الثقافة

واسيني الأعرج: عُمان رؤية تبصّريّة وسياسة محايدة وضوء في آخر النفق

19 سبتمبر 2020
19 سبتمبر 2020

  • واسيني الأعرج يتحدث عن تجربته الأدبية في جلسة نظمها مركز حدائق الفكر الثقافي

استضاف مركز حدائق الفكر الكاتب والروائي الجزائري واسيني الأعرج، وذلك من خلال سلسلة برنامج المركز "كتاب مفتوح"، والذي يعقده عبر تطبيق زوم.

وتخلل الحديث الذي كان عنوانه "محطات وصفحات من مشوار العربي الأخير" جوانب متعددة ثقافية لامست السياسية، ليشيد الأعرج بمواقف السلطنة على المستوى الدوليّ في حديثه عن مآلات الشرق الأوسط، والدور الذي يمكن أن يلعبه الحياد العماني في خضم سعيها للسلام، وقال: "عندما يتوفر حاكم مثل السلطان قابوس ـ رحمه الله ـ لديه هذه الرؤية التبصرية بالتأكيد سيكون هناك ضوء في آخر النفق، ونأمل للنموذج العماني أن يتوسع في مساحته سياسيا وإنسانيا".

كما كشف عن سعادته بصداقات عميقة مع مثقفين عمانيين خلال زيارته السلطنة والالتقاء بشعبها الطيب، واعتبر دار الأوبرا السلطانية واحدة من أهم المراكز الثقافية والفنية في العالم.

وأضاف الروائي واسيني: "لم يكن في ذهني، وأنا أكتب رواية (حكاية العربي الأخير)، فضح الأفكار التي يستند عليها الغرب الاستعماري، هذا الغرب الحديث الذي يعيد تنشيط نفسه، وإنما أخذت الفكرة من خلال تأمّل، وتبصّر، ومن خلال عمل أرشيفي أيضا، فبدأت اشتغل على ما ينتظرنا نحن العرب مستقبلا، ذلك أننا نعيش مرحلة معقّدة، وصعبة جدا تحتاج إلى قوة داخلية، وروحية، وتبصّرية، حتى نستطيع تجاوز هذه المطبّات الخطيرة، ويمكن ملاحظة مخاطرها مما يحدث في بلداننا العربية من تفكّك، وتشظٍ، خذ مثلاً ما تبقّى من العراق، وسوريا، وكلّ الدول العربية التي كان لها دور في السؤال التاريخي حول الانتقال من حالة التخلف إلى حالة التقدم، أو على الأقل حالة تسمح لها بالاستمرار تاريخيا".

وقدّم الكاتب طروحاته، وأفكاره في كثير من القضايا الفكرية المعاصرة، متناولا واقع العالم العربي، والتحدّيات التي تستهدف وجوده إنسانيّاً، وثقافياً، مؤكّدا انتصاره على الحقد، والضغينة داخله كجزائري فقد والده على يد المستعمر الفرنسي، فيما يقيم حاليا في فرنسا، ويكتب في لغتها، ذلك أنّ" الضغينة قنبلة موقوتة إذا تُركت تتربّى داخل الإنسان، فإنّها ستنفجر فيه أولاً قبل أن تنفجر في الآخرين، لذا يجب أن يكون للإنسان زمن للحرب وزمن للسلم"كما قال مضيفاً " إنّ الأجيال التي حاربت والدي مضت ولم تعد موجودة، وللعربي ثقافة تسمح له بالتفريق بين الآخرين، من جنرالات كانوا يستعبدون الجزائر، وبين الشخصيات الثقافية الفرنسية، وكثير منها كان يقف مع الثورة الجزائرية"

نظرة تشاؤمية

وحول النظرة التشاؤمية التي طبعت رواية (حكاية العربي الأخير)، يرى أن تفاؤل الكاتب يجب ألا يكون كذباً، وتزويراً للحقائق، فدور الكاتب أن يعرض اللوحة كما هي لأنه يثق في قدرة القُرّاء، وفي الناس الذين يجادلهم. وأكّد بأننا نحتاج إلى فهم شرقيّتنا في هذا العصر لنستطيع الانتقال من وضع صعب إلى وضع جيد".

وأضاف في نفس الصدد: "رؤية الرواية تنمّ عن خوف مُضمر حول مآلات العالم العربي، فعلاقتي باللغة العربية، وبالثقافة العربية لا تسمح لي أن أنتظر انقراض العالم العربي، بل عليّ أن أقول علينا تغيير هذا المسار، وكما صدّرت في مقدمة الرواية بعبارة الدبلوماسي الأمريكي باتريك سرينغ (العربي الجيّد الوحيد هو العربي الميّت) فإن الغرب الاستعماري الحديث يريدنا أمواتاً وبلا أصوات. لذا مثل هذه الجمل يجب أن تكون محرضة لنا للبقاء أحياءً إنسانيا، وثقافيا، ومازلت أؤمن أن على الكاتب رفع صوته ليصل إلى القراء حكاما، ومحكومين....".

