخلص من الانبعاثات. وإذا تصدت الولايات المتحدة للتغير المناخي، مثلا بفرض ضريبة كربون واستحداث بنية أساسية جديدة، ستجعل منها أسواق رؤوس أموالها ومعاملها القومية الخاصة بالطاقة وجامعاتها قوة خضراء جبارة.

الخطر الكبير الآخر يتمثل في أثر هذا التحول في استخدام موارد الطاقة على الدول البترولية التي تساهم بحوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم ويوجد بها ما يقرب من 900 مليون مواطن. فمع تقلص الطلب على النفط ستواجه معركة ضارية من أجل الحصة السوقية وستكسبها البلدان التي تملك النفط الأرخص والأنظف. وحينما تتصدى الإصلاح الاقتصادي والسياسي الذي يزداد إلحاحا ربما ستتقلص الموارد العامة اللازمة لسداد تكلفته.

في مواجهة هذه الأخطار سيكون من المغري التراخي في القيام بالتعديلات اللازمة بالتباطؤ في التعامل مع التحول في استخدام موارد الطاقة. لكن ذلك ستترتب عنه مجموعة من العواقب المناخية المختلفة والأكثر تقويضا للاستقرار.

فالاستثمارات المتصوَّرة ستكون أقل كثيرا من المطلوب لمنع ارتفاع حرارة الكوكب بأكثر من درجتين مئويتين عن مستوياتها في حقبة ما قبل العصر الصناعي. هذا إذا وضعنا جانبا نسبة الـ 1.5% درجة مئوية اللازمة لوضع حد للاضطرابات البيئية والاقتصادية والسياسية التي تنجم عن التغير المناخي.

مثلا يجب أن يكون حجم الاستثمار السنوي في الطاقة الإنتاجية للرياح وأشعة الشمس حوالي 750 بليون دولار أو ثلاثة أضعاف المستويات الأخيرة لهذا الاستثمار. وإذا تسارع الانتقال إلى الطاقة المتجددة والمتحررة من الوقود الأحفوري (وهذا هو المفروض أن يحدث) فيسبب ذلك المزيد من الاضطراب الجيوسياسي. التحول إلى نظام جديد لطاقة حيوي. لكنه سيكون فوضويا.