السلطنة والدعوة لتطوير الأمم المتحدة
منذ نشأة منظمة الأمم المتحدة في الرابع والعشرين من أكتوبر 1945 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والعالم قد شهد الكثير من التحولات الكبيرة على كل المستويات، لقد عبر العالم بحرب باردة وفترات من النهوض والنكسات، ودخل القرن الحادي والعشرين وهو لم يتخلص بعد من أثقال القرن العشرين وألمه وجراحه، تفككت دول كبيرة كالاتحاد السوفييتي وبعض دول شرق أوروبا، وجرت متغيرات عبر الحروب والتجييش، وكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 مع مطلع القرن، وفي المنطقة العربية كانت المتغيرات لا حصر لها من قضية القرن، القضية الفلسطينية التي مرت بما مرت به من مراحل إلى اللحظة الراهنة، دون أن يحصل الفلسطينيون على دولتهم المستقلة، كذلك حروب الخليج وغزو الكويت، إلى دخول ما أطلق عليه الربيع العربي الذي جاء نذيرًا بالتفكيك لعدد من الدول العربية، إلى ما نعيشه اليوم من جائحة عالمية غير مسبوقة في التاريخ الإنساني.
هذا على صعيد البنية السياسية لوقائع العالم المعاصر، وثمة بنى أخرى تقنية ومعرفية كان لها بالطبع الانعكاس الكبير على مجمل تفاصيل الحياة الإنسانية الحديثة، من اختراع الشبكات الحديثة والإنترنت ودخول عصر الرقمنة، والثقافة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي، باختصار فنحن أمام عالم متغير وسريع التحول، ليس بالإمكان أن نتنبأ فيه بالخطوات المقبلة.
في كلمة السلطنة أمام الأمم المتحدة بمناسبة مرور خمسة وسبعين عامًا على إنشاء هذه المنظمة الأممية المهمة، فقد كان التأكيد الواضح أن عمان تثمّن دور هذه الشراكة الدولية والاستراتيجية التي لا شك أن لها دورًا مهمًا في العديد من مجريات الأحداث في العالم اليوم، لكن في المقابل وجراء التحولات التي تدور في الكرة الأرضية عامة، من متغيرات على مستويات السياسة والاقتصاد والعلوم الاجتماعية والمناخ والبيئة الخ... فإن هناك حاجة إلى إعادة التفكير في عمل هذه المنظمة والأدوار التي تقوم بها كذلك كيف بالإمكان أن تنهض بالواجبات في مرحلة جديدة من التاريخ البشري.
لقد لعبت الأمم المتحدة ورغم كل الظروف والمنعرجات، العديد من الأدوار المهمة على صعيد السياسة الدولية، وشكلت منارة للسلام والإخاء، وهو الدور الذي من المفترض أن تسير عليه، بيد أن السلطنة ترى أن المتغيرات من الطفرة السكانية العالمية والاهتمامات والتطلعات الأممية وغيرها من الأسباب المرتبطة بمستجدات العصر والحياة وسرعة التحولات، كل ذلك يفرض «السعي إلى تطوير هياكل وآليات الأمم المتحدة بما يواكب تطلعات وآمال الأجيال الحالية والقادمة في تأمين العيش الكريم والعدالة والأمن والاستقرار للجميع».
وهذه ليست المرة الأولى التي تدعو فيها السلطنة إلى تطوير الأمم المتحدة فقد سبق ومنذ عدة سنوات أن أطلقت هذا الخطاب، والآن فإن الفرصة مواتية مع ظروف الجائحة الصحية الكونية على إعادة النظر في الكثير من الأمور، بحيث يكون دخول المرحلة المقبلة بناء على رؤى جديدة تعزز بالفعل التكامل الإنساني، فالظروف الراهنة أثبتت حاجة دول العالم أجمع إلى التعايش والتعاون والسلام.