وبخصوص الشركة الإنتاجية التي اقتبست فكرة الرواية في عمل تلفزيوني، أكّد واسيني الأعرج أنه قام برفع دعوى قضائية ضد الشركة عبر وكيلته الأدبية، وأنّ الموضوع الآن بيد القضاء.

عالم المرأة

وفي سؤال عن إمكانية الكاتب الرجل بالولوج إلى عالم المرأة الداخلي وهو يكتب بلسان شخصية نسائية، أجاب الأعرج "إن هذا يعتمد على عوامل تربوية بالأساس، وفي حالته كونه تربى تحت كنف امرأتين هما: جدّته، وأمّه، فإن هذا جعله يدخل في تفاصيل عالم المرأة الداخلي من خلال الإصغاء للصوت الأنثوي".

وعن اللغة التي يختارها لكتابة روايته، باعتباره يكتب باللغتين العربية، والفرنسية، أجاب الأعرج "إن الروايات التي كتبتها بالفرنسية كُتبت في ظروف محدّدة، وأكّد أنّ الوضع النفسي لا يتشابه في الكتابة بكلّ اللغات حيث أن كلّ لغة تعطي جوّها النفسي، وتبدو العربية هي الأكثر طواعية في الكتابة الأدبية، وذلك يعود إلى مدياتها الفنية، والثقافية، والإنسانية، وإيقاعها الشعري، وأكّد أنه يتجنّب ترجمة رواياته المكتوبة بالفرنسية إلى العربية بنفسه.

وعن سبب تأخير طرح الجزء الثاني من رواية (كتاب الأمير) وطرح رواية (رمادة .. كائنات كوفيلاند اليتيمة) بدلا عنها، ذكر الأعرج أن هذا يعود إلى خلاف بينه وبين وزير الثقافة الجزائري السابق حول كتابة السيناريو للجزء الأول لتحويله إلى عمل سينمائي، وهو في الحقيقة خلاف حول أهمية شخصية الأمير عبد القادر الجزائري باعتباره أباً للحركة النضالية الجزائرية وللإسلام الحقيقي المتسامح بأبعادها القيمية والإنسانية. كما أكّد الأعرج ماسونية الأمير عبد القادر لكن بصبغتها الأولية قبل هيمنة الفكر الصهيوني عليها.

وفي مداخلة عن كون الماسونية بدأت أصلاً صهيونية، وظلت هذه الصبغة ملتصقة بها، رغم الشعارات التي رفعتها وكانت تتشدّق بها (الحرية، والإخاء والمساواة)، في أجواء يكتنفها الكثير من الغموض، والشكوك بصدق النوايا، قال الأعرج إن الماسونية حسب ما اطلع، وقرأ لم تبدأ صهيونية، بل خرجت بموازاة الحركة الصهيونية كتيار علماني استطاع جذب كبار المفكرين العرب مثل: محمد عبده وجمال الدين الأفغاني كما يذكر، ولكن الجانب الصهيوني بدأ يتعزّز داخلها بعد عام 1948 وصاعداً.

وأكد الأعرج أن أنه سيقوم بطرح الجزء الثاني بمجرد انتهاء أزمة كورونا.

الأدب والسياسة

وعن فكرة عمل الأديب في السياسة، ورفضه لعرض منصب وزير في الجزائر، ذكر الأعرج أنه مع فكرة الكفاءة في التوظيف الوزاري، وأنه ليس ضد عمل الأديب في السياسة بشرط أن يتحلّى بالكفاءة المطلوبة للمسؤولية.

وعن سؤال للناقد الدكتور حاتم الصكر حول زمن الرواية وهجرة الشعراء بحماسة لكتابة الرواية وكذلك تهميش القصة القصيرة، أشار إلى أن مصطلح (زمن الرواية) الذي أطلقه الدكتور جابر عصفور يحيل إلى هيمنة عالمية لهذا الجنس الأدبي باعتباره أدباً شعبياً، ولكنه بالمقابل لا يقصي الأجناس الأخرى، فالشعر هو روح الإنسان وطفولته، وذهاب الشعر هو ذهاب الإنسان. كما حذّر من كثرة الروايات الصادرة التي قد تؤدي إلى زمن موت الرواية.

النقد الإعلامي

وفي نفس الصدد، أشار الأعرج إلى ندرة النقد الإعلامي، والصحفي في عالمنا العربي مقارنة بكثرة ما ينشر من الروايات، على خلاف ما يحدث في أوروبا حيث تعتمد الرواية في انتشارها على دعم الجانب الإعلامي بشكل كبير. أما النقد الأكاديمي، فهو ما يزال بخير، ويواكب الكثير من الناتج الأدبي لكنه للأسف يبقى حبيساً خلف جدران المكتبات الجامعية، ودعا إلى وجود مؤسسات نشر تقوم بطباعة ونشر الدراسات النقدية المهمة التي تحوز على تقديرات عالية من قبل لجان الإشراف الأكاديمي.