1511472
1511472
الثقافة

لنكـن جميـعا نسوييـن! « 1 - 2 »

18 سبتمبر 2020
18 سبتمبر 2020

تشيمامندا نجوزي أديتشي -

ترجمة : أحمد شافعي -

هذه نسخة محررة من كلمة ألقيتها في ديسمبر سنة 2016 في تيدكس يوستن TEDxEuston، وهو لقاء سنوي حول أفريقيا. كان هدف المتحدثين، على اختلاف مجالاتهم، في الخطب الوجيزة التي ألقوها، هو تحدي الأفارقة وأصدقاء أفريقيا وإلهامهم. وكنت قد تحدثت سابقا في مؤتمر آخر من مؤتمرات تيد قبل سنوات قليلة، ملقية كلمة بعنوان «خطر القصة الأحادية» عن الأنماط وتقييدها لتفكيرنا وتشكيلها له، وبخاصة في أفريقيا. ويبدو لي أن كلمة النسوي وفكرة النسوية ذاتها مقيَّدة بقوة الأنماط. وعندما أصرَّ أخي تشاكس وصديق المقرب إيكي ـ وهما شريكان في تنظيم تيدكس يوستن ـ على أن ألقي كلمة، لم يكن بوسعي أن أقول لا. قررت أن أتكلم عن النسوية بسبب قوة مشاعري تجاهها. كان لديّ هاجس بأنها قد لا تكون موضوعا جماهيريا للغاية، لكنني رجوت من كلمتي أن تكون مستهلا لحوار ضروري. وهكذا في مساء ذلك اليوم، وأنا واقفة على الخشبة، شعرت وكأنني وسط أهلي، فالجمهور طيب ورقيق، لكنه قد يقاوم الموضوع الذي اخترته لكلمتي. ثم جاء وقوفهم للتصفيق في النهاية ليمنحني الأمل.

كان أوكولوما من أعظم أصدقائي في الطفولة. كان يعيش في شارعنا ويعتني بي اعتناء أخ أكبر: فإن أعجبني ولد سألت أوكولوما عن رأيه. كان أوكولوما ظريفا ذكيا يلبس أحذية رعاة البقر طويلة الرقاب المدببة من الأمام. في ديسمبر من عام 2005، مات أوكولوما في حادث تحطم طائرة في جنوبي نيجريا. لم يزل يصعب عليّ أن أصوغ في كلمات ما أحسست به. لقد كان أوكولوما شخصا يمكنني أن أتجادل معه، وأن أضحك معه، وأن أكلمه بحق. وكان أيضا أول شخص يصفني بالـنسوية.

كنت تقريبا في الرابعة عشرة. وكنا في بيته، نتناقش، ونتناطح، بما لدى كل منا من بدايات معرفة نصف مستوية مستلَّة من الكتب التي قرأناها. لا أتذكر حول ماذا على وجه التحديد كان يدور ذلك النقاش. لكنني أتذكر، بينما أناقش وأناقش، أن أوكولوما نظر إليّ وقال: «على فكرة، أنت نسوية».

لم يكن ذلك مديحا. عرفت ذلك من نبرته، فهي النبرة التي قد يقول بها شخص لآخر «أنت مناصر للإرهاب».

لم أكن أعرف بدقة معنى كلمة النسوية تلك. ولم أرد أن يعرف أوكولوما أنني لا أعرف. فتحاشيت الموضوع واستمررت في النقاش. وأول ما خططت للقيام به عند الرجوع إلى البيت هو أن أبحث عن الكلمة في القاموس.

ننتقل الآن بسرعة إلى المستقبل، بعد بضع سنوات.

في عام 2003 كتبت رواية عنوانها «زهرة الكركديه الأرجوانية»Purple Hibiscus، عن رجل يقوم بعدة أشياء منها أنه يضرب زوجته، ولا تنتهي قصته نهاية سعيدة. وفيما كنت أروّج للرواية في نيجريا، قال لي صحفي لطيف، كريم النوايا إنه يريد أن يسدي إليّ نصيحة. (ولعلكم تعلمون أن النيجيريين يسارعون كثيرا إلى إسداء النصائح دونما طلب).

قال لي: إن الناس يقولون إن روايتي نسوية، ونصيحته لي، وكان يهزُّ رأسه في أسف وهو يتكلم، هي أنني لا ينبغي أن أصف نفسي مطلقا بالنسوية، إذ أن النسويات نساء تعيسات عاجزات عن العثور على أزواج.

فقررت أن أطلق على نفسي «النسوية السعيدة».

ثم قالت لي أكاديمية نيجيرية: إن النسوية ليست من ثقافتنا، إن النسوية لا إفريقية، وإنني لا أصف نفسي بالنسوية إلا لوقوعي تحت تأثير كتب غربية. (وأضحكني ذلك، لأن أغلب قراءاتي المبكرة كانت غير نسوية: فلا بد أنني قرأت كل رواية نشرت في سلسلة ميلز آند بوون الرومانسية قبل بلوغي السادسة عشرة). فضلا عن أنني كنت كلما طالعت تلك الكتب الموسومة بـ«كلاسيكيات النصوص النسوية»، شعرت بالضجر، فكنت أكافح من أجل إكمالها.

وعلى أي حال، ونظرا لطبيعة النسوية اللا أفريقية، فقد قررت أن أطلق على نفسي النسوية السعيدة الأفريقية. ثم قالت لي صديقة عزيزة: إن وصفي نفسي بالنسوية معناه أنني أكره الرجال. فعدت وقرَّرت أن أطلق على نفسي النسوية السعيدة الأفريقية التي لا تكره الرجال. وفي مرحلة ما صرت النسوية السعيدة الأفريقية التي لا تكره الرجال وتحب طلاء الشفاه اللامع والكعوب العالية من أجل نفسها لا من أجل الرجال.

بالطبع، كثير من ذلك كان من قبيل السخرية، لكن ما يكشف عنه هو أن كلمة النسوية مثقلة للغاية بالمتاع، وإنه لمتاع سلبي: فالنسوية تكره الرجال، وتكره حمالات الصدور، وتكره الثقافة الأفريقية، وترى أن الرئاسة يجب أن تكون دائما للنساء، ولا تضع مساحيق التجميل، وهي في حالة غضب دائم، وليس لديها حس بالفكاهة، ولا تستعمل مزيلات رائحة العرق.

أحكي لكم الآن قصة من طفولتي

حينما كنت في المدرسة الابتدائية في نوسوكا، وهي مدينة جامعية في جنوب شرق نيجريا، قالت المدرسة في بداية الفصل الدراسي إنها ستجري للفصل امتحانا ومن يحصل فيه على أعلى درجة يصبح رئيس الفصل. وكان لمنصب رئيس الفصل هذا شأن كبير. فلو أن أحدا أصبح رئيس الفصل، فهو الذي يدوِّن أسماء المشاغبين والصاخبين كلَّ يوم، وتلك في ذاتها كانت سلطة تدور لها الرؤوس، ولكن مدرستي تلك كانت تعطي رئيس الفصل عصا يمسكها بيده وهو يمشي في الفصل مراقبا التلاميذ بحثا عن الصاخبين. ولم يكن مسموحا بالطبع بـاستعمال حقيقي لتلك العصا. ولكنها كانت تمثل لي وأنا في التاسعة من العمر منظرا مثيرا. أردت بشدة أن أكون رئيسة الفصل. وحصلت على أعلى درجة في الامتحان.

ثم حدث، لدهشتي الشديدة، أن قالت مدرستي: إن الرئيس لا بد أن يكون ولدا. لقد نسيت أن توضِّح ذلك في وقت أسبق، وتصوَّرتْ أنه أمر واضح. وكان ولد قد حصل على ثاني أعلى الدرجات. وصار له هو أن يكون رئيس الفصل.

والأمر الذي كان أكثر إثارة هو أن ذلك الولد كان عذبا رقيق الروح لم يكن له اهتمام بمراقبة الفصل والسير فيه بالعصا. أما أنا فكان يملأني الطموح إلى القيام بذلك.

لكنني كنت أنثى وهو كان ذكرا فأصبح هو رئيس الفصل.

لم أنس قط تلك الواقعة.

والشيء إن فعلناه مرارا وتكرارا، يصبح هو الطبيعي. والشيء إن رأيناه مرارا وتكرارا، يصبح هو الطبيعي. ولو أن الأولاد فقط هم الذين يتولون رئاسة الفصل، فعند مرحلة معينة سوف يحدث لنا أن نفكر، ولو دون وعي، بأن رئيس الفصل لا بد أن يكون ولدا. وإن رأينا الرجال فقط رؤساء للشركات، فسوف يبدأ يبدو لنا «الطبيعي» أن يكون الرجال وحدهم رؤساء الشركات.

غالبا ما أخطئ وأفكر أن الشيء الواضح لي واضح لجميع من عداي. وانظروا إلى حالة صديقي العزيز لويس، وهو رجل عبقري تقدمي. تجري بيننا حوارات يقول لي فيها: «أنا لا أفهم ماذا تعنين بأن الأمور مختلفة بالنسبة للنساء، وأنها أصعب عليهن. ربما كان الأمر كذلك في الماضي، لكن ليس الآن. كل شيء الآن على ما يرام بالنسبة للنساء». لم أكن أفهم كيف لم يستطع لويس أن يرى ما بدا لي سافر الوضوح.

أحب كثيرا أن أرجع إلى نيجيريا، وأن أقضي كثيرا من وقتي هناك في لاجوس، وهي أضخم مدينة ومركز تجاري في البلد. في بعض الأحيان، في المساء حينما تنخفض درجة الحرارة وتركن المدينة إلى إيقاع أشد بطئا، أخرج مع أصدقاء أو أقارب إلى مطاعم أو مقاه. في إحدى هذه الأمسيات، خرجت أنا ولويس مع بعض الأصدقاء.

من الثوابت البديعة في لاجوس أن بعض الشباب المفعمين بالطاقة يتصعلكون خارج بعض المؤسسات مادِّين بطريقة شديدة الدراماتيكية يد «المساعدة» لم يرد أن يركن سيارته. ولاجوس مدينة كبيرة يسكنها قرابة عشرين مليون نسمة، وفيها من الطاقة ما ليس في لندن، ومن روح العمل والرغبة في الكسب ما ليس في نيويورك، لذلك يقصدها الناس من شتَّى الأشكال والألوان طلبا للرزق. وكما هو الحال في أغلب المدن الكبرى، فإن العثور على مكان لركن السيارة في الأمسيات قد يكون أمرا صعبا، فيمتهن أولئك الشباب العثور على أماكن للركن، وحتى حينما تكون هذه الأماكن متاحة، يمتهنون إرشاد السيارات إليها بكثير من الإشارات، ويعدون بـ«الاعتناء» بالسيارة إلى أن يرجع إليها صاحبها. وسرَّني كثيرا الأداء المسرحي الخاص لدى الرجل الذي عثر لنا على مكان نركن فيه في ذلك المساء. فما كان مني ونحن راحلون إلا أن قررت أن أدفع له مبلغا إضافيا. فتحت حقيبتي، ووضعت يدي داخلها لآتي بنقودي، وأعطيت منها للرجل. وشعر ذلك الرجل بالفرح، وبالامتنان، وأخذ النقود مني، ثم وجه عينيه إلى لويس وقال له «شكرا لك يا صاح».

نظر لي لويس مندهشا وسأل «لماذا يشكرني؟ لم أكن أنا الذي أعطاه النقود». وإذ ذاك رأيت الفهم على وجه لويس. كان الرجل يعتقد أن النقود التي معي إنما جاءتني أصلا من لويس. لأن لويس رجل.


الرجال والنساء مختلفون. لدينا هرمونات مختلفة وأعضاء جنسية مختلفة وقدرات بيولوجية مختلفة، بوسع النساء أن يلدن، وليس الرجال. وللرجال من هرمون التستستيرون قدر أكبر، وهم بصفة عامة أقوى جسمانيا من النساء. ثمة من النساء عدد أكبر قليلا من الرجال في العالم. فـ 52% من سكان العالم إناث، لكن أغلب مواقع السلطة والمكانة الرفيعة يشغلها الرجال. ولقد قالتها ببساطة وبراعة الكينية الراحلة الحاصلة على نوبل في السلام ونجاري ماثاي Wangari Maathai: «كلما تحركت إلى الأعلى، قل من تصادف من النساء».

في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ظللنا نسمع عن قانون ليلي ليدبترLilly Ledbetter law، ولو أننا مضينا إلى ما وراء ذلك الاسم الموسيقي اللطيف، لوجدنا أن هذا هو فحوى القانون: في الولايات المتحدة، يعمل الرجل والمرأة في وظيفة واحدة، وبمؤهلات واحدة، لكن الرجل يحصل على أجر أعلى لأنه رجل.

فالرجال حرفيا هم الذين يحكمون العالم. ولقد كان هذا أمرا منطقيا قبل ألف سنة. لأن البشر كانوا يعيشون آنذاك في عالم تمثل القوة الجسمانية فيه أهم خصال البقاء، فكان الأقوى جسمانيا هو الأرجح وصولا إلى القيادة. والرجال بصفة عامة أقوى جسمانيا. (وثمة بالطبع استثناءات كثيرة). لكننا اليوم نعيش في عالم هائل الاختلاف. والشخص الأفضل تأهيلا للقيادة ليس الشخص الأقوى. بل هو الأكثر ذكاء، والأكثر معرفة، والأكثر إبداعا، والأكثر ابتكارا. وهذه الخصال ليست لها هرمونات. فالرجل والمرأة يتساويان في احتمال الذكاء والابتكار والإبداع. لقد تطوَّرنا. لكن أفكارنا عن الجندر لم تتطور كثيرا.

قبل زمن غير بعيد، دخلت إلى بهو أحد أفضل الفنادق النيجيرية، فاستوقفني رجل عند المدخل وطرح عليّ أسئلة مزعجة: ما اسم الشخص الذي أزوره وما رقم غرفته؟ هل أعرف هذا الشخص؟ هل يمكنني إثبات أنني نزيلة في الفندق بأن أريه بطاقة فتح باب؟ وذلك لأن الافتراض البديهي هو أن أي أنثى من نيجيريا تدخل وحدها إلى فندق إنما هي عاملة جنسية. لأن الأنثى النيجيرية وحدها لا يمكن أن يحتمل أن تكون نزيلة تدفع ثمن غرفتها. عندما يدخل رجل إلى الفندق نفسه لا يتعرض لهذا التحرش. ويفترض أنه موجود لغرض شرعي. (وبالمناسبة، لماذا لا تنتبه هذه الفنادق إلى الطلب على العمالة الجنسية بدلا من العرض المزعوم؟)

في لاجوس، لا أستطيع الذهاب وحدي إلى الكثير من الملاهي والحانات ذات السمعة المحترمة. فهذه الأماكن لا تسمح ببساطة بدخولك لو أنك امرأة وحيدة. لا بدَّ أن تكوني برفقة رجل. ولذلك فإن لديّ أصدقاء ذكورا يصلون إلى الملاهي وينتهون إلى دخولها وقد تشابكت أذرعهم في ذراع امرأة غريبة عنهم تماما، لأن تلك الغريبة تماما امرأة خرجت وحدها ولم يكن أمامها خيار إلا أن تطلب «مساعدة» لدخول الملهى.

في كل مرَّة أدخل فيها مطعما نيجيريا مع رجل، يقدم النادل التحية للرجل ويتجاهلني. وهؤلاء الندل نتاج مجتمع علَّمهم أن الرجال أهمُّ من النساء، وأعرف أنهم لا يتعمدون الإساءة، ولكن ما أوسع الفارق بين أن تعرف شيئا ما على المستوى العقلي وأنت تشعر به على المستوى العاطفي. في كلِّ مرَّة يتجاهلونني فيها، أشعر أنني لا مرئية. ينتابني الغضب. أود لو أقول لهم إنني إنسان مثل الرجل، وجديرة مثله بالاعتراف. هي أمور بسيطة، ولكن الأمور البسيطة في بعض الأحيان تكون الأشد وجعا.

قبل وقت غير بعيد كتبت مقالة عن كوني امرأة شابة في لاجوس. وقال لي أحد معارفي إنها مقالة غاضبة، وإنه ما كان يجدر بي أن أجعلها غاضبة بذلك القدر. وما كنت لأعتذر. بالطبع كنت غاضبة. فالجندر، حسب أدائه اليوم، مظلمة جسيمة. وأنا غاضبة. ويجدر بنا جميعا أن نكون غاضبين. وللغضب تاريخ طويل في تحقيق التغير الإيجابي. لكنني في الوقت نفسه متفائلة، لأنني أومن إيمانا عميقا بقدرة البشر على إعادة صوغ أنفسهم على نحو أفضل.

لكن رجوعا إلى الغضب. سمعت التحذير في نبرة صوت ذلك الشخص، وعلمت أن كلامه يتعلق بالمقالة بقدر ما يتعلق بشخصيتي. قالت لي النبرة: إن الغضب ليس مناسبا للمرأة بصفة خاصة. فلو أنك امرأة، ليس مفترضا بك أن تعبِّري عن غضبك، لأن في ذلك تهديدا. لي صديقة، وهي امرأة أمريكية، تولت منصبا قياديا خلفا لرجل. كان سلفها يعد متشددا في حسن الأداء، كان رجلا حادا كثير التشدد وصارما بصفة خاصة في مسألة توقيع الحضور والانصراف. تولت صديقتي وظيفتها الجديدة، وتخيلت نفسها صارمة بالقدر نفسه، على أن تكون أطيب منه بعض الشيء، فهو لم يكن يعترف دائما بأن للناس عائلات، بينما كانت هي حسبما قالت تعترف بذلك. ولم تمض أسابيع عليها في وظيفتها الجديدة، حتى وبَّخت موظفا لتزويره في دفتر الحضور والانصراف، تماما كما كان يفعل سلفها. فاشتكى الموظف للإدارة العليا من أسلوب مديرته. قال الموظف إنها عنيفة ويصعب العمل معها. ووافقه على ذلك موظفون آخرون. قال أحدهم إنهم كانوا ينتظرون منها أن تضفي «لمسة امرأة» على الوظيفة، لكنها لم تفعل ذلك.

لم يخطر لأيٍّ منهم أنها تفعل تماما كالذي كان يفعله رجل قبلها فيلقى عليه الثناء.

وعندي صديقة أخرى، وهي أيضا امرأة أمريكية، لديها وظيفة عالية الأجر في مجال الإعلان. وهي إحدى امرأتين في فريقها. وحدث مرة في اجتماع، حسبما قالت لي، أن شعرت بأن رئيسها يستخف بها، كان يتجاهل كلامها ثم يثني على آراء مماثلة إذا جاءت من رجل. وأرادت أن تنطق، وتواجه رئيسها. لكنها لم تفعل. وبدلا من ذلك، مضت بعد الاجتماع إلى الحمام وبكت ثم اتصلت بي لتفضي إليَّ. لم ترد أن ترفع صوتها لأنها لم ترد أن تبدو عدوانية. وتركت غيظها يستعر بداخلها. ما صدمني فيها وفي كثيرات من صديقاتي الأمريكيات هو مدى استثمارهم في أن يكنَّ موضع «إعجاب». كيف نشأن على الاعتقاد بأن كونهن موضع إعجاب أمر شديد الأهمية وأن لسمة القابلية للإعجاب طبيعة محددة. وهذه الطبيعة المحددة لا تتضمن إظهار الغضب أو العدوانية أو الجهر بالاختلاف.

إننا نقضي وقتا كبيرا للغاية في تعليم البنات أن يراعين رأي الأولاد فيهن. ولكننا لا نفعل العكس. فلا نعلم الأولاد أن يكونوا موضع إعجاب. نقضي وقتا كبيرا للغاية في تعليم البنات أنهن لا يمكن أن يكنّ غاضبات أو عدوانيات أو صارمات، وتلك في ذاتها أمور سيئة، لكننا نرجع ونلتف عليها ونثني على الرجال بسببها أو نبرِّرها لهم. في جميع أرجاء العالم ثمة مقالات في المجلات وثم كتب كثيرة للغاية تبيِّن للنساء ما ينبغي أن يفعلنه، وكيف يكنّ وكيف لا يكنّ، من أجل أن يجذبن الرجال أو يسعدنهم. بينما الإرشادات للرجال أقل كثيرا بشأن إسعاد النساء.

إنني أقوم بالتدريس في ورشة للكتابة بلاجوس، ومن المشاركين شابة قالت لي إن صديقها نصحها بألا تصغي لـ«كلامي النسوي» وإلا فإنها سوف تمتص أفكارا من شأنها أن تخرب بيتها. هذا التهديد، بخراب البيت، بإمكانية عدم وجود بيت أو زواج على الإطلاق، يُحتمل استعماله على المرأة في مجتمعنا أكثر مما يحتمل استعماله على الرجل. للجندر أهميته في كل مكان في العالم. وأود اليوم أن أطلب منا أن نبدأ الحلم بخطة من أجل عالم مختلف. عالم أكثر إنصافا. عالم يكون فيه الرجال والنساء أكثر سعادة، ويكونون فيه جميعا أكثر صدقا مع أنفسهم. وهكذا تكون البداية: علينا أن ننشئ بناتنا تنشئة مختلفة. وعلينا أيضا أن ننشئ أبناءنا تنشئة مختلفة